فيما يلي الجزء الاول من فصل من كتاب :حروب الحساب المفتوح بين "اسرائيل" ولبنان، والذي يغطي مساحة واسعة من ردود الفعل الاسرائيلية على هزيمة الجيش الاسرائيلي في جنوب لبنان, يرصد الكاتب ردود الإفعال العبرية في المجتمع الصهيوني على هزيمة الكيان في جنوب لبنان, الكاتب راصد جيد للعدو الصهيوني وهو يجيد العبرية قرائة وكتابة ولا بد أن نشير في سياق تقدمة الكتاب, انه أسير سابق حكم عليه بالمؤبد من قبل محاكم الاحتلال وتم اطلاق سراحة ضمن صفقة تبادل للأسرى مع العدو الصهيوني بعد أن أمضى 11 عام خلف قضبان العدو, تشكر إضاءات الكاتب المحترم على انجازه هذا العمل التوثيقي الرائع بما يمثله من إضافة للمكتبة العربية, متأملين أن يصل الكتاب لكل المكتبات العربية لما فيه من قيمة توثيقية عن اول انتصار عربي شبه كامل على العدو الصهيوني.
إضاءات
الهزيمة والفرار المهين في العيون الصهيونية:
الإسرائيليون من عسكر وساسة ومدنيين فرحوا واحتفلوا بالهزيمة والفرار والخلاص من المستنقع / الكابوس اللبناني.. زئيف شيف المعلق العسكري في صحيفة " هآرتس": نسخة جديدة من الهروب الأمريكي من سايغون.
بينما أجمع الإسرائيليون إلى حد كبير في مرحلة ما قبل الهزيمة والفرار المهين ، على معاني الهزيمة والاستسلام أمام حزب الله ، وعلى إلحاحية الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من الجنوب اللبناني بالسرعة الممكنة … وحيث تم لهم ما تمنوه وأرادوه ، .. ولكن بمقاييس ونتائج وتداعيات أخرى غير التي رسمها قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي … وحيث أن الفرار العسكري الإسرائيلي بات أمراً واقعاً ، فكيف استقبل الإسرائيليون هذا الحدث ، وكيف نظروا له وتعاطوا معه .. ؟!
من حيث الجوهر فإن ردود الفعل الإسرائيلية كانت في مجملها انهزامية استسلامية يائسة … بل أنها كانت مغايرة عن المألوف على الصعيد الدولي ، فشعوب العالم عادة تفرح وتحتفل بأعيادها الوطنية .. وبانتصاراتها .. وبتحريرها لأوطانها .. ولإنجازاتها ، غير أن الإسرائيليين من عسكر وساسة ومدنيين فرحوا واحتفلوا بالهزيمة والفرار والخلاص من المستنقع / الكابوس اللبناني ، وهذه ليست من قبيل المبالغة .. فأقوالهم واعترافاتهم خير شهادات تعتمد للدلالة على هزيمتهم الشاملة العسكرية المعنوية والأخلاقية والاستراتيجية بشكل عام .
ولعلنا نبدأ أولاً بالاستخلاص الكبير الذي خرج به المؤرخ العسكري مارتن فإن كريفيلد الذي قال :
" أنها المرة الأولى التي تخسر إسرائيل فيها حرباً لكنها خسرتها في اليوم نفسه الذي بدأتها فيه قبل 23 سنة .. أن إسرائيل مثل الأمريكيين في فيتنام والروس في أفغانستان لم تستطع الانتصار على المقاومة المدعومة من السكان بمحاربة الضعفاء فإن الجيش نفسه أصابه الضعف ، وبمعنى ما فإن المجتمع الإسرائيلي كله لم يحتمل ثمن وجود جنوده في جنوب لبنان – صحيفة الأيام الفلسطينية 25/5/2000 – " .
وأوضح ألوف بن المحلل في صحيفة هآرتس أبعاد ونتائج الهزيمة الإسرائيلية حينما قال : " لقد أمضينا 25 عاماً من الغزوات والاجتياحات والانسحابات والترحيل .. وجربنا كل شيء ، وقد وصلنا حتى إلى بيروت .. ولم يبق لدينا ما نفعله – صحيفة هآرتس 26/5/2000 " .
" وتحت عنوان " فترة اختبار " كتبت صحيفة " هآرتس " في مقالها الافتتاحي : في الأيام القريبة ستنتهي الحقبة التي بدأت في " عملية سلام الجليل " ، وتطورت إلى حرب هي الأطول في تاريخ الدولة الإسرائيلية بعد ثمانية عشر عاماً من القتال تنفذ حكومة أيهود باراك قرارها بالانسحاب من لبنان مجسدة بذلك تعهد باراك عشية انتخابات 1999 .
الصور التي تصل من لبنان تظهر أن الانهيار السريع لمليشيا " جيش لبنان الجنوبي " ، وأعلام حزب الله المرفوعة في القرى المتاخمة للحدود الشمالية لا يجب اعتبارها شيئاً مفاجئاً .. والجيش الإسرائيلي لم ينسحب في المحصلة من منطقة تعود لإسرائيل ولا يعيد لسكان جنوب لبنان أماكن مقدسة .. فنظرية الحزام الأمني كوسيلة دفاع عن الحدود الشمالية لم تثبت منذ البدء نفسها .. منطقة الحزام الأمني في جنوب لبنان لم تؤد وظيفتها الرئيسية بكونها لم تفلح في منع إطلاق صواريخ كاتيوشا على مستوطنات الشمال وبكونها استحقت ثمناً لم يستطع الجموع الإسرائيلي تحمله والنهوض به ..
حكومة إسرائيل وبعد تردد طويل استجابت للرأي العام الإسرائيلي وقررت تغيير نظرية الدفاع عن حدود الشمال ليتم ذلك من داخل حدود الدولة – صحيفة هآرتس 24/5/2000 " .
• فرصة الانسحاب
" أما صحيفة "يديعوت أحرونوت " اختارت عنواناً مختلفاً لمقالها الافتتاحي يعكس الشعور العام لدى الجنود الإسرائيليين وذويهم في شكل خاص حيث كتبت تقول تحت عنوان " فرحة الانسحاب " ، وقالت ( يمكن القول أن يوم أمس ( الثلاثاء ) كان عملياً اليوم الأخير لوجود الجيش الإسرائيلي في " الحزام الأمني " بجنوب لبنان وأن هذا اليوم ( الأربعاء _ صبيحة الانسحاب ) هو الأول في تعداد الأيام التي لن يكون فيها أي جندي إسرائيلي على أرض لبنان منذ 22 عاماً ) .
وأضافت " الجنود فرحون بعودتهم إلى البيت على الرغم من أن هذه ليست فرحة انتصار .. إنها فرحة الانسحاب .. هؤلاء الجنود لا يخفون مشاعرهم الحقيقية .. إنهم مسرورون للانسحاب ليس وحدهم فقط بل قادتهم الكبار ، كذلك الذين روجوا على مدى سنوات النموذج والمثال القائل بأنه لا يجوز الانسحاب من لبنان هكذا من دون مقابل ، كبار القادة والضباط هؤلاء انقلبوا على رأيهم وموقفهم وأصبحوا يشرحون الآن بأن الانسحاب الأحادي الجانب كان مطلوباً وضرورياً في الواقع منذ وقت بعيد .. لقد تغير رأيهم بالرغم من حقيقة أن شيئاً في لبنان لم يتغير فلم تحسم أي معركة ولم يوقع على أي اتفاق " .
وتمضي الصحيفة : على الرغم من الانسحاب تحت النار وعلى الرغم من المشاهد المخزية التي تذكر باندحار وخروج الولايات المتحدة الأمريكية من جنوب فيتنام على الرغم من المفاجأة من مقدرة حزب الله ، والذل والإهانة المنعكسين عن سيطرته السريعة على منطقة " الحزام الأمني " رغم كل هذه الظواهر والمشاهد فإنه لا يمكن الاستخفاف بأهمية التغيير المرتسم في خارطتنا الاستراتيجية .. لقد انتهى الاحتلال ولم تعد ثمة حجج وذرائع لمهاجمة إسرائيل عبر حدودها مع لبنان .. صحيح أنه تأمل وضعف لكنه لم يتبدد .
وتستطرد الصحيفة في افتتاحيتها قائلة : لا يستبعد أن يقوم حزب الله بفتح النار في الشمال دون سبب أو مبرر تكتيكي لكن الافتراض هو أن لا يسرع حزب الله إلى تعريض المنجزات الأخيرة التي حققها على الأرض للخطر الفوري ، ولا شك أن حزب الله حقق في الأيام الأخيرة انتصاراً إعلامياً وقومياُ كاسحاً لن يعجل في تبديده بالتحرش بإسرائيل .
وتنهي الصحيفة مقالها الافتتاحي بالدعوة إلى إجراء حساب ومراجعة للنفس من جانب القادة الإسرائيليين بعد انتهاء ما وصفته بـ " الحقبة اللبنانية " حيث تقول : مثلما انسحب الجيش الإسرائيلي الآن من لبنان فقد كان قادراً على الخروج من المستنقع اللبناني قبل خمس أو حتى سبع سنوات ، إذ أن منطقة " الحزام الأمني " أنهت منذ ذلك الوقت وظيفتها كدرع واق للشمال الإسرائيلي – لكن معظم ساستنا وقادتنا واظبوا على السير في الطريق العدمي العقيم الذي انتهى الآن فقط .. انتهى بالخروج من لبنان من دون صيحات النصر ، ومن دون اتفاق سلام ، ومع طعم ومذاق مر في الفم وبتشويه لوعينا القومي – يديعوت أحرونوت 24/5/2000 " .
وبدورها تحدثت صحيفة معاريف عن انتهاء الكابوس اللبناني حيث قالت :
" بعد 18 عاماً ، و 728 قتيلاً في الحرب اليومية أنجز الجيش الإسرائيلي الانسحاب أحادي الجانب من جنوب لبنان ، وقدتم ذلك بعد ليلة مليئة بالاستنزاف العصبي .. وتحت نيران كثيفة .. لقد انتهى الكابوس – معاريف 25/5/2000 – " .
وفور الانسحاب من الجنوب صرح ضابط المدفعية روعي شاشون مخاطباً والدته : " يا أمي لقد انتهى الكابوس .. خرجنا من لبنان .. نعم يا أمي لتزيحي الحجر عن قلبك وتستريحي ، لقد خرجنا من لبنان وكل شيء على ما يرام – صحيفة معاريف 24/5/2000 – " .
وقال جندي آخر : " كفى .. لقد انتهينا من لبنان .. لقد بكيت على طول الطريق .. لقد اختفى جيش لبنان الجنوبي .. لا ندري كيف .. – صحيفة هآرتس 25/5/2000 – " .
وقال قائد القوات الإسرائيلية في قلعة الشقيف أرون أبمان : " .. لا أعتقد أنني سأحن إلى القلعة .. – صحيفة هآرتس 25/5/2000 – " .
• نسخة جديدة من الهروب الأمريكي من سايغون
وكتب زئيف شيف المعلق العسكري في صحيفة " هآرتس " التعليق التالي حول الأوضاع في الجنوب اللبناني : " أوجدت منظمة " حزب الله " ، واقعاً جديداً في الجنوب اللبناني بعد تسببها بانهيار القطاع الشعبي في الجيش اللحدي ، وهكذا فقد سبقت قوات " حزب الله " ، القوات الدولية بالانتشار قرب الحدود الإسرائيلية ، دون أي تسوية وجرى كل ذلك دون استخدام أسلحة .
أما الحكومة الإسرائيلية التي ترغب بالحيلولة دون إضرار ودون استمرار الفشل ، فتجبر على توجيه تعليمات للجيش الإسرائيلي باستكمال انسحابه بسرعة .
• انجرار وراء الأحداث
لقد اتضح منذ فترة بأن الحكومة الإسرائيلية والطواقم التي تعد للانسحاب متخلفة تنجر وراء الأحداث وتسير ببطء شديد ، أعيقت عطاءات تعزيز القدرات الدفاعية لأنه لم يكن هناك ومنذ البداية وضوح حول الحدود التي سيتم الانسحاب إليها ، هل ستكون حدود عام 1978 أم حدود 1983 ، أما المفاوضات مع الجيش اللحدي فقد جرت بتباطؤ ووسط ضباب كثيف ولم تنته المفاوضات مع الأمم المتحدة الخاصة بضمان شرعية ترسيم خط الانسحاب للحدود الدولية عام 1923 ، وتوجه الوفد الإسرائيلي إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك وكأن الزمن يتجمد ولم يتم التوصل حتى إلى تسوية مع الأمم االمتحدة تمكن نزع الأسلحة الثقيلة من القوات اللحدية وحول الحيلولة دون وقوع مجازر في أوساط سكان الجنوب الذين تعاونوا مع إسرائيل .
أما نتيجة ذلك فهي ضرورة إعاقة الانسحاب ، رغم مطالبة الجيش بتنفيذه بسرعة كبيرة .
هجوم بالمدرعات
استطاع الجيش الإسرائيلي الحيلولة دون شن هجوم بالمدرعات على الأهداف اللحدية ، فقد خططت منظمة حزب الله الحصول على دبابات تابعة لمنظمة الجبهة الشعبية – القيادة العامة- برئاسة أحمد جبريل لشن هذا الهجوم – وذلك بعد أن تمكن سلاح الجو الإسرائيلي من قصف هذه المدرعات ، لكن فوجئ الجيش الإسرائيلي بالخطوات المحنكة التي قامت بها المنظمة ، مواطنون شيعة غير مسلحين توجهوا من الشمال إلى الجنوب اللبناني واحتلوا القرى في منطقة الحزام الأمني دون مقاومة ، صحيح أن الاستخبارات العسكرية والقيادة العسكرية للمنطقة الشمالية ، أخذتا هذا الاحتمال بالحسبان لكن عندما وقع ، وقف الجيش الإسرائيلي مذهولاً وعاجزاً ولم يكن هناك خيار إلا الامتناع عن إطلاق النار وذل من أجل عدم قتل مدنيين .
تنكر لمليشيا لحد
لا نستطيع إلقاء اللوم على القوات اللحدية ولا على السرايا الشيعية فيها ولا سيما وأن الحكومة الإسرائيلية أظهرت في الآونة الأخيرة تنكراً متزايداً حيال الجيش اللحدي ، وفي ظل الأوضاع القائمة لم تكن هناك خيارات أخرى أمام الوحدات اللحدية المنهارة .
الأمر الأكثر مدعاة للقلق يكمن بإحساس كثيرين من سكان المنطقة الشمالية بأنهم مجرد قطيع دون قائد وذلك رغم إدلاء رئيس الحكومة بعدة بيانات قصيرة ، ويسود إحساس بالخوف وبالاستياء في المستوطنات الشمالية الأخيرة ولم يعد هؤلاء يشعرون بوجود قيادة الجبهة الداخلية ولا ريب في ان الحالة التي يشعر فيها السكان بتعرضهم للأخطار التي تدنو منهم ، خصوصاً لعدم يقينهم بأن الحكومة والجيش قادران على إعطاء الردود الصحيحة ، حالة غير مريحة .
نواف الزرو
[email protected]