في ذكرى استشهاد
فلسطين
في ذكرى استشهاد "أبو جهاد": اغتيال أبو جهاد استهدف التخلص من أحد دعاة الكفاح المسلح لصالح مشروع عرفات التسووي.
محمد دلبج
17 نيسان 2022 , 17:14 م

واشنطن- محمد دلبح


في مثل هذا اليوم السادس عشر من نيسان/إبريل عام 1988 قامت قوة كوماندوس صهيونية باغتيال القائد الفلسطيني البارز خليل الوزير (أبو جهاد) في منزله في ضاحية سيدي أبو سعيد شمالي العاصمة التونسية، تونس. وأبو جهاد هو أحد المؤسسين الخمسة لحركة "فتح" في عام 1959.

تمر ذكرى استشهاد أبو جهاد في وقت تتنامى فيه هبات الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة وتتصاعد العمليات الفدائية والمواجهات المسلحة ضد قوات الاحتلال الصهيوني... الأمر الذي بدفعنا إلى القول: ما أحوجنا اليوم إلى رجل مثل ابو جهاد الذي ما أن تفجرت انتفاضة شعبنا في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 1987 حتى احتضنها وقدم لها الدعم، وعمل على تعزيزها.

جاء اغتيال أبو جهاد في سياق سياسة كيان الاحتلال الصهيوني الذي لا يستطيع التدخل مباشرة في السياسة الفلسطينية، حيث أوكل لجهاز استخباراته الخارجي (الموساد) بالتدخل غير المباشر وذلك باغتيال رموز التيار الوطني والمنادين بضرورة انتهاج خط الكفاح المسلح ضد الاحتلال. وكان الموساد الصهيوني قد اغتال قبل ذلك في العاشر من نيسان/إبريل 1973 عضوي اللجنة المركزية لـ"فتح": كمال عدوان مسؤول القطاع الغربي في "فتح" ومحمد يوسف النجار رئيس اللجنة السياسية لشؤون الفلسطينيين في لبنان، وكمال ناصر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مسؤول الإعلام الموحد والناطق باسمها. كما اغتال أيضا في روما في تشرين الأول/أكتوبر 1980 عضو اللجنة المركزية لـ"فتح" مسؤول القطاع الغربي، ماجد أبو شرار.

وكانت حركة "فتح" شهدت محاولات قادها خليل الوزير (أبو جهاد) لترميم ما أحدثه نهج التفرد القيادي لعرفات وسعيه المحموم للمشاركة في مشاريع التسوية باي ثمن داخل الحركة وتنظيمها سواء داخل القوات وخارجها مما مثل خطورة على مراكز قوى كثيرة في داخل الحركة وفي داخل القوات حيث اعطى أبو جهاد بوصفه نائب القائد العام، التعليمات بممارسة النشاطات التنظيمية لحركة "فتح" في داخل القوات وملاحقة العملاء والجواسيس في داخل القوات الذي تم الافراج عنهم في اجتياح الجنوب اللبناني عام 1982 في حين أن القائد العام ياسر عرفات أصدر أوامره بحظر النشاطات التنظيمية داخل القوات وكذلك عدم ملاحقة العملاء والجواسيس على اعتبار أن هناك جهات مختصة تتابع ذلك، كان هناك صراع بين منهجين أيضا: ُمنهج التسوية ومنهج المقاومة الذي كان يدفع به أبو جهاد، أما أبو إياد فلقد تعرض لعمليات غزو لأطره من مراكز قوى أخرى في داخل الحركة ومحاولة احداث انسلاخات وولاءات تبتعد عن ولائها لأبو إياد أو هايل عبد الحميد (أبو الهول). وفي نيسان/16 إبريل 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى بأربعة أشهر تقريبا تم اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) في دارته بضاحية سيدي بوسعيد بتونس العاصمة، على يد مجموعة كوماندوز إسرائيلية بإشراف إيهود باراك، وكان أبو جهاد يتهيأ لمغادرة تونس في اليوم التالي إلى بغداد ليكون قريبا من فلسطين للعمل على تعزيز الانتفاضة الفلسطينية التي كانت اشتعلت في كانون الأول/ ديسمبر 1987. في الليلة التي تمت فيها عملية الاغتيال، كان جرى سحب أفراد الحراسة على منزل أبو جهاد وقطع الكهرباء عن المنطقة المحيطة بالمنزل والطريق المؤدية له مما يشير إلى ضلوع طرف داخلي في مؤامرة الاغتيال.

وكان المستوى السياسي والأمني في الكيان الصهيوني اتخذ قرار اغتيال أبو جهاد عقب نجاح العملية الفدائية باختطاف ثلاثة فدائيين لباص في بير السبع من بين ركابه خبراء في معمل ديمونا النووي في مارس 1988، وانتهت العملية باقتحام قوات إسرائيلية للباص لتسفر عن استشهاد الفدائيين الثلاثة ومقتل ثلاثة خبراء في ديمونا، وقد اجمع قادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة: ناحوم أدموني (الموساد)، يوسف هارملين (شين بيت) وأمنون ليبكين (آمان) إلى جانب وزير الحرب الصهيوني آنذاك اسحق رابين على اغتيال أبو جهاد في تونس. وأبلغ رابين المجلس الوزاري المصغر أن اغتيال أبو جهاد سيبعث برسالة واضحة إلى منظمة التحرير بعدم السماح لجناحها العسكري بالاستفادة من الانتفاضة الشعبية في الأراضي المحتلة وأن تصفية أبو جهاد سيثير الخوف داخل قلب ياسر عرفات حتى عندما يفكر بأن الإسرائيليين يعيشون حالة خوف بسبب الانتفاضة. وكانت "إسرائيل" بحاجة إلى تحقيق نصر مهما كان نوعه لرفع معنويات الرأي العام الإسرائيلي الذي تضرر بسبب عدم القدرة على قمع ووقف الانتفاضة.

كانت العلاقة بين أبو جهاد وعرفات وصلت قبيل اغتياله إلى حالة من القطيعة بسبب مساعي عرفات إلى إنهاء الانتفاضة تلبية لشروط أميركية حيث كان أبو جهاد أبلغ زميله في اللجنة المركزية للحركة فاروق قدومي (أبو اللطف) بأنه لم يعد هناك ما يجمعه مع عرفات الذي يبحث عن دور دبلوماسي. وكان سعي عرفات إلى المشاركة في مشاريع التسوية السلمية قد تسبب في حدوث تلك الخلافات والتوتر في العلاقة بينه وبين نائبه أبو جهاد الذي كان ينظر إليه كأحد محركي الانتفاضة في الأراضي المحتلة ومن المخططين للعمليات الفدائية التي نفذت في الداخل الفلسطيني فيما كان عرفات يعمل لاستغلال هذه العمليات سياسياً، بينما كانت وجهة نظر أبو جهاد هي عدم استغلال الانتفاضة التي كانت ما تزال في بدايتها.

كان أبو جهاد يرى في الانتفاضة ظاهرة غامرة ذات طاقة كامنة هائلة وخشي أن يجهضها عرفات بالسعي للحصول على مكسب دبلوماسي قبل الأوان. واتضح شكه في تحذيره الشديد في أواخر كانون الثاني/يناير 1988 من أنه يجب أن "لا يعلو صوت على صوت الانتفاضة، وعليه ينبغي التوقف عن اي حديث الآن حول حكومة المنفى" وفي تحذيره في منتصف نيسان/إبريل من العام نفسه قبيل اغتياله من "استثمار سياسي مستعجل" وكان يرغب في تصعيد الانتفاضة بل في نقلها إلى داخل فلسطين المحتلة عام 1948 وتوقع حدوث عصيان مسلح عام، وكان طموحه الشخصي أن يدخل إلى الأراضي المحتلة لقيادة العصيان. وفي هذه الأثناء أسر إلى مساعديه بتعابير لاذعة بأنه ينوي التعرض لعرفات وضبط سلوكه الفردي ومخالفاته المالية.

كانت العلاقات بين عرفات وابو جهاد تشهد حالات من المد والجزر فتنقطع أحيانا وتزدهر أحيانا أخرى، وسبب الخلاف كان دائما يتعلق بالعمل العسكري في الأراضي المحتلة وحرص عرفات على إبقاء كافة الخيوط في يده، وخاصة فيما يتعلق بترتيبات القطاع الغربي الذي يشرف على العمل في الأراضي المحتلة، فقد سبق لعرفات فصل القطاع الغربي إلى قطاعين أحدهما سماه القطاع الغربي لجيش التحرير. ولفرض وجهة نظره على أبو جهاد و"القطاع الغربي" الذي كان مسؤولاً عن العمل داخل فلسطين، خفّض عرفات في الكثير من الأحيان من ميزانية القطاع الغربي الذي يشرف عليه أبو جهاد.

وأكد سليم الزعنون عضو اللجنة المركزية لـ"فتح" ومن المؤسسين الأوائل للحركة في كتابه السيرة والمسيرة أن الأمور بين عرفات وأبو جهاد تتسم بالخلاف الشديد، كما كان يشاع، كانت بالفعل تتجه نحو القطيعة، إذ أن أبو جهاد كان متحمسا لعقد المؤتمر العام الخامس للحركة في تونس بدعم من أبو إياد وأبو اللطف وأن المؤتمر كان سيشهد تصفية حسابات تنهي ثلاثين عاما من العلاقة الرفاقية بينهما والتي بدات عام 1958. وقد اغتيل أبو جهاد في نيسان/أبريل 1988 وعقد المؤتمر في آب/أغسطس 1989. وسعى عرفات بعد اغتيال أبو جهاد إلى السيطرة على الانتفاضة، فكانت خطوته الأولى تأليف لجنة في "فتح" مسؤولة عن الأراضي المحتلة بإشرافه المباشر وأصبح عباس زكي أمين سر اللجنة لكنها بدون صلاحيات ونادرا ما اجتمعت، وتعرض القطاع الغربي للمزيد من التشتيت بعد ان ألحق عرفات كوادره الكبار وأكثرية مساعدي ابو جهاد بمكتبه أو نقلهم إلى "لجنة متابعة الانتفاضة" الموازية في منظمة التحرير الفلسطينية والتي هي تحت سيطرته أو نقلهم إلى وظائف مكتبية في دائرة شؤون الوطن المحتل في منظمة التحرير الفلسطينية وأعيد نقل المهمات العسكرية والتنظيمية السابقة للقطاع الغربي بالتدريج إلى "القوة 17" بقيادة محمود الناطور (أبو الطيب) الذي كان يعلق في مكتبه خرائط بأعلام تمثل السرايا والكتائب والألوية والقيادات الميدانية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكان هذا محض خيال وتسبب في اعتقال سلطات الاحتلال الصهيوني العشرات من أعضاء الجيش الجديد المتحمسين بزواله السريع.

ملابسات عملية الاغتيال وردت في كتابي "ستون عاما من الخداع.. حركة فتح من مشروع الزعيم إلى مشروع التصفية" بطبعته الثانية التي صدرت في أيلول/سبتمبر 2021 (من ص 518-521).

الأكثر قراءة أنشودة يا إمامَ الرسلِ يا سندي, إنشاد صباح فخري
أنشودة يا إمامَ الرسلِ يا سندي, إنشاد صباح فخري
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً