كتب الأستاذ حليم خاتون:
استقبل لبنان شيوعيا عظيما لاحق الأعداء في كل زمان ومكان كما كان رفاقة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع الدكتور وديع حداد بعد أن قضى اسيرا في سجون الاستعمار الفرنسي لأكثر من واحد وأربعين عاما...
لم تكتمل فرحة الثوار بعودة المقاوم الذي رفض الإفراج عنه منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما مقابل كلمة ندامة طلبها الطغاة الغربيون ورفض هو إعطاءها؛ كأننا به أمام الشيخ راغب حرب يرفض مصافحة الضابط الصهيوني، أو الإمام الحسين يرفض البيعة لزنديق العصر يزيد...
لم يحصل لقاء بين الشيوعي العائد من عالم النضال والأسر وبين الشيوعي المغادر إلى العالم الآخر يحمل على كتفيه هموم أمة تغرق كل يوم أكثر في غياهب الظلام والجهل والجاهلية...
رحل اليوم لينين لبنان...
رحل اليوم تولستوي لبنان...
رحل تشايكوفسكي لبنان...
مع زياد، اكتشفت عظمة موسيقى الجاز، فأحببت هذا النوع من الموسيقى بعد عِشرة سنوات مع أغاني الأدب الشعبي الذي ارتقى بأغاني الرحابنة من بساطة الضيعة والناس الطيبين والصبايا على "عين" الماء، الى الحالة التعبانة والشعب المسكين و"اختلط الحابل بالنابل"...
مع زياد اكتشفت قيمة الأدب والقدرة على أسر العين والعقل...
لكن أهم ما في هذا الرجل كان قدرته العبقرية على رؤية المجتمع وتحليل الأوضاع السياسية واستشراف المستقبل دون فلسفة وادعاء...
لهذا يستحق زياد الرحباني لقب لينين لبنان...
لم تكن مسرحية "نزل السرور" مجرد قصة وأغنية كما جرت العادة...
"نزل السرور" كانت صورة مختصرة لكل الواقع اللبناني، وأهم ما فيها أنها سبقت فشل منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية الذين مثلهما بجدارة "الثورجي" رؤوف والإنتهازيان المُعدمان فهد وعباس...
جاك كان مجتمع صالات السينما واللهو في شارع الحمرا بينما كانت كل شخصية أخرى في المسرحية تعبر عن واقع الطبقات المسحوقة التي تعيش على هامش الحياة...
لكن الثورة تبدأ من حيث لا يتوقع المشاهد او القارئ...
يطلب زكريا اعطاءه القنابل لينقلها إلى أولاده...
إلى الجيل الجديد...
"إنت ما بتعرف شو يمكن يعملو بهالقنابل!"
"بالنسبة لبكرا شو" قد لا يرى فيها الكثيرون أكثر من قصة مثل قصص المسلسلات؛ لكن المسرحية جسدت الواقع الطبقي اللبناني بامتياز والعلاقات بين شرائح هذه الطبقات...
لكن "فيلم أميركي طويل" لا تبحث فقط التركيبة الطائفية وأزمات التكوين النفسي للمجتمع اللبناني؛ بل تذهب أبعد من ذلك تجعل من كل سيرورات وتطورات الأحداث نتيجة مباشرة لسيطرة الخارج الاستعماري على كل مجريات حياتنا...
إذا كان زياد قد عايش الحقبة الحريرية ونظام الهيمنة السورية ومن بعدها سخرية الأقدار مع ٨ و ١٤ آذار؛ إلا أنه لم يكن حياديا على الإطلاق...
حمل فكرا مقاوما بجد وقوة دون اية التزامات دينية...
لم ينتقد جماعة أميركا والخليج في لبنان؛ هؤلاء بالنسبة لزياد قعر المجتمع الذي يجب تخطيه والتخلص منه؛ لكنه انتقد مقاومة حزب الله بشدة جعلته يرى الفرق الشاسع بين مبدئية السيد نصرالله وبعض جماعات اليمين الانتهازي الذي التصق بالحزب وشكل البيروقراطية التي تقتل الثورات والمقاومات مع مرور الوقت...
أهلا بك جورج إبراهيم عبدالله في بلد تتحكم به أميركا رغم أن المقاومة لا تزال باقية وما عليها سوى التخلص من الانتهازيين والبروقراطية...
ووداعا زياد...
أخبر السيد نصرالله أننا بخير، وأننا رغم كربلاء العصر الحديث في غزة،
سنظل واقفين ولن نركع...



