فتحت عيناها لتجد سناء محيدلي ودلال المغربي تبتسمان في وجهها، عانقتاها بشدة، لكنها ظلت تمسك رأسها وكأنها تبحث عن شيئ ما.
مازحتها دلال :
-لا عليك، يا شرين لا أخبار بعد اليوم، هنا لست مجبرة على ترتيب شعرك أمام الكاميرا.
ردت شيرين في دهشة:
- أين أنا ؟ آخر ما أتذكره أن قناصاً صهيونيا كان يوجه بندقيته ناحيتي في جنين.
أمسكت سناء بيدها وساعدتها على الوقوف ثم قالت:
- أنت حيث يأتي الشهداء يا شيرين، أنت في عدن، تعالي سنعرفك على الآخرين.
- من يكون الآخرون ؟
_ هذا غسان كنفاني، مازال ينتظر جوابا عن "رجال الشمس"، أطرقوا الخزان أم لا ؟. وهذا ناجي العلي، يريد أن يعرف ما إذا كان حنظلة قد كبر وهل آن الأوان ليدير وجهه؟ وهذا الأصلع القصير الجالس وحيدا، وديع حداد، منذ وصوله وهو يخطط لصناعة آلة تمكنه من العودة إلى فلسطين، لا يتكلم كثيرا، فقد أصيب بخيبة أمل منذ علم أن رجعيات المنطقة باعت كارلوس لفرنسا.
توقفت شيرين برهة، أصابتها الحيرة مما رأت وسمعت، ثم ابتسمت كما لم تبتسم يوما:
- هل تقصدان أنني ميتة ؟
ردت سناء بجدية:
- أنت لست مجرد ميتة، أنت شهيدة، وأنت من اليوم ستسكنين بلاط الشهداء.
غير بعيد، كان يجلس شاب وسيم، طويل القامة، مرتديا بذلة رسمية، نهض من مكانه وتقدم ببطئ، أمسك بيد شيرين وقبلها بخفة. نظر في عينيها، ابتسم وقال:
- تفضلي آنسة شيرين، اجلسي مكاني، لابد أنك تحملين الكثير من الأخبار، ونحن متشوقون لسماعها.
همست دلال في أذن شيرين:
-هذا محمد الأسود، المعروف بجيفارا غزة، لا تدعي نبله يخدعك، هذا رجل لا يعطي قلبه إلا للبندقية.
انهالت الأسئلة على شيرين من كل صوب وحدب، لم تعرف المسكينة من أين تبدأ الحديث، كانت ما تزال تحت تأثير الصدمة، كما أن وجودها في حضرة كل هؤلاء الشهداء أصابها بالارتباك. بينما كانت تبحث عن الكلمات لترد على الاستفسارات المتهاطلة مدرارا، سمع صوت خليل الوزير وهو ينزل تلة مجاورة وعدن تهتز تحت خطواته:
- هيا يا شباب، افسحوا المجال للشهيدة حتى تلتقط أنفاسها، لا تستعجلوها.
قالت شيرين بتلعثم:
- اعذروني كثيرا، أنا أعرف أن المقام طال بكم هنا، وأنكم تنتظرون أنباء سارة، لكنني للأسف لا أحمل منها إلا النزر اليسير.
عم الصمت مدة قبل أن تضيف:
- آسفة يا غسان، حتى لو طرق الخزان فلا أحد سيسمع، لا أحد أكل برتقال حيفا، وحتى المزارع حلت محلها المستوطنات... عفوا أعرف أنك تفضل كلمة مغتصبات. وأنت يا ناجي، لتعلم أن الخيانة لم تعد فقط وجهة نظر، بل أصبحت بطولة يفتخر بها الخائنون. الكثير من أصدقائك يا أبا جهاد قد باعوا البلاد والعباد ....
من عدم، ظهر طفل في العاشرة من عمره، نظر له الجميع متسائلين:
- ما اسمك ؟
لم يجب الطفل، ظل صامتا وعيناه مركزتان على شيرين.
قال غسان:
- هل تعرفينه يا شيرين ؟
حركت رأسها نافية وقبل أن تقول كلمة بادرها الطفل بالسؤال:
- أنت شيرين أبو عاقلة أليس كذلك ؟ انا سعيد أنني التحقت بك بعد يومين، لقد تركتهم يتقالون حول جواز الترحم عليك!
نفث وديع حداد دخان غليونه ثم صرخ:
- ألم أقل لكم توقفوا عن سؤال القادمين الجدد، إذا أردتم الأخبار السارة، علينا التفكير في العودة لنصنعها بأنفسنا !