عبد الحميد كناكري خوجة: ”تطويع التطبيع أم تطبيع التطويع: قراءة في جينالوجيا الإستسلام الأعرابي“.
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة: ”تطويع التطبيع أم تطبيع التطويع: قراءة في جينالوجيا الإستسلام الأعرابي“.


حين تدجن المبادئ، ويدلل الذل، ويتكرر تدوير الخيانة بلغة ”السلام“... حين تلمع صورة المغتصب ويروج لعدة الإنسانية كجار طيب، وتقدم القضية على مائدة التفاوض ”كوجبة دبلوماسية باردة“...حينذاك، لانكون أمام مشروع سياسي بل أمام جائحة وعي وانقراض كرامة وشرف.

ماعاد التطبيع مجرد لقاءات بين طغمة وأخرى، أو تبادل عناق وقبل على موائد المذلة، بل صار ثقافة تصدر، ومنهجا يدرس، ومسلسلا يبث.

اليوم لم نعد نتحدث عن ”تطبيع مع الإحتلال“ بل عن تطبيع مع فكرة الإحتلال ذاتها“...بل و تطويع لما تبقى فينا من مقاومة!

لقد دخلنا في مرحلة الإنبطاح المؤنس، حيث تبنى المواقف على مقاسات الخوف لا الحق، وتفصل البيانات بترصيع سياسي يراعي مشاعر ”الصهاينة“ لامشاهد أشلاء أطفالنا.

” الجينالوجية الخفية: كيف تروض الشعوب“

منذ توقيع أول إتفاق تطبيعي، بدأ الكيان الصهيوني بتصدير غزو من نوع آخر: غزو سيميائي ناعم، بالقنابل والمقذوفات والصواريخ، بل بالمفاهيم وغسل الأدمغة.

- إنتاج أفلام تبيض وتلمع صورة المحتل الغاصب.

- بث رسوم متحركة تدرب الأطفال على تقبل الجار الإسرائيلي“

-ظهور منصات تروح لقذارة النشاذ والشواذ والمثلية والإنحلال الأخلاقي٫ كمدخل إختراقي لتمييع الهوية، وتفريغ القضية. لم يعد الإحتلال في زماننا هذا بحاجة إلى صواريخ ودبابات ومجنزرات وراجمات صواريخ ومسيرات، بل إلى مؤتمرات وكرافتات ملونة، وإعلاميين باعوا ضمائرهم مقابل دقائق من الهواء الفاسد.

”” غزة أيقونة الحقيقة وسط حفلة الزيف““

في غزة الصمود والتصدي والبسالة والعزة لا وجود لمصطلحات التخدير؛ فهناك الموت واضح والصوت جهور صادح، والمجرم معروف. فالكيان الصهيوني هناك لايخفي أنيابه:

يقتل الأطفال وهم نيام،

يحرق الأحياء على مرأى الشاشات،

يهدم البيوت فوق رأس النساء،

ويمنع الدواء و الغذاء والماء...ثم يطلب منا ”الإعتدال والإغتراف من سلة الإعتراف“

فمن ذا الذي يوقع على حبر الإتفاق، والدم لايزال ينزف من جدران الشجاعية وخزاعة ورفح حقا أن الكيل طفح؟!

”” لبنان القنابل لاتخطئ الرضع““

فأنا ليست إسطورة، بل جريمة موثقة.

الجنوب اللبناني الشامخ لاينسى القنابل العنقودية و الصواريخ الذكية التي إخترقت حضن أم فأردت فلذة كبدها شهيدا أو تركته يتيما أو معوقا.

ولاينسى مئات القرى التي روعت، بفضل تحالف تل ابيب مع عملاء الداخل والأشد خطرا من العدو الظاهر بالإضافة إلى مطبعي الخارج وفي مقدمتهم بعض أصحاب العروش الذائلة المرصعة من ريع عوائد الشعائر الدينية المكرسة أولا للشيطانين الأكبر والأصغر(ترليونات سددت لأصفر الشعر المعتوه)

فعل من المعقول أن تمسح هذه الفظائع والجرائم بكلمة ” تعايش“؟ قلتها وأقولها مرارا وتكرارا وبصوت صادح كيف نؤمن للعقرب وقد جبل على الأذى وللأفعى التي جبلت على العض؟! هل نبني ونمد الجسور مع مغتصب لم يذل يدك القرى بقنابل عنقودية وفوسفورية... حتى اليوم؟

”” اليمن...دماء تراق بأيد إسرائيلية بأصابع عربية““

من صعدة إلى صنعاء، من تعز إلى الحديدة، ترصد الطائرات المسيرة بمعلومات مصدرها أقمار الكيان، تستهدف العائلات بترتيب إستخباراتي صهيوني وأصابع رجعية، والهدف واحد: إخماد صوت ” أنصار الله“ ألا ترون أنهم إسم على مسمى؟

أولئك الرافضين للتطبيع والخنوع والخضوع لإملاءات مخطط و سيناريو الشيطان الأكبر وإبنه القذر المدلل؟

”” عندما يصير التطبيع خيانة موثقة““

من يمد يده للقاتل يلطخها بدم المقتول.

ومن يبرر التنازل، يشرعن الإحتلال.

”” الآثار التراجيدية الكارثية على الشعوب““ ”ضياع الهوية القومية والدينية.

فتح الباب على مصراعيه للغزو الأخلاقي والتربوي.

تحول المقاومة الشريفة المحقة والعادلة إلى وصمة، والعمالة إلى وسام وربما جائزة نوبل،

إنهيار جدران الوعي الجماعي، واستبدالها بأوهام السلام الإقتصادي“

”” إحذروا التخدير الثقافي““

لاتصدقوا من يقول أن التطبيع خيار عقلاني...

فالعقل لايوقع وثيقة استسلام وهو يذبح على الهواء.

”” التطبيع ليس رأيا...بل هزيمة موصوفة““

في زمن يكافأ فيه المتخاذل، ويخون فيه الثابت، يبقى صوت الحق كعاصفة غوغاء لاتروض، يبقى الشرف موقفا لايطبع، ويبقى الكيان الصهيوني: شرذمة غاصبة، وجرثومة مزروعة، وإن طبعت صورته في بعض عواصم العروش الذهبية.

لن نطبع...لأننا نبصر.

لن نروض...لأننا نفكر.

ولأن فلسطين ليست وجهة نظر...بل وعد أحرار، وعهد شهداء.

مفكر ومحلل سياسي مقيم في الغربة 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري