هل أسقطت أوروبا نفسها بالضّربة القاضية أمام روسيا ؟!..\ نبيل أحمد صافية.
مقالات
هل أسقطت أوروبا نفسها بالضّربة القاضية أمام روسيا ؟!..\ نبيل أحمد صافية.
نبيل أحمد صافية
27 آذار 2022 , 15:30 م


هل ستكون أوروبا " الشّيخ العجوز " قادرة على مواجهة روسيا في حال تمّ تنفيذ التّوجّه الرّوسيّ ببيع الغاز بالعملة المحلّيّة ( الرّوبل ) بديلاً للدّولار أو اليورو ؟!، وهل بمقدورها إيجاد حلّ بديل للغاز الرّوسيّ في حال تمّ التّنفيذ ؟ ، وهل يعدّ ذلك الاستغناء عن الدّولار حرباً اقتصاديّة تكون الولايات المتّحدة قادرة على تحمّلها ؟ ولماذا بدأت الدّول التّخلّي عن الدّولار ؟ وما العملة البديلة القادمة ؟ وهل من الممكن أن يكون اليوان الصّينيّ هو العملة البديلة للعالم الجديد القادم ؟!.

هذه الأسئلة وغيرها ستكون مجال بحثنا الحالي ، ولعلّ من المفيد الإشارة إلى فرض العقوبات التي سعت الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوربيّ على روسيا جرّاء الحرب التي قامت بها روسيا ضدّ أوكرانيا ، وبرأيي :

كانت تلك الحرب حرباً استباقيّة ضدّ حلف النّاتو ، وقد أشرت في مقالة منشورة سابقاً بتاريخ 19/3م2022م ، تحت عنوان : " كيف استطاعت موسكو أن توئد مؤامرة النّاتو وتحبطها ؟!"، وأشرت فيها لتداعيات تلك الحرب الاستباقيّة على أوربّا وحلف النّاتو الذي يمكن أن تكون سبباً في تفكّكه ، وجاءت العقوبات نتيجة لما أطلقت عليه أوربّا غزواً لأوكرانيا ، وقامت الولايات المتّحدة الأمريكيّة بفرض حظر على مختلف واردات النّفط والغاز الرّوسيّين ، وهذا القرار الذي اتّخذه الرّئيس الأمريكيّ بايدن بالتّشاور مع حلفائه ، ومن المعلوم أنّ الاتّحاد الأوربيّ يستورد حاليّاً ربع احتياجاته النّفطيّة وحوالي أربعين بالمئة من احتياجاته للغاز من الجانب الرّوسيّ ، وستعمد أوربّا إلى إمدادات بديلة ، وتوسّع اعتمادها على الطّاقة النّظيفة ، لتعمد إلى إيقاف الواردات من النّفط والغاز الرّوسيّين قبل عام 2030م .

وشملت العقوبات الأمريكيّة والأوربيّة مجالات مختلفة من العقوبات ضدّ روسيا ، منها : تجميد أصول البنك المركزيّ الرّوسيّ ، ومنع التّعاملات مع وزارة الماليّة أو صندوق الثّروة السّياديّ الرّوسيّ ، وحظر الطّيران وفرض عقوبات على شخصيّات روسيّة وسوى ذلك ..

لكنّ الرّئيس الرّوسيّ فلاديمير بوتين وجّه ضربةً ربّما تكون قاضية لأوربّا عندما طالب قبل أيّام أن يتمّ الدّفع بالعملة الرّوسيّة مقابل تلبية احتياجات أوربّا من الغاز الرّوسيّ ، وهذا ما أدّى إلى ارتفاع أسعار الغاز في أوربّا ، وأكّد الرّئيس الرّوسيّ أنّ ذلك الإجراء سيطبّق على ثمانية وأربعين دولة منها : الولايات المتّحدة الأمريكيّة والاتّحاد الأوربيّ ، وعدّت أوربّا ذلك التّصرّف تحدّيّاً لها وانتهاكاً للعقود المبرمة مع روسيا ، وتعمل جاهدة حاليّاً لإيجاد ردّ مناسب _ من وجهة نظرها _ على ما صرّح به الرّئيس الرّوسيّ بوتين ، كونها ترى أنّ ذلك القرار لا يمكن تطبيقه استناداً لعقود النّفط الحاليّة طويلة الأجل ، وهذا برأيها يصعب تحقيقه من الجانب الرّوسيّ ، لأنّ العقود المبرمة بين الطّرفين لم تنصّ على الدّفع بالرّوبل ، وإذا استمرّت روسيا بموقفها فسيتمّ حدوث خرق في تلك العقود ممّا يستوجب إعادة إبرام عقود جديدة تنصّ على الرّوبل ، رغم أنّ الرّئيس بوتين أمر بتوجيه حكومته والبنك المركزيّ بتوضيح التّفاصيل ومتطلّبات الدّفع بالرّوبل ، وصدرت تعليمات وأوامر خاصة لذلك الإجراء ، وأعتقد أنّ تلك الخطوة التي قام بوتين بها تعدّ خطوة ذكيّة جدّاً ، وهدفها بعيد المدى ليحقّق مكاسبَ اقتصاديّة لاحقة ، ويمنع تأثير العقوبات الاقتصاديّة المفروضة ، وستكون ذات أبعاد وتداعياتٍ لن تستطيع دول الاتّحاد الأوربيّ تحمّلها ، لأنّ تلك الدّول ستكون مجبرةً على التّعامل بالرّوبل ممّا ينعكس إيجاباً في دعم العملة الرّوسيّة المحلّيّة ، وهذا سيدعم بطبيعة الحال البنك المركزيّ الرّوسيّ نحو المزيد من التّعامل ، ممّا يجعل العقوبات على روسيا عديمة الفائدة ، ولن تحقّق أهدافها القريبة أو البعيدة ، وهذا ما يجعل الرّوبل فاعلاً رئيساً بديلاً لانهياره ، عندما تضطرّ دول الاتّحاد الأوربيّ لشراء الرّوبل من أجل تأمين احتياجاتها من الغاز الرّوسيّ ، وهذا ما يدعونا للأسئلة الآتية :

هل يستطيع الاتّحاد الأوربيّ التّخلّي عن العقوبات ؟ وكيف له أن يؤمّن احتياجاته من الغاز في ظلّ العقوبات رغم ما تمّ يوم الجمعة من إعلان الولايات المتّحدة الأمريكيّة عن توقيع اتّفاقيات مع الاتّحاد الأوربيّ لتأمين الغاز الأمريكيّ للحدّ من الاعتماد على الغاز الرّوسيّ ؟، وهل سيضطرّ لشراء الرّوبل الرّوسيّ من أجل تأمين تلك الاحتياجات من الغاز ؟، وكيف له أن يشتري الرّوبل ؟! ، وهل يشتري الغاز بالرّوبل ؟ ، وبمَ سيشتري الرّوبل ؟، وماذا ستفعل دول الاتّحاد إزاء الرّوبل الرّوسيّ ؟!، وبالتّالي لم يبق لتلك الدّول سوى الذّهب ، وكم سيدفعون لروسيا من الذّهب ؟! ، وكم يمتلكون رصيداً أو احتياطيّاً أوربيّاً من الذّهب ؟، وهل بمقدورها الحفاظ على المخزون الاستراتيجيّ من الذّهب ؟، وإلى متى ستتمكّن من ذلك ؟! ، وهل يكفي لأكثر من سنة ؟ ، وهل دول الاتّحاد قادرة على الصّمود ؟! ..

وهنا قد تلجأ لدول المحور الرّوسيّ في سورية وفنزويلا والصّين وكوريا الشّماليّة وإيران أو دول البريكس ، وسيتمّ شراء الرّوبل من السّوق السّوداء ، ممّا يعزّز النّفوذ القادم لدول البريكس ، وهذا ما كنت قد أشرت إليه في بحث سابق نشرته عام 2020 عن العالم بعد كورونا ومؤشّرات سقوط الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، وسبق لي أن أشرت إليه في الإعلام العربيّ السّوريّ بتاريخ 11/3/2020 ، والذي جاء متطابقاً في كثير ممّا ذهبتُ إليه مع ما ذكره السّيّد هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكيّ الأسبق في يوم السّبت 4/4/2020م عبر مقال له في صحيفة ( وول ستريت جورنال ) عن النّظام العالميّ الجديد بعد أن بدأت تباشير السّقوط الأمريكيّ تلوح في الأفق ، وتناقلت كثير من الدّول ووكالات الأنباء العربيّة والعالميّة ذلك ، وإن كنت أرى حرباً عالميّة ثالثة بيولوجيّة من جهة واقتصاديّة بأسلوب تجاريّ يتمثّل في الجانب الاقتصاديّ النّفطيّ من جهة ثانية ، وقد لا حظنا بعض الدّول ومنها المملكة العربيّة السّعوديّة بدأت تطرح فكرة بيعها النّفط بالعملة السّعوديّة " الرّيال " أو اليوان الصّينيّ ، ولا تغيب عن الأذهان الحرب الباردة بين الصّين الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، وسيكون للحرب الباردة بين الصّين والولايات المتّحدة أثرها الإقليميّ والدّوليّ العالميّ ، وربّما نشهد ويشهد العالم أفول نجم الدّولار الأمريكيّ وبزوغ اليوان الصّينيّ ، وقد نشهد العملات الرّقميّة بديلةً للورقية المعمول بها حاليّاً ، وإن كنت أعتقد أنّ الحرب البيولوجيّة والنّفطيّة الحاليّة لن تؤدّي لحرب بأسلحة نوويّة بينهما رغم امتلاك دول عدّة تلك الأسلحة ، وكلّ هذا كنت قد أشرت إليه في مقالات عديدة سابقة منها : " الحرب الباردة بين واشنطن وبكّين " المنشور بتاريخ 16/2/2020م و" الحرب الباردة بين دول البريكس والولايات المتّحدة الأمريكيّة " المنشور بتاريخ 12/5/2020م ، و " مؤشرات السقوط الأمريكي " المنشور بتاريخ 24/12/2020 م و " دول البريكس والنّظام العالمي الجديد " المنشور في الشّهر الرّابع من عام 2021م .

بقلم الباحث والمحلّل السّيّاسيّ والاقتصاديّ :

نبيل أحمد صافية

وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية