ترجمات/ معهد واشنطن : الصراع على النفوذ في أفغانستان: حالتا قطر وباكستان
أخبار وتقارير
ترجمات/ معهد واشنطن : الصراع على النفوذ في أفغانستان: حالتا قطر وباكستان
27 تشرين الأول 2021 , 05:14 ص
معهد واشنطن : الصراع على النفوذ في أفغانستان: حالتا قطر وباكستان

 

 

ترجمة أجنبية : 

معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى 

بعد السيطرة على كابل، أعلنت حركة "طالبان" أنها تسعى إلى إقامة علاقات جيدة مع جيرانها – بما فيها الصين والهند وروسيا وباكستان والدول الخليجية. لكن يبدو أن باكستان وقطر اللتين تحافظان على علاقاتهما مع "طالبان"، هما الفائزتان الأكبر على صعيد هذا التوازن المتغيّر وسيكون للقوة التي تختارها دول المنطقة الأخرى للتوسط دور في رسم معالم سياساتها تجاه أفغانستان خلال المرحلة المقبلة.

بنت قطر وباكستان نوعًا خاصًا من العلاقات مع الحركة؛ حيث استضافت قطر مكتب حركة "طالبان" السياسي لمدة ثمانية أعوام، في حين من المعروف أن "خدمات الاستخبارات العسكرية الداخلية" الباكستانية هي المؤسس الرئيسي للحركة.

ويُعتبر نفوذ باكستان في أفغانستان وفي أوساط "طالبان" إلى حدّ كبير مسألة دعم أمني-استخباراتي، بينما يتركز نفوذ قطر على الوساطة والأهمية التي تترافق معها بنظر القوى العالمية والمنظمات الدولية. ويبقى أن نرى – وهو أمر تراقبه الدول العربية عن كثب – الفرص والتحديات التي ستتكشف، وعلى أي من البلدين سينصب تركيز الحركة نفسها والمراقبين الإقليميين المعنيين عند إقامة علاقات ثنائية رسمية.

تجدر الملاحظة أن مكانة قطر كوسيط مع حركة "طلبان" تطورت خلال عقد من الزمن، ولا سيما عندما قررت الولايات المتحدة فتح مكتب سياسي للحركة في الدوحة. وجاء افتتاح المكتب في 2013 بعدما ساهمت المفاوضات المباشرة الفاشلة بين حركة "طالبان" من جهة وممثلي أفغانستان وحلف "الناتو" السابقين من جهة أخرى في تسليط الضوء على ضرورة فتح قناة واضحة مع الحركة. وفي عام 2009، فشلت المساعي لإجراء محادثات بين الحكومة الأفغانية ورجل زعم أنه قائد حركة "طالبان" يدعى الملا أختر محمد منصور عندما أقدم هذا الأخير - الذي تبيّن أنه محتال – على سرقة أموال ممنوحة إليه لتيسير وتحسين العلاقات واختفى.

وكان دعم الولايات المتحدة لقطر كوسيط في محادثات السلام مع حركة "طالبان" قد منحها دورًا أشمل في التطورات المستقبلية التي ستشهدها أفغانستان. وحتى بعد انهيار المحادثات التي جرت عام 2020 في الدوحة بين "طالبان" والحكومة الأفغانية السابقة، قبلت الحكومات الغربية والمنظمات الدولية بشكل خاص بشرعية قطر كنقطة تواصل مع "طالبان"، حيث سافر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى قطر لإجراء استشارات وأثنى على دورها في إبقاء مطار كابل مفتوحًا. كذلك، سلّط سفر وزراء الخارجية البريطاني والهولندي والإيطالي والأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى قطر الضوء على أهمية دور قطر كوسيط في أفغانستان بالمقارنة مع باكستان أو الصين أو روسيا. علاوةً على ذلك، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن "الحوار مع  طالبان ضروري".

 

مقاربة الدول العربية

وفي حين ينصب الاهتمام الدولي على التحكم بالعلاقات مع حركة "طالبان" لتجنب الانهيار الاقتصادي في أفغانستان، تختلف المقاربة التي تنتهجها الدول العربية. فعمومًا، لم تُظهر الدول العربية في شمال أفريقيا والمشرق اهتمامًا كبيرًا بالتطورات في أفغانستان بالمقارنة مع دول الخليج العربي، حيث أن الدول العربية في شمال أفريقيا والمشرق بعيدة جغرافيًا عن أفغانستان وتدير حصتها من النزاعات والاضطرابات الاقتصادية.

غير أنه في حال كان لا بدّ من ردّ جماعي على التطورات في أفغانستان من قبل الدول العربية، ستفضل معظم الدول الأعضاء في "جامعة الدول العربية" على الأرجح دعم مواقف ومصالح قطر في البلاد على باكستان.

لكن عندما يتعلق الأمر بالسعودية والإمارات، فإن اعتبار قطر الوسيط الرئيسي أكثر تعقيدًا. وترتبط حساسية الدول العربية حيال أفغانستان والتطورات التي تشهدها بشكل وثيق بحساسية المجتمع الدولي إزاء هذا البلد. وانطلاقًا من هذه المخاوف، تخشى "جامعة الدول العربية" صعود الإسلام السياسي وازدياد قوة الجماعات الإرهابية في أفغانستان. كما أن القلق يساورها بشأن تدفق اللاجئين إلى الدول العربية والمنافسة الناشئة بين الصين وروسيا وإيران وباكستان في أفغانستان.

إلى ذلك، أغلقت السعودية سفارتها بعدما احتلت حركة "طالبان" كابل ولم تعرب عن رغبة في إعادة فتحها أو الاعتراف بالحكومة الجديدة. لكن لا يمكن للرياض أن تبقى غير مبالية إزاء التطورات في أفغانستان لفترة طويلة، ولا سيما نظرًا إلى تاريخها السابق من العلاقات مع الحركة. وكانت السعودية من بين الدول الثلاث الوحيدة التي اعترفت بالحركة عندما سيطرت على أفغانستان من 1996 ولغاية 2001. فضلًا عن ذلك، وفي حين يُعتبر الوضع معقدًا بين حركة "طالبان" وإيران، إلا أن السماح بانتقال أفغانستان إلى منطقة النفوذ السياسي الإيراني سيكون نتيجة غير مقبولة بالنسبة للرياض. وبالتالي، ستحاول السعودية على الأرجح الحدّ من نفوذ إيران في البلاد، ولا سيما في أعقاب الاضطرابات المحتملة.

ولا بدّ من الإشارة إلى التقارب الديني بين السعودية وأفغانستان بما أن المملكة تسيطر على مكة المكرمة والمدينة المنورة وهي قادرة على التأثير على حركة "طالبان" من هذا المنطلق. وفي الوقت نفسه، تنوي القيادة السعودية الحفاظ على صورتها المروّجة للإسلام المعتدل التي يفضلها المجتمع الدولي. ومن خلال قيامها بذلك، يمكن للسعودية الاضطلاع بدور خاص في تيسير العلاقات مع أفغانستان. وتساهم مساعدة باكستان لتحقيق هذه الغاية في تشجيع السعودية على الإقدام على هذه الخطوة التي يبدو أنها تفضل باكستان على قطر كشريك خلال التعامل مع أفغانستان. وهذا هو الواقع فعلًا نظرًا إلى التوترات المستمرة بين السعودية وقطر على خلفية دعم هذه الأخيرة للجماعات الإسلامية وجماعة "الإخوان المسلمين"، وهو خط أحمر بالنسبة للرياض.

والجدير ذكره أن السعودية وجارتها الإمارات كانتا في السابق من أبرز منافسي قطر المباشرين على دور الوساطة مع حركة "طالبان". وقد حاولت السعودية مرارًا إقناع الحركة بمتابعة المفاوضات على أرضها، لكن هذه الأخيرة لم تكن متفائلة حيال حيادية الحكام السعوديين وفضلت التعامل مع القطريين. واستنادًا إلى تقرير تمّ تسريبه إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، نافست الإمارات بدورها قطر على موقع مكتب حركة "طالبان" السياسي. غير أن المنافسة لم تتوقف عند ذلك الحدّ؛ ففي العام 2018، استضافت أبو ظبي جولة محادثات بين الحركة ومسؤولين أمريكيين.

كما استضافت أبو ظبي مئات اللاجئين الأفغان بعدما سيطرت حركة "طالبان" على كابل واضطلعت بدور ناشط ضمن أفغانستان من خلال إرسال أكثر من 100 طن من المساعدات الإنسانية إليها. وناهيك عن قضية أفغانستان، تنافس الإمارات قطر في الخليج العربي ووجهت لها الانتقادات أيضًا بسبب دعمها المالي والسياسي للجماعات التابعة لـ"الإخوان المسلمين" في المنطقة. ولهذا السبب، ولأن الإمارات لديها علاقات مقربة نسبيًا مع روسيا والصين، فهي قد تدعم النفوذ الباكستاني في أفغانستان.

 

الدور الباكستاني

وفي حال مالت السعودية والإمارات نحو التعويل على باكستان باعتبارها أداة نفوذ، فستنضمان بذلك إلى الصين. علاوةً على ذلك، ورغم تحييد باكستان عن محادثات السلام الأفغانية، إلا أن تأثيرها الكبير على حركة "طالبان" وتوجيهها الاستخباراتي واللوجستي ساعداها إلى حدّ ما على استعادة مركزها كوسيط في أفغانستان – وبخاصةٍ بالنسبة للصين. هذا وتكتسي أفغانستان أهمية استراتيجية كبرى لمبادرة الحزام والطريق التي وضعتها بكين، إلى جانب المصلحة في مناجم معادن التربة النادرة في أفغانستان والحفاظ على الهدوء في ممر واخان، حيث تكون الصين معرضة بشكل خاص لهجمات الانفصاليين من الأيغور.     

ولكن في الخفاء، يبدو الصينيون حذرين من الاعتماد كثيرًا على النفوذ الباكستاني. فالعمال الصينيون في باكستان قُتلوا في هجمات إرهابية قد تنذر بارتفاع ملحوظ في وتيرتها في أفغانستان، كما أن حركة "طالبان" تفضل الانعزال على الطرق والسدود التي قد تساهم في تقليص سيطرتها على الشعب. وتعوّل الصين على باكستان لتكون جهتها الميسرة في أفغانستان، على حدّ تعبير سجان غوهيل، مدير الأمن الدولي في جمعية آسيا-المحيط الهادئ في لندن، الذي قال في هذا السياق: "يبدو الصينيون واثقين من قدرتهم على الحصول على المزيد من الضمانات الأمنية من "طالبان" بفضل روابطهما المتبادلة مع باكستان". 

مع ذلك، لا يمكن للأوروبيين حتى تجاهل دور باكستان، كما أن النظرة الأمريكية لم تردع القوى الغربية الأخرى عن طرق باب باكستان. فكما زارت العديد من الدول الدوحة للتواصل مع "طالبان"، زار وزراء خارجية بريطانيا وإيطاليا وألمانيا العاصمة إسلام أباد. ويبدو أن الدبلوماسيين الأوروبيين يعتقدون – أو على الأقلّ يأملون – أن تكون باكستان حافظت على بعض نفوذها على الحركة. كما يخشون أن إقصاء باكستان قد يشجعها على اللجوء أكثر فأكثر إلى أحضان الصين.    

من جهة أخرى، إن باكستان معروفة بعدم قدرتها على السيطرة على الجماعات المتطرفة، وتعرضت للانتقادات بسبب فشلها في محاولة تغيير سلوك "طالبان" واحتضان الحركة بعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان.

وفي حال رغبت "طالبان" بحصولها على شرعية دولية واعتراف بها من قبل المجتمع الدولي سيتعين عليها اللجوء إلى النفوذ الدبلوماسي القطري وقوى الوساطة في الساحة الدولية. ولا بدّ من الاعتراف بحكومة "طالبان" الجديدة من قبل المجتمع الدولي؛ فهي لا ترغب بعزلها كما حصل بين 1996 و2011. فضلًا عن ذلك، تحتاج "طالبان" بإلحاح إلى استثمارات قطر. وكانت الولايات المتحدة قد  جمّدت أصولًا بنحو 9.5 مليار دولار في مصرف أفغانستان المركزي.     

وبالتالي، ونظرًا إلى نفوذ باكستان الواسع النطاق في أفغانستان، ربما يكون قد تمّ تجاهل إسلام أباد في بداية الانخراط العالمي في أفغانستان، ولكن من المرجح أن تتكشف أهميتها السياسية والجيوسياسية تدريجيًا.

وفي خضم ذلك، قد يدرك المجتمع الدولي أنه من دون مشاركة باكستان في هذا الموضوع، لن تستمر السياسات في أفغانستان. وإذ تمّ اختيارها بسبب حيادها، لا تتمتع قطر بنفوذ فعلي كبير على "طالبان"، مما أدّى إلى توجيه بعض الانتقادات إلى الدوحة لعجزها عن ضمان شروط محادثات السلام التي أجريت في 29 شباط/فبراير 2020. فاستنادًا إلى محادثات السلام المنهارة حاليًا، لم تكن "طالبان" ستستولي على أفغانستان بالقوة وكانت الحركة مرغمة على الدخول في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية. في هذا السياق، صرّح وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، في مقابلة أجريت معه في 22 آب/أغسطس على قناة "فوكس نيوز" بأن لا سلطة لقطر على "طالبان" ولو كان لديها أي نفوذ على الحركة "لكنا توصلنا إلى اتفاق سلام بينها وبين الحكومة الأفغانية. قطر هي مجرد "وسيط حيادي".  

وعلى نحو مماثل، يتعارض موقف قطر المحايد مع نفوذ باكستان الفعلي على "طالبان"، فالأسس الإيديولوجية للحركة تشكلت في مدارس كويته وبيشاور الدينية الباكستانية، وتربط بين الجهتين علاقات ثقافية وإثنية ودينية. كذلك، لباكستان تأثير مباشر وعميق على بعض قادة "طالبان" ومقاتليها.

كما يحتفظ الجيش الباكستاني، وبخاصةٍ "خدمات الاستخبارات العسكرية الداخلية"، بنفوذ كبير على "طالبان" رغم الأراضي الكثيرة التي كسبتها هذه الجماعة المسلحة في أفغانستان. يُذكر أن أفرادًا من مجلس قيادة الحركة (الشورى) يقيمون بأمان في باكستان، بما في ذلك في كويته في إقليم بلوشستان. ويمكن للحركة أن تنقل بحرية الرجال والمعدات إلى أفغانستان، وأن تستخدم مستشفيات باكستان لمعالجة الجرحى من مقاتليها، وأن تتواصل مع قادة عملياتها في أفغانستان؛ ففي بعض الحالات حتى، استخدم أفرادها جوازات سفر باكستانية للسفر إلى الخارج. ويتردد أنهم يملكون أيضًا أصولًا عقارية مربحة ولديهم مصالح تجارية كبيرة في مدن كراتشي وبيشاور وكويته الباكستانية.  

تجدر الملاحظة أن منافسة أخرى تتكشف معالمها حاليًا ستحدد الجهة الفائزة، وهي منافسة ضمن صفوف "طالبان" نفسها. ورغم أن الحركة يتزعمها ملا وهو هبة الله آخُند زاده، إلا أنها بعيدة كل البعد عن كونها جهة فاعلة موحدة. فقطر مصطفة مع الفصيل السياسي بقيادة الملا عبد الغني برادر، الذي ترأس مكتب الدوحة وهو الآن نائب رئيس حكومة "طالبان" الجديدة وقد عقد اجتماعًا سريًا مع مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" وليام بيرنز. في المقابل، تدعم باكستان الجناح العسكري الذي يتولى تنظيمه أمثال وزير الدفاع الجديد محمد يعقوب – نجل القائد الأعلى السابق الملا عمر – ووزير الداخلية سراج الدين حقاني، قائد "شبكة حقاني" التي صنفتها الولايات المتحدة مجموعة إرهابية والذي لا يزال على رأس قائمة المطلوبين لـ “مكتب التحقيقات الفيدرالي ". غير أنه يجب ألا يغيب عن بال المرء أن مجلس الشورى برئاسة آخُند زاده هو الذي يمسك بزمام السلطة بشكل رئيسي حيث يتمّ اتخاذ القرارات الأهم وحيث للجناح العسكري الكلمة الفصل.    

وأخيرًا، لا بدّ من الإشارة إلى أنه وسط الهجوم الكبير الذي نفذه تنظيم "داعش" على مسجد شيعي في أفغانستان هذا الأسبوع، سيتعين على "طالبان" النظر في كيفية التعامل مع هذه الجماعات الإسلامية على غرار "داعش" و"تنظيم الدولة الإسلامية ولاية خراسان" التابع له، أو كيفية مواجهة الحركات المعادية لـ"طالبان" كتلك في وادي بنجشير. وعلى نحو مماثل، يبدو أن مخاوف الدول العربية من الإرهاب تتحقق، ما يشير إلى أنها ستبحث، بالتعاون مع المجتمع الدولي الذي تنتابه المخاوف نفسها، في سبل للحدّ من احتمال تحوّل أفغانستان في عهد "طالبان" إلى أرض لتدريب هذه الجماعات الإرهابية. 

معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى

المصدر: مموقع إضاءات الإخباري