الحرب وتطوّر قدرات الجيش السوري التسليحية والقتالية- حسن حردان
دراسات و أبحاث
الحرب وتطوّر قدرات الجيش السوري التسليحية والقتالية- حسن حردان
29 أيار 2019 , 13:45 م

 

 

كان العدو الصهيوني على وجه التحديد ينتظر أن تؤدّي الحرب الإرهابية إلى تدمير الجيش السوري وجعله حطاماً منسياً، لما يشكله من قلق دائم للكيان الصهيوني المحتل، ولهذا فقد جرى التركيز

 

 

كان العدو الصهيوني على وجه التحديد ينتظر أن تؤدّي الحرب الإرهابية إلى تدمير الجيش السوري وجعله حطاماً منسياً، لما يشكله من قلق دائم للكيان الصهيوني المحتل، ولهذا فقد جرى التركيز بداية الحرب على ضرب منظومة دفاعه الجوي لجعل وحداته العسكرية ومراكز أبحاثه مكشوفة أمام الطيران الحربي الصهيوني لضربها وتدميرها، غير أنّ ما حصل جاء على غير ما يحلم به القادة الصهاينة، فحساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر، فرغم نجاح الجماعات الإرهابية بداية في ضرب وحدات الدفاع الجوي، والسيطرة على بعضها، إلاّ أنّ الخطط التي وضعتها القيادة العسكرية السورية نجحت في تجميع قوات الجيش ووحداته المنتشرة في شتى أنحاء سورية ومنها طبعاً وحدات الدفاع الجوي، وبالتالي الحيلولة في المرحلة الأولى دون استهدافها والعمل على حمايتها من هجمات الإرهابيين، وفي المرحلة الثانية نجاح مراكز الأبحاث العسكرية في تطوير قدرات الدفاع الجوي من ناحية، وقيام القيادة العسكرية بإعداد وتدريب فيالق عسكرية جديدة على أساليب حرب العصابات في كلّ الظروف، إن كان في المدن والأزقة أو في الجبال والوديان والصحراء من ناحية ثانية.

فالجيش السوري كان يواجه أنواعاً متعدّدة من الحروب النظامية وغير النظامية والحروب الإرهابية المبتكرة في وسائلها والتي هدفت إلى مباغته وضرب قواه وتشتيتها وتدميرها عبر بث الرعب والهلع داخل صفوف الضباط والجنود من خلال عمليات الذبح وتقطيع أوصال الأسرى.

فنجحت قيادة الجيش بداية في تجميع الوحدات العسكرية في مناطق استراتيجية والدفاع عنها وكذلك خطوط الأمداد الأساسية، وكانت في هذا الوقت تجهّز وتدرّب الفيالق العسكرية الجديدة وفي نفس الوقت تخوض وحدات النخبة عمليات مركزة لاستعادة بعض المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي تمثلت بداية في تحرير حي بابا عمرو في حمص عام 2013، ومن ثم مدينة القصيْر على الحدود مع لبنان، مما شكل ضربة موجعة لخطط الإرهابيين لاستكمال السيطرة على محافظة حمص التي تتوسط سورية، وأسّس في ما بعد لتحرير المناطق التي سيطر عليها الإرهابيون الواحدة تلو الأخرى.

استندت خطة القيادة العسكرية التي نجحت في تحقيق أهدافها إلى العوامل التالية:

العامل الأول: إعادة تموضع القوات المسلحة لاحتواء الهجوم الإرهابي.

العامل الثاني: التمركز في مناطق يمكن الدفاع عنها.

العامل الثالث: تنظيم قوات الاحتياط وإنشاء قوات الدفاع الوطني لسدّ الثغرات في المناطق التي يتمّ تحريرها أو المناطق التي لا يستطيع الجيش تغطيتها.

العامل الرابع: إعداد وتجهيز وتدريب قوات خاصة لخوض الحروب المتعددة ضدّ قوى الإرهاب، وفي هذا السياق جرى أعداد الفيلقين الرابع والخامس.

العامل الخامس: وضع خطة عملية تقوم على استعادة وتحرير المناطق المهمة والاستراتيجية على التوالي.

العامل السادس: الانتقال للهجمات الواسعة لتحرير المدن الكبرى والبادية السورية والمناطق الحدودية مع لبنان والأردن والعراق.

العامل السابع: خطة تجميد جبهات عبر اتفاقات خفض التصعيد لتحييدها مؤقتاً وتركيز جهود القوات العسكرية لتحرير المناطق الأخرى.

هذه الخطة العسكرية، نجحت في تحقيق أهدافها بداية في تمكين الجيش من الصمود والحفاظ على وحداته الأساسية وتحرير بعض المناطق الحيوية، وبعد ذلك الانتقال إلى مرحلة الهجوم الشامل في أيلول عام 2015 تاريخ الحضور العسكري الروسي النوعي، لتحرير المدن والمناطق المختلفة بدءاً من حلب إلى تدمر ودير الزور والحدود مع العراق ولبنان وأرياف دمشق وجنوب سورية والحدود مع الأردن، وصولاً إلى محافظة إدلب، وشرق الفرات، وبالتالي القضاء على الإرهاب وتحقيق النصر على الحرب الإرهابية عسكرياً وسياسياً.

رابعاً: تطوير قدرات الدفاعات الجوية وردع العدوانية الصهيونية

في هذه الأثناء كانت مراكز الأبحاث العسكرية تضع اللمسات الأخيرة على تطوير قدرات الدفاع الجوي السوري، واستعادة قدراتها وجاهزيتها للتصدي لغارات الطيران العدو الصهيوني، الذي كان يضرب هذه المراكز البحثية العلمية، إنْ كان في جمرايا قرب دمشق أو غيرها من المناطق، ونجحت هذه المراكز في تطوير منظومة صواريخ «أس 200»، وفي اللحظة التي بدأت فيها معركة تحرير الغوطة الشرقية، تم استخدام هذه الصواريخ وإسقاط طائرة «أف 16» الصهيونية المتطورة وتوجيه صفعة موجعة لكيان العدو الصهيوني ولجم قدرة طائراته على التحليق في أجواء سورية واضطرت في ما بعد إلى تنفيذ اعتداءاتها من فوق الأراضي المحتلة ولبنان لتجنّب مواجهة هذه الصواريخ.

على أنّ هذا النجاح للدفاعات الجوية السورية في استعادة قدراتها وإقامة نوع من الردع في مواجهة الطائرات المعادية، ترافق أيضاً مع الانتقال إلى الردّ على الاعتداءات الصهيونية في قصف مواقع جيش الاحتلال بعشرات الصواريخ الدقيقة أرض أرض والتي عُرفت بليلة الصواريخ، وذلك رداً على اعتداءات صهيونية على مواقع الجيش العربي السوري والمستشارين الإيرانيين، وهو الأمر الذي فاجأ قادة العدو ورسم قواعد جديدة للاشتباك معه ودفعه مجبراً هو وحليفه الأميركي إلى التخلي عن دعم الإرهابيين في جنوب سورية أثناء شن الجيش السوري هجوماً شاملاً لتحريره.

«أس300» وردع في كل الاتجاهات

شكل قرار روسيا تسليم سورية منظومة صواريخ «أس 300» للدفاع الجوي إلى جانب منظومة التحكم الإلكترونية والتقنية على اثر سقوط الطائرة الروسية «إيل 20» بفعل الكمين الغادر الذي نصبته لها طائرات العدو الصهيوني أثناء عدوانها على مدينة اللاذقية، والذي اعتبرته القيادة الروسية بمثابة اعتداء وانتهاك سافر اقترفته القيادة الإسرائيلية بحق روسيا، شكل تطوّراً نوعياً في موازين القوى العسكرية للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، عزز قدرات سورية الردعية في مواجهة الطيران الصهيوني، فمنظومة صواريخ «أس 300» تُمكّن سورية من حماية أجوائها وأجواء لبنان معاً، وإسقاط الطائرات الصهيونية في سماء فلسطين المحتلة، ما يعزز الاستراتيجية السورية في بناء التوازن الاستراتيجي التي وضع أسسها الرئيس الراحل حافظ الأسد، ويجعل الجيش السوري في وضع القادر على تحرير ما تبقى من أرض سورية في شمال وشرق سورية، من قوى الإرهاب والأمر الواقع المدعومة من الاحتلال الأميركي والتركي، وبالتالي فإنّ امتلاك سورية لـ «أس 300» الحديثة وفر للجيش السوري القدرة على ردع العدوانية الصهيونية والأميركية والتركية، وأمن الغطاء لوحدات الجيش والحلفاء لاستكمال تحرير هذه المناطق ووضع حدّ لسياسة الابتزاز الأميركية والتركية التي تريد مقايضة سحب قواتهما المحتلة للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية تمسّ سيادة واستقلال سورية عجزت من تحقيقها على مدى سنوات الحرب.

فامتلاك الجيش السوري هذه المنظومة المتطورة والذي ما كان ليحدث لولا صموده وإثباته قدرة كبيرة على محاربة الإرهاب والانتصار عليه وتطوير قدراته، يحقق أمرين مهمين لسورية:

الأمر الأول: إنهاء زمن التفوّق الجوي الصهيوني والأميركي وتعزيز الموقف الوطني المقاوم للقيادة السورية، وزيادة عزمها وإصرارها على تحقيق أهدافها في القضاء على ما تبقّى من إرهاب، واستعادة سيطرة الدولة السورية على كامل الأرض السورية دون تقديم أيّ تنازل عن سيادة واستقلال سورية.

والأمر الثاني: تعزيز توازن القوى لمصلحة محور المقاومة، الذي طبعاً يثير غضب وهلع قادة واشنطن وتل أبيب. فهو يفاقم من عجزهم في تحقيق أيّ هدف من أهدافهم الاستعمارية، ويكرّس التبدّل الهام والجوهري في موازين القوى العسكرية في الصراع العربي الصهيوني والذي نتج من تسلّم الجيش السوري منظومة «أس 300»، فهذا السلاح يعزز قوة الردع العسكرية السورية ولدى محور المقاومة في مواجهة الاحتلال الصهيوني ويوفر قاعدة حماية للمقاومة لمواصلة كفاحها الوطني ضدّ الاحتلال، ويضعف من قدرة العدو على شنّ الحرب ويجعله مكبّلاً أكثر من أيّ مرحلة ماضية.. فالحرب الإرهابية الاستعمارية على سورية، التي كان يتأمّل منها قادة العدو أن تؤدّي إلى تدمير الجيش السوري لا سيما قدراته الصاروخية وصناعته العسكرية ليسهل عليهم القضاء على المقاومة في لبنان وفلسطين، أدّت هذه الحرب إلى خروج جيش سورية أكثر قوة مما كان عليه، حيث إلى جانب الخبرات العسكرية والقتالية التي حاز عليها على مدى سنوات الحرب، امتلك المزيد من الأسلحة الحديثة والمتطورة التي كان يسعى إليها، ولم يكن يحصل عليها، وفي مقدّمها الصواريخ الدقيقة ودبابات تي 90 وأخيراً منظومة «أس 300»، على أنّ هذا التطور النوعي في قدرات الجيش السوري كرّس قواعد اشتباك جديدة مع العدو تعمّق مأزق كيان الاحتلال الصهيوني في سعيه لفرض مشاريعه ومخططاته التوسعية، ليتحقق بذلك حلم الرئيس الراحل حافظ الأسد في بناء منظومة التوازن الاستراتيجي…

خامساً: قواعد الاشتباك الجديدة

نتج عن الحرب الإرهابية على الجيش السوري.. جملة من النتائج الهامة أبرزها:

1 ـ خروج الجيش السوري من الحرب أكثر تمرّساً في خوض كلّ أشكال الحروب، وتحوّله ليصبح من أقوى الجيوش في المنطقة، يملك خبرات قتالية هامة تعزز من قدراته القتالية في مواجهة جيش الاحتلال الصهيوني في الميدان..

وقد عبّر الخبراء العسكريون الصهاينة عن قلق كيان العدو من تطوّر الأساليب والقدرات القتالية للجيش السوري في السيطرة على مواقع القوى الإرهابية والتي تقوم على إسقاط المنطقة الجغرافية التي يريد الجيش دخولها قبل اقتحامها وتطهيرها من الإرهابيين، وذلك عبر حصار المنطقة وقطع الطريق بين المراكز والمحيط، وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخبارية الدقيقة عن مراكز عصب وتواجد الجماعات الإرهابية مع اعتماد الغارات الجوية الدقيقة، مما حال دون التسبّب في وقوع خسائر في صفوف المدنيين.. ويقول هؤلاء الخبراء في إشارة إلى قلق تل أبيب من أساليب العسكرية التي استخدمها الجيش السوري في حربه ضدّ الإرهابيين…

«إنّ إسرائيل تراقب باهتمام هذا الأسلوب القتالي الذي يستخدمه الجيش السوري، فتل أبيب منشغلة منذ حرب لبنان الثانية عام 2006 بمناورات عن الالتحام المباشر مع العدو وليس بحرب الدبابات والتراشق المدفعي في الميدان».

ويضيف هؤلاء الخبراء في حديث لصحيفة «المنار» المقدسية: «إنّ الجيش السوري عمل هو الآخر، منذ انتهاء حرب لبنان، على إعطاء اهتمام أكبر للقوات الخاصة التي يتمّ تأهيلها وتدريبها للتعامل مع حرب العصابات، وبالتحديد تشكيل فرق يطلق عليها اسم فرق «صيادي الدبابات»، وهذا الجيش يعيش مناورات واقعية حية على الأرض في حرب عصابات ضدّ الإرهابيين… وتمكّن بنجاح من ملاءمة تفكيره وتكتيكه العسكري مع واقع الميدان وهذا النوع من المعارك… وبالتالي فإنّ خبرة الجيش السوري في هذا الميدان هو ما يقلق «إسرائيل»، فأية مواجهة مقبلة لن تكون بين مجموعات من المقاتلين، كما حدث مع حزب الله والجيش الإسرائيلي، وإنما معركة بين جيش نظامي أصبح متمرّساً في هذا النوع من القتال القائم على الالتحام المباشر الذي يصادر بشكل تلقائي دور سلاح الطيران، وهذا ما تخشاه إسرائيل»..

وفي السياق ذاته ذكرت صحيفة «هآرتس» الصهيونية في تعليقها على المعارك في الجنوب السوري.. «أنّ التقدم السريع للجيش السوري في ريفي القنيطرة ودرعا والتكتيك المتبع في سير العلميات العسكرية بات اليوم يشكل الخطر الأكبر لإسرائيل، وهذا ما دعا ضباط الجيش الإسرائيلي لطلب جنود الاحتياط من لواء غولاني وإجراء مناورات برية تحاكي طبيعة الأراضي الحدودية خوفاً من العمليات التي ينفذها الجيش السوري في المنطقة»…

وقال المحلل العسكري للصحيفة عاموس هزئيل «إنّ استمرار القتال في سورية هو الأفضل بالنسبة لإسرائيل.. الجيش السوري كان اكثر ما يقلق الجيش الإسرائيلي».

2 ـ تنامي قدرات الجيش السوري، يمكن القول إنّ الجيش السوري نجح، ليس فقط في الصمود وتطوير أساليبه القتالية وخوض غمار كلّ أشكال الحروب والنجاح فيها، بل ونجح أيضاً في زيادة قدراته العسكرية وتغيير المعادلة التي كانت تصبّ في مصلحة العدو.. فزمن تفوّق الجيش الصهيوني المطلق ولّى، وتبدّد، فإذا كانت حرب 2006 قد كشفت حدود القدرة العسكرية الصهيونية في ميدان القتال، فإنه بعد الحرب الإرهابية على سورية ازداد مأزق القوة الصهيونية وعجزها عن تغيير المعادلة واحتفاظها بالتفوّق الجوي، بعد تطوير قدرات سورية في مجال الدفاع الجوي، وحصولها على منظومة صواريخ «أس 300» الحديثة…

قبل هذه النتيجة التي انتهت إليها الحرب الإرهابية على سورية، كان ضباط في المؤسسة الأمنية الصهيونية عام 2007، قد قالوا: «إنّ صورة تفوّق الجيش إسرائيلي على الجيش السوري، التي سادت لسنوات طويلة لم تكن دقيقة، فسورية تبني قدرات عسكرية غير مسبوقة وأنّ تحقيق النصر في أيّ حرب مع دمشق لن يكون بالسهولة التي يتصوّرها البعض»…

إذا كانت هذه هي الصورة لدى قادة جيش العدو عام 2007، فكيف هي عام 2018 بعد أن نجحت سورية بدعم من حلفائها في محور المقاومة، وروسيا في إلحاق الهزيمة بجيوش الإرهاب المدعومة من أكثر من مئة دولة شكلت تحالفاً دولياً بقيادة أميركا لإسقاط سورية وتدمير قواتها المسلحة؟!

الأكيد أنّ سورية باتت أقوى، وتمتلك من القدرات يفوق بكثير ما كانت تحوز عليه عام 2007، وما حصولها على منظومة «أس 300» ومنظومة السيطرة والتحكم والتشويش على رادارات العدو إلاّ مؤشراً على امتلاكها الكثير من القدرات العسكرية التي تسهم في ردم الهوة في توازن القوى العسكرية بينها وبين الكيان الصهيوني، على أنّ ما يقلق قادة العدو الصهيوني، لا سيما في المؤسسة العسكرية، هو أنّ سورية تعتقد اليوم هذا في عام 2007 حسب صحيفة «جيروزاليم بوست» الصهيونية أنه «باستطاعتها استخدام تكتيكات حزب الله في أيّ مواجهة مستقبلية مع إسرائيل، وربما أيضاً إلحاق الهزيمة بالجيش الذي كان يُقال عنه يوماً.. «لا يمكن هزيمته»، وتنقل عن أحد الضباط الصهاينة قوله: «كنا نعتقد لسنوات طويلة أنّ جيش الدفاع إسرائيلي متفوّق على الجيش السوري لكن بعد الحرب على لبنان، نعلم انّ هذا التفوّق غير دقيق، مشيرة إلى أنّ «سورية أسّست منذ انتهاء الحرب الأخيرة على لبنان، وحدات كوماندوس جديدة وقامت بزيادة التدريبات على تقنيات قتال الشوارع»..

إذا كان هذا الحديث الإسرائيلي عن قدرات سورية قبل شن الحرب الإرهابية الكونية عليها عام 2011 لتدمير هذه القدرات وإسقاط سورية في شباك المشروع الأميركي الصهيوني عبر محاولة تحويل نظامها إلى نظام تابع للغرب، فإنّ هذه القدرات السورية قد زادت على كلّ المستويات وباتت كمّاً ونوعاً اكبر بكثير مما كانت عليه قبل شنّ الحرب الإرهابية على سورية، فعدا عن الخبرات الكبيرة التي اكتسبها الجيش السوري في ميادين الحرب في مختلف صنوف القتال المعقد في الصحراء والجبال والوديان وفي المدن، فإنه حصل أيضاً على أنواع عديدة من الأسلحة المتطوّرة التي لم تكن بحوزته، زادت من قدراته وجعلته اليوم من الجيوش القوية في المنطقة خبرة وقدرة قتالية وتسليحية في آن..

إذا كانت القيادة الصهيونية أرادت تدمير قدرات سورية المتزايدة بعد حرب عام 2006 على لبنان كمقدّمة للعودة إلى القضاء على المقاومة في لبنان، فإنّ نتائج الحرب الإرهابية التي شنّت على سورية بدعم أميركي إسرائيلي مباشر، قد ضاعفت وزادت كماً ونوعاً القدرات العسكرية للجيش السوري الذي هو على وشك إعلان انتصاره على أشرس حرب إرهابية كونية، وهو يملك قدرات وإمكانيات قتالية وتسليحية يفوق بكثير ما كان يحوز عليه قبل شنّ هذه الحرب عام 2011….

على أنّ التطوّر اللافت والهام في مجرى الصراع كان في 10 شباط من العام 2018 عندما أسقطت الدفاعات الجوية السورية طائرة صهيونية من طراز «أف 16» فوق الجليل في فلسطين المحتلة، حيث جاءت هذه الرسالة بمثابة الصاعقة التي ضربت عقل المؤسسة العسكرية الصهيونية والتي أشرت إلى سقوط مدوّ لأحد أهمّ أهداف الحرب الإرهابية الكونية على سورية، وهو تدمير الجيش العربي السوري وقدراته الصاروخية والبحثية، يقول الكاتب مهران غطروف في مقال نشرة مركز «كاتيخون» للدراسات:

«إنّ رغبة إسرائيل في توريط أميركا مجدّداً في حرب شبه شاملة ضدّ إيران وحلفائها خاصة بعد تبنّيها وتسويقها المباشر لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران 8 أيار الماضي ما دفعها للاستثمار المباشر في ذلك عبر توجيه ضربات صاروخية لمواقع في منطقة الكسوة قرب دمشق ، بعد ساعات من إعلان ترامب هذا الانسحاب، تصدّت لها الدفاعات الجوية السورية بإسقاطها مباشرة، كما حال معظم الاعتداءات التي سبقتها على وجه الخصوص بعد إسقاط طائرة «أف 16» وصولاً للساعات الخمس الأولى من يوم 10 مايو أيار 2008 حيث جاء سقوط فكرة العدوان الإسرائيلي المتكرّر على سورية خلال الحرب هذه نتيجة الردّ غير المتوقع من قبل الدفاعات الجوية السورية التي أمطرت المواقع الإسرائيلية في الجولان المحتلّ بعشرات الصواريخ لتكون بذلك أكبر مواجهة مباشرة في هذه الجبهة بعد 6 أكتوبر تشرين أول عام 1973، وبغضّ النظر عن عشرات الصواريخ التي أطلقتها الطائرات الإسرائيلية عقب الردّ السوري في محاولة يائسة منها لتثبيت معادلات الصراع القائمة على ما هي عليه لكن يبدو دونما جدوى».

واذا كان الكاتب قد اعتبر بذلك انّ يوم 10 مايو ـ أيار هو يوم سقوط العدوان الأخير على سورية بلا منازع وهو آخر شكل ووجه للحرب التي فرضت على الدولة السورية خلال سنين الحرب كاملة».. فانّ العدوان الجوي الصهيوني على مدينة اللاذقية وما أسفر عنه من سقوط طائرة «إيل 20» الروسية وتسليم سورية منظومة «أس 300» وتوابعها قد شكل صفعة موجعة للعدوانية الصهيونية.. وأفضى إلى تكريس توازن قوى جديد في مواجهة القوة الصهيونية زاد من مأزق هذه القوة وأشر إلى انّ الحرب الإرهابية الاستعمارية على سورية لم تفشل فقط في إسقاط سورية وتدمير قوة جيشها، بل أفضت أيضاً إلى تنامي قوة سورية كمّاً ونوعاً ومفاقمة عجز القوة الصهيونية، وبالتالي رسم موازين جديدة للقوى العسكرية عززت من القدرات الردعية لسورية ومحورها المقاوم..

3 ـ توازن قوي جديد… وتنامي مأزق «إسرائيل»

إنّ خروج سورية ومحورها المقاوم من الحرب الإرهابية الاستعمارية الكونية منتصرين، إلى جانب تنامي قوتهم على المستويات كافة، أوجد توازناً جديداً للقوى العسكرية في منطقة الشرق الأوسط لمصلحة محور المقاومة الذي يشكل الجيش السوري أحد أعمدته الأساسية، فإلى جانب ازدياد القدرات العسكرية الدفاعية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتطوير منظومة دفاعاتها الصاروخية براً وبحراً وجواً وامتلاك المقاومة في لبنان المزيد من الأسلحة النوعية وفي طليعتها الصواريخ الدقيقة، القادرة على إصابة أهدافها في فلسطين المحتلة إلخ…

نجح الجيش السوري في تحديث قدراته القتالية والتسليحية وتحوّل ليصبح من الجيوش القوية في المنطقة.. الأمر الذي أحدث تحوّلاً نوعياً في موازين القوى العسكرية في مواجهة القوة الصهيونية، لم يسبق أن شهدنا مثيلاً له في تاريخ الصراع العربي الصهيوني. فكيان العدو بات للمرة الأولى محاطاً ببيئة استراتيجية جديدة من توازن القوى يملك فيها محور المقاومة قدرات عسكرية ردعية تكبّل وتقيّد العدوانية الصهيونية من ناحية، وتدخل القادة الصهاينة ومشروعهم الاستعماري التوسعي في فلسطين المحتلة والمنطقة في مأزق العجز والتخبّط والتراجع نتيجة افتقادهم زمام المبادرة وعدم قدرة جيشهم على تحقيق النصر في أيّ حرب مقبلة من ناحية ثانية، واستطراداً عدم قدرته في منع تحوّل الجبهة الداخلية لكيان العدو إلى ساحة حرب بفعل الصواريخ التي ستهطل عليها من أطراف محور المقاومة في سورية ولبنان وغزة وإيران، على أنّ ما يثير القلق والهلع لدى الكيان الصهيوني هو امتلاك الجيش السوري قدرات عسكرية نوعية لم يكن يمتلكها قبل شنّ الحرب على سورية، وأنّ هذه القدرات غيّرت موازين القوى العسكرية..

في هدا السياق عبّرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الصهيونية عن قلقها الشديد إزاء تسليم الجيش السوري منظومة الدفاع الجوي «أس 300»، وأكدت أنّ مثل هدا الأمر يمثل «تهديداً خطيراً لجيش إسرائيل لأنّ الأسلحة الروسية أكثر فعالية من وسائل الدفاع الجوي المتوافرة في سورية حالياً».

وكتبت آنا أرونخيي في الـ جيروزاليم بوست «أنه الآن يمكن تجنّب الحوادث مثل حادثة سقوط أيل 20» مشيرة إلى أنّ «أس 300 ستؤثر بشكل كبير على الدفاع الجوي السوري لأنها قادرة على ضرب الأهداف على بعد 300 كيلومترا».

في المقابل علقت القناة التاسعة الإسرائيلية بالقول هناك «كابوس ينتظر إسرائيل».

هذا التطوّر الجديد والنوعي في قدرات الجيش السوري علق عليه أندريه اونتيكوف الخبير الروسي بشؤون الشرق الأوسط بالقول: «دون شك إسقاط الطائرة الروسية إيل 20 تجاوزت فيه إسرائيل الخط الأحمر. وروسيا قدّمت ردّها على هذه الخطوة العدوانية من قبل إسرائيل بحيث سيتمّ تسليم ونشر منظومة أس 300 في سورية ونشر منظومات التشويش على الرادارات الإسرائيلية وعلى الأقمار الاصطناعية».

أضاف اونتيكوف: «إسرائيل يمكن أن تحاول أن تتدخل في الأجواء السورية بعد أن تصل صواريخ أس 300 ويتمّ نشرها، وسترى إسرائيل فعلياً ما هي قدرات المنظومة، هذا أولاً، وأريد أن أذكر الدبلوماسي الإسرائيلي ألكس بوكسلير بأنه في العاشر من شباط ـ فبراير العام الحالي كان الجيش السوري قد أسقط طائرة إسرائيلية بصواريخ أس 200 القديمة نسبياً.. إذاً كما ذكرت الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي، وأريد أن أشير إلى أنّ هذا الردّ العصبي والقلق لدى إسرائيل يوضح تماماً أنّ إسرائيل لن تستطيع أن تتحرك بحرية في هذه الأجواء كما كانت تتحرك في السابق».

وتابع الخبير الروسي قائلاً: «نذكر أنه بعد إسقاط الجيش السوري الطائرة الإسرائيلية في شباط الماضي قامت إسرائيل بقصف المواقع السورية من الأجواء اللبنانية ومن البحر المتوسط، الآن سيتمّ إغلاق على الأقلّ أحد هذين الاتجاهين أيّ البحر المتوسط، والشيء الثاني هذه الصواريخ ليست قادرة فقط على إسقاط الصواريخ فوق سورية أو مياه البحر المتوسط، أو الأجواء اللبنانية، بل هي قادرة على الوصول إلى الأجواء الفلسطينية نفسها.. إذاً التصريحات والردّ العصبي للطرف الإسرائيلي هو نتيجة التحركات الروسية الحاسمة لمنع إسرائيل من أن تتحرك بحرية كما في السابق».

هكذا فإنّ هدف تدمير الجيش العربي السوري كمدخل لإسقاط وتفكيك الدولة السورية ووحدة الشعب السوري، واستطراداً قصم ظهر محور المقاومة مُني بفشل ذريع.

فهدا الجيش خيّب آمال أعدائه فهو على وشك الخروج من الحرب منتصراً وقد بات أكثر قدرة وكفاءة قتالية ويملك من الأسلحة النوعية ما يفوق ويتجاوز ما كان يملكه قبل العام 2011، الأمر الذي صدم الحكام الصهاينة وأميركا والغرب الذين باتوا اليوم في حالة ذهول وصدمة من القوة الهائلة التي بات عليها الجيش السوري بعد كلّ هذه الحرب التي أتت بنتائج معاكسة تماماً لما كانوا يحلمون…

النتيجة المؤكدة هي انقلاب السحر على الساحر.. فقد نجح جيش سورية، متسلحاً بعقيدته الوطنية والقومية، في تدمير جيوش الإرهاب والانتصار عليها بدعم من حلفائه، بدلاً من أن تنجح هذه الجيوش في تدمير الجيش السوري، وبالتالي نجح في إلحاق الهزيمة بأعدائه وإحباط أهدافهم الاستعمارية لتبقى سورية قلب العروبة النابض، وقلعة المقاومة عصية على قوى الاستعمار والاحتلال وأدواتهم الرجعية والإرهابية التكفيرية.

كاتب وإعلامي

المصادر

ـ معهد كارنيغي الأميركي للأبحاث والدراسات.

ـ كتاب شمعون بيريز «الشرق الأوسط الجديد».

ـ صحيفة «هآرتس الإسرائيلية» 15/3/2015.

ـ جريدة السفير اللبنانية حوار مع الصحافي باتريك سيل 4/5/1990 .

ـ كتاب «استراتيجية الرئيس الأسد» للكاتب حميدي العبدالله.

ـ صحيفة المنار المقدسية.

ـ صحيفة «جيروزاليم بوست الإسرائيلية».

ـ القناة التاسعة في تلفزيون العدو الصهيوني.

ـ قناة روسيا اليوم

المصدر: