رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية ( 3 )\ نبيل أحمد صافية
مقالات
رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في سورية ( 3 )\ نبيل أحمد صافية
نبيل أحمد صافية
18 آذار 2022 , 12:43 م

كنتُ قد أشرتُ في الجزء الأوّل والثّاني من البحث لآراء تطويريّة لبعض وزارات الدّولة في الإعلام والتّربية والمصالحة الوطنيّة في ضوء مشروع الإصلاح الإداريّ الذي أطلقه السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد في سورية .. وقد يتساءل كثيرون : لماذا ذكرتُ ما سبق من إشاراتٍ في الجزأين السّابقين بما أنّها مقدّمة سابقاً لمقام رئاسة الوزراء ؟، وهل كانت وزارتا التّربية والإعلام تمثّل رأي الجبهة الوطنيّة التّقدميّة فيما تمّت الإشارة إليه ؟ وأين الجبهة منهما فيما قامتا به وفق ما تمّت الإشارة إليه عموماً ؟ ولماذا أنكرت وزارة التّربية حاليّاً حقيقة إفادتها من دراساتي السّابقة لتنسب العمل لذاتها ؟! ، وهذا ما أردت إظهاره لمقام سيادة اللواء محمّد الشّعّار نائب رئيس الجبهة وأنّ دراساتي السّابقة والتي أقرّها الإعلام الرّسميّ السّوريّ أكّدت جدّيّتها ، ولذلك أفادت منها وزارتا التّربية والإعلام ، ولكنّ بعض القائمين على النّظام التّربويّ في سورية أرادوا نفيه عنّي لإكساب ذواتهم شعلةً مضيئة ، وهذا ما قدّمتُه للمكتب الخاص بالسّيّد الرّئيس في وقت سابق أيضاً ، رغم أنّ كلّ أعمالي تصونها مديرية حماية حقوق المؤلّف والحقوق المجاورة في وزارة الثّقافة وفق ما أوردته قبلاً من مقالاتٍ وما بثّه الإعلام الرّسميّ السّوريّ اعترافاً بقيمة عملي وأبحاثي لتفيد منه الوزاراتُ لتطويرها ، رغم أنّ تكريماً تمّ من السّيّد عماد العزب وزير التّربية السّابق برقم 2866 تاريخ 4/3/2019م ، ولكنّ فكرة إنتاجية التّربية التي طرحتُها كانت من ضمن دراستي المقدّمة لرئاسة الوزراء عام 2017 ، وجاء في هدفها الرّابع : " تغيير توصيف وزارة التّربية من خدميّ لإنتاجيّ " ، وما ذكرتُه عنها في الجزء الأوّل كان منذ أيّام الدّكتور هزوان الوز وزير التّربية الأسبق ، وبالتّالي سابق لتكليف السّيّد الوزير الدّكتور دارم الطّبّاع الذي التقيته مرّات عدّة قبل مناقشة الموضوع في مجلس الشّعب لاستصدار قانون خاص بذلك كما الحال مع مدير التّعليم الفنّيّ والمهنيّ الذي لم يقبل إجراء أيّ لقاء تلفزيونيّ سواء قبل الاستصدار أو بعده ، رغم أنّ السّيّد الوزير الدّكتور دارم قد وجّه في آخر لقاء جمع بيننا بتاريخ السّابع عشر من الشّهر الثّاني الماضي لإجراء لقاءات تلفزيونيّة في التّربوية السّوريّة بوجود مديرَي التّعليم الثّانوي والمِهْنيّ ، وللآن لم تتمّ تحت حجج وذرائع مختلفة تسوقها الوزارة وبعض القائمين على مديريّاتها ، علماً أنّني قدّمتها في الإعلام الرّسميّ السّوريّ سواء قبل مؤتمر التّطوير التّربويّ الأخير الذي عُقِدَ في الفترة الممتدّة بين 26_ 28/9 /2019م _ بعد أن شرّفني السّيّد الوزير عماد العزب بدعوة خاصة للمشاركة _ أم بعده ، وبالتّالي فهي ليست فكرة جديدة جاء بها أحدٌ من القائمين على عمل الوزارة حاليّاً ، مع العلم أيضاً أنّي نشرتها في مقالات عديدة منذ عام 2017 ، فكان عمل وزارة التّربية بالمماطلة في اللقاءات ، وربّما منعها خشية إظهار ما قمتُ به ، ولذلك كانت الحلقات السّابقة في الإعلام السّوريّ ودراستي التي تصونها مديرية حماية حقوق المؤلّف والحقوق المجاورة في وزارة الثّقافة والمسجّلة لدى رئاسة الوزارء تظهر حقيقة الأمر ، وهم تجاهلوا ذلك ، ربّما لعدم معرفتهم بأنّها منشورة قبل نسبة الأمر لذواتهم ، فهل كان كلّ ما تمّ في الوزارة يعكس تصرّفات ذاتيّة خاصة أو عامة ، سياسيّة أو غير سياسيّة ؟!.. ولعلّ وزارة التّربية لم تنتبه إلى ما قلته في الجزء الأوّل :

" ولكنّ الوزارة لم تعتمد المعايير الدّقيقة للإنتاجيّة فاكتفت بالإشارة للتّعليم المهْنيّ دون سواه ، رغم أنّ مختلف مجالات التّعليم يمكن أن تغدو إنتاجيّة ، وهذه المعايير متعدّدة ويمكن اعتمادها ، ولا يتعلّق الأمر بالتّعليم المِهْنيّ فحسب ، وإنّي على استعداد لتقديمها للسّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد ، علماً أنّني تقدّمت أيضاً بكتاب للمكتب الخاص بالسّيّد الرّئيس من أجل طلب مقابلة السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد " لتقديم آليّات حقيقيّة لمكافحة الفساد وتطوير الدّولة في مختلف مجالاتها ، ولا يزال عملها في خطواته الأولى ..

وسننتقل للحديث لما تمّت الإشارة إليه من رؤى وفِكَرٌ تطويريّة لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة في مختلف المجالات ، وهي تحمل أفكاراً جريئة ومميّزة ، وتمّ تقديم أفكار خاصة بجوانبَ عديدةٍ لعمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة ، وخصوصاً في الإصلاح السّياسيّ الحقيقيّ في سورية بما يسهم في التّعدّدية السّياسيّة ويحقّق الازدهار الاقتصاديّ فيها ، وإنّ الفِكَرَ التي سيتمّ بحثها في تطوير عمل الجبهة الوطنيّة التّقدميّة تعدّ على درجة من الأهمّيّة لما تحتويه من نظرة مستقبليّة لتطوير الدّولة عموماً ، وقد أشرت لمقام سيادة اللواء محمّد الشّعّار نائب رئيس الجبهة الوطنيّة التّقدميّة أثناء اللقاء الذي تمّ ظُهر يوم الإثنين الواقع في 7/2/2022م أنّ الهدفَ من البحث العملُ في ضوء مشروع الإصلاح الإداريّ الذي يسعى إليه السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد في سورية ، وليس الانتقاص من أحد ، لأنّ الذي يريد التّطوير ويبحث عنه لا بدّ أن يبدأ من الشّكل السّلبيّ وصولاً إلى المضمون الإيجابيّ الذي يحقّق الغاية المنشودة من التّطوير والإصلاح السّياسيّ والإداريّ الذي دعا إليه سيادة الرّئيس ، وانطلاقاً من ذلك تمّ البحث لتسليط الضّوء على بعض الجوانب التي تسهم في تحقيق المبتغى المنشود .

وتمّت الإشارة ضمن ذلك لقانون الأحزاب رقم مئة الصّادر لعام 2011 الذي أصدره السّيّد الرّئيس الدّكتور بشّار الأسد رئيس الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ، بعد أن تمّ حذف المادة الثّامنة من الدّستور ، وإن بقيت على الأرض دون حذف ، وفاعليّتها موجودة بقوّة ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدّاً في ضوء الواقع الحالي الذي يشهده أيّ مواطن في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ، ولذا كان لا بدّ من ضرورة تعديل قانون الأحزاب في مواده ، وضرورة أن يكون تابعاً للمحكمة الدّستوريّة العليا ، وليس لوزارة الداخليّة ، كما لا بدّ من تفعيل قانون الأحزاب وفق ما نصّت المادة الثّامنة من الدّستور ، وتطبيق مبدأ المواطنة تبَعاً لذلك ، وهنا نتساءل :

هل يكفي النّشيد الوطنيّ السّوريّ كلّ صباح في مدارسنا ليكون أبناؤنا الطّلاب يشعرون بانتمائهم لوطنهم ، ويكونوا مخلصين له ومتشبّثين به ومدافعين عنه وقت ينبغي الدّفاع ؟ وما علاقة المواطنة بالتّعدّدية السّياسيّة ؟.

وتحمل المواطنة علاقةً قانونية بين الفرد المواطن وبين الوطن بما يمثّله من سلطة تنفيذيّة وتشريعيّة وقضائيّة ، وبذلك يمكن أن تعرّف المواطنة على أنّها نسبة الإنسان أو المواطن إلى البلد الذي ولد فيه ، أو هي انتساب جغرافيّ لموطن ما ، وتتمثّل في تعلّق الإنسان ببلده وتراثه ومعتقداته ولغته وعاداته وأعرافه ، وبالتّالي فهي مجموعة من الحقوق والواجبات وأداة لبناء مواطن قادر على العيش بسلام وأمان وتسامح مع غيره على أساس تكافؤ الفرص والعدل ، بما يؤدّي إلى الإسهام في بناء الوطن والعيش المشترك بين مختلف أفراد المجتمع ، وأيّ خروج عنها يكون المرء عندئذٍ بعيداً عن مفهوم المواطنة .

ولمفهوم المواطنة أبعاد متعدّدة منها : بعدٌ قانونيّ يتطلّب تنظيم العلاقة بين الحكّام والمحكومين ، وبعدٌ اقتصاديّ اجتماعيّ يستهدف إشباع الحاجات المادّية الأساسيّة للبشر ، ويحرص على توفير الحدّ الأدنى اللازم منها ليحفظ كرامتهم وإنسانيتهم ، إضافة إلى البعد الثّقافيّ الحضاريّ ويٌعنى بالجوانب الرّوحيّة والنّفسيّة والمعنويّة للأفراد والجماعات على أساس احترام خصوصية الهويّة الثّقافيّة والحضاريّة ويرفض محاولات الاستيعاب والتّهميش والتّنميط ، وكثيراً ما يتحدّث السّيّد الرّئيس عن المواطنة بما في ذلك ما أشار إليه أمس في لقائه بعدد من المعلّمين من مختلف المحافظات ، ولعلّ منها الكلمة التي ألقاها أمام السّادة رؤوساء مجالس المدن المحلّيّة والبلديّات بتاريخ 17/2/2019م عندما قال :

" بعد كلّ ما تحقّق من إنجازات عسكريّة وسياسيّة ، فإنّ البعض منّا لا يزال مصرّاً على السّقوط في الأفخاخ التّقسيميّة التي ينصبها لنا أعداؤنا ، والتي تهدف إلى خلق انقسام في المجتمع يحقّق الهزيمة السّريعة ، فهذا البعض ساهم في تسويق فكر هدّام من دون أن يدري وطرح طروحات هدفها وطنيّ " .

فهذه العبارة تحمل بين طيّاتها ضرورة العمل والتّماسك بين مختلف أطياف الوطن وصولاً لوحدته الوطنيّة ، وهنا لا نقصد فقط النّواحي العرقيّة والطّائفيّة أو الدّينيّة بل حتّى السّياسيّة ، ولعلّ إصدار السّيّد الرّئيس قانون الأحزاب يمثّل أحد تلك الإنجازات السّياسيّة التي تؤسّس لواقع سوري جديد ، ولكن هل أُحسِن تطبيقه _ هذا إذا افترضنا أنّه تمّ تطبيقه ؟ ! ، ولو أنّ ذلك التّطبيق كان حسناً وصادقاً فلماذا نلمح في سورية تلك الحالةَ من الكره والتّناحر السّياسيّ بين الأحزاب والبعدَ عن تنفيذ مضمونه ؟!.

فسورية لكلّ أبنائها تتعدّد ألوانها وأطيافها ، وتغدو أكثر جمالاً عندما تكون بصورة ولوحة فسيفسائيّة جميلة ، وما حالة الإقصاء إلّا تلك الحالة التي تؤدّي إلى الانقسام السّياسيّ في سورية ، وإذا لم يكن هناك من دواعٍ للأحزاب ، فلماذا صدر قانون الأحزاب ؟ ومتى سيتمّ العمل بتطبيقه في سائر الجهات الرّسميّة لتكون سورية واحدة تمثّل مختلف أطيافها سياسيّاً وعرقيّاً ودينيّاً ، وهي ممثَّلة بهم ، وليس الاقتصار على فئة واحدة تمثّلها في أيّة جهة رسميّة ، وربّما لا يتمّ الاعتراف بغيرها ، لأنّ الأفخاخ التّقسيميّة التي أشار إليها السّيّد الرّئيس ينصبها أعداؤها لها ، وهي تحقّق الهزيمة السّريعة عبر تسويق فكر هدّام لا ينسجم مع تطلّعات السّيّد الرّئيس .. وانطلاقاً من ذلك المفهوم والتّطلّع لبناء مستقبل سوريّ مشرقٍ ينبغي أن تكون هناك وحدة وطنيّة تغطّي الجوانب السّياسيّة والدّينيّة والعرقيّة لسورية ، ومن هنا كان تأكيد السّيّد الرّئيس على ذلك في قوله :

" علينا تعميم ثقافة التّنوّع الذي يعني الغِنَى بدلاً من ثقافة التّناقض والتّنافر التي يسعى أعداؤنا لتعميمها واستغلالها " ، ولذلك كنّا بحاجة إلى كلّ مواطن عربيّ سوريّ يحمل فكراً وحدويّاً يؤدّي إلى تماسك الشّعب العربيّ السّوريّ دون تمييز بين أطيافه ، وإنّنا نرى أنّ السّيّد الرّئيس في كلّ خطاباته يبدأ بالقول :

" أيّها الأخوة المواطنون ... " ، ولا يشير إلى أيّة كلمة يكون فيها الحديث موجّها لفئة حزبيّة أو طائفيّة أو عرقيّة ، لأنّه سيّد الوطن رعاه الله وحفظه لوحدة سورية وإعادة الأمن والأمان إليها وشعبها وربوعها لتبقى واحدة موحّدة تتعدّد أطيافها لا يتشرذم فكرها لمحاربة الفاسدين المنهزمين والمقسّمين للفكر السّوريّ تحت رؤى التّنوّع والحوار والتّناغم السّياسيّ لخير سورية ووحدتها ..

ولعلّ من تطوير العمل بقانون الأحزاب ضرورة التزام الأحزاب بمواده وخصوصاً في الفقرة ( و ) من المادة الخامسة التي نصّت على " ألّا ينطوي نشاط أيّ حزب على إقامة أيّ تشكيلات عسكريّة أو شبه عسكريّة علنيّة أو سرّيّة أو استخدام العنف بأشكاله كافة أو التّهديد به أو التّحريض عليه " ، وكذلك الفقرة ( ب ) من المادة التّاسعة التي نصّت على ما يلي :

" عنوان المقرّ الرّئيس للحزب ومقاره الفرعيّة إن وجدت ، ويجب أن تكون جميع مقار الحزب داخل الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ومعلنة ، وألّا يكون أيّ منها ضمن أبنية إحدى الجهات العامة أو المؤسّسات الخاصة أو التّعليميّة أو الأماكن الدّينيّة أو الجمعيّات الخيريّة " ، وطبعاً هذا لا تلتزم به بعض الأحزاب التي كانت موجودة قبلاً وتنضوي ضمن الجبهة الوطنيّة التّقدّميّة .

وكذا الحال في المادة السّابعة والعشرين من القانون ، التي تضمّنت ما يلي :

" على وسائل الإعلام كافة تمكين الأحزاب جميعها وبالتّساوي من استخدامها لنقل وجهات نظرها إلى المواطنين خلال الحملات الانتخابيّة ، وتبيّن اللائحة القواعد النّاظمة لذلك " .

وهنا نتساءل : هل تعمل الأحزاب بما تضمّنه قانون الأحزاب رقم مئة في سورية ؟ ولماذا لا تلتزم به الأحزاب بما أنّه صدر بمرسوم رئاسيّ ؟! ، وهل يتمّ كلّ ذلك في ضوء الواقع الرّاهن في سورية أو يحتاج الأمر إلى تطوير وإصلاح سياسيّ دعا إليه السّيّد الرّئيس الدّكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية العربيّة السوريّة ؟!..

وسنكون في الجزء الرّابع مع منظومة الجبهة الوطنيّة التّقدميّة ، وآليّات تطويرها وتفعيلها بما يخدم الإصلاح السّياسيّ الذي دعا إليه السّيّد الرّئيس فكونوا معنا ..

بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ : نبيل أحمد صافية

وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية

المصدر: موقع إضاءات الإخباري