بقلم ناجي أمهز
بين أعوام 1307 – و1312 ميلادية، قام ملك فرنسا فيليب الرابع بموافقة البابا كليمنت الخامس، باعتقال قادة فرسان الهيكل، وحل التنظيم،
وكان وراء قرار الملك فليب بحل تنظيم فرسان الهيكل، كثافة الديون التي عليه لفرسان الهيكل، فقرر التخلص منهم للاستحواذ على ثرواتهم الهائلة من أموال وذهب وفضة، والتي تعادل اليوم ما قيمته 70 ألفا مليار دولار، إضافة لوضع اليد على الممتلكات الشاسعة من أراض ومزارع وغيرها تعادل ثلث فرنسا اليوم.
ومع البدء بملاحقة ومطاردة فرسان الهيكل، استطاع عدد كبير منهم الفرار إلى منطقة شفايز في سويسرا، بسبب التقارب الجغرافي، إضافة أن سويسرا كانت لا تخضع لسيطرة البابا حينها، وكان معهم الكثير من الأموال التي تم تهريبها من فرنسا.
وبعد وصول فرسان الهيكل إلى سويسرا، انتعشت سويسرا سريعا مع بداية القرن الثالث عشر، حيث تحولت بفضل ثروات فرسان الهيكل، إلى مركز النظام المصرفي الذي يحكم العالم، حتى يومنا هذا.
وقد استطاع فرسان الهيكل خلال أعوام قليلة (1307 – 1314) بإعادة تنظيم أنفسهم، وقد نجحوا بالانتقام من الملك فليب الرابع باغتياله عام 1314، وأيضا يقال إنهم اغتالوا البابا كليمنت من نفس العام 1314، أي بعد عام تقريبا على حل تنظيم فرسان الهيكل 1312 ميلادية.
وعلى الرغم من محاولة الكنيسة نفي اغتيال البابا وأيضا الإمبراطورية الفرنسية التي أكدت أن وفاة الملك كانت بسبب تعرضه لحادث أثناء الصيد، الآن أن أوروبا لم تصدق هذه الأقاويل، فلا يعقل أن يكون هناك صدفة تؤدي إلى وفاة الاثنين وبنفس العام، وبعد هذا الحدث، شاع جو من الرعب بين كافة القوى التي كانت تحكم أوربا من سطوة فرسان الهيكل مما سمح لهم أن يحكموا أوروبا قديما كما يحكمون العالم اليوم، وهو إما من خلال إقراض المال إلى الممالك والدول، أو من خلال النفوذ السياسي.
وبينما كان نفوذ فرسان الهيكل يتوسع ويتمدد، اصطدم بنفوذ الكنيسة التي كانت تحكم أوروبا في حينه، وبعد ثورة بيضاء في إنكلترا ما زالت حتى يومنا هذا مجهولة الأسباب، إلا أنه في عام 1689 اعتلت الملكة ماري الثانية عرش إنكلترا، وبما أن الملكة كانت تتبع المذهب البروتستانتي، الذي أنشئ في القرن السادس عشر وهدفه إصلاح الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا الغربية، اعتبر كثيرا بأن فرسان الهيكل نجحوا بتقويض سلطة الكنيسة على أوروبا، وفي عام 1717 ميلادية تم تحويل اسم فرسان الهيكل إلى الماسونية، إشعارا منهم بأنهم يعلنون انفصالهم التام عن الكنيسة، وبدأت المعركة بين الكنيسة وفرسان الهيكل تظهر إلى العلن، حتى عام 1789 قيام الثورة الفرنسية والتي كان شعارها حرية، مساواة، أخوة، والتي أدت إسقاط سلطة الكنيسة السياسية، وإلى تحرير أوروبا بالكامل مما عرف بقيود التقاليد الدينية.
وقد حاول البعض ان ينفي ان الثورة الفرنسية هي نتاج ماسوني، جاء إعلان حقوق الإنسان والمواطن، موقع على ورقة عليها شعار الماسونية للتاكيد ان الثورة الفرنسية هي ماسونية.
وبالرغم من تحكم فرسان الهيكل بأوروبا القديمة وإنكلترا، وانتقامهم بعد خمسمائة عام من الامبرطورية الفرنسية والكنيسة معا، بسبب ما حصل عام 1312، إلا أنه بقي أمامهم تحقيق ما أنشئوا لأجله وهو قيام معبد سليمان في شليم في فلسطين. (تسمية شليم غير تسمية أورشليم التي تعني الأرض الممتدة من باور في العراق إلى شليم في فلسطين)
ومع العلم عن تحدث الكثير عن هزيمة فرسان الهيكل في فلسطين مع نهاية القرن الثاني عشرة ميلادي، إلا أنه هناك حقبة تاريخية تؤكد أن فرسان الهيكل بعد حصولهم على دفائن كانت تحتوي على علوم وطلاسم لسليمان الحكيم ابن داوود، قد غادروا فلسطين قبل عام 1290 ميلادي، وبسبب هذه الطلاسم اتهمتم الكنيسة والملك فليب الرابع بالتجديف على الدين المسيحي، لأنه تبين أنهم كانوا يقوون بأعمال خارقة، وحينها ظهر لأول مرة ما يعرف ببافوميت.
ومع انتصار الثورة الفرنسية قام نابليون 1801 بالحملة على مصر من أجل قيام الوطن البديل.
وبعد فشل حملة نابليون لأسباب لا يتسع المكان لسردها، ولكن يمكن تلخيصها بأن الظروف السياسية والدولية لم تكن تسمح حينها بقيام الوطن البديل بظل الخلافة الإسلامية التي كانت عاصمتها في إسطنبول، ومع بداية القرن التاسع عشر انطلق النظام العالمي الجديد حيث أسقطت الخلافة الإسلامية بالحرب العالمية الاولى عام 1918 وبدا الإعداد وتهيئة منطقة الشرق الأوسط لقيام الوطن البديل، وبعد ان قسمت المنطقة بين الإنجليز والفرنسيين، اندلعت الحرب العالمية الثانية 1945والتي ساهمت مساهمة مباشرة بهجرة اليهود الى فلسطين تمهيدا لاحتلالها، ومن يراجع التاريخ يلحظ أن الدولتين فرنسا وانجلترا لم يكونا على علم تام بالمخطط الذي كان ينفذ على مراحل متقطعة، فالفرنسيين قدموا مشروع الولايات السورية الخمس أي ولاية مارونية وسنية ودرزية وعلوية وشيعية، على أن تكون فلسطين هي الولاية اليهودية السادسة، وهي الحدود الست في نجمة داوود، (علم الكيان الإسرائيلي)
لذلك عندما تطالعون تاريخ الانتداب البريطاني الفرنسي للمنطقة، تجدون في أماكن عديدة تغييرا في قواعد الانتداب والسيطرة وتضارب بأخذ القرارات، ليس لأن فرنسا كانت تريد أو بريطانيا لا تريد أن تطبق رؤيتها لبلاد الشام أو العكس، بل لأنه كان هناك من يفرض على الدولتين فعل ما يريد، ويحدد حدود سيطرتهما وما هو مطلوب منهما.
وفي ظل التجاذب بين رؤية الفرنسيين والبريطانيين، بدا الأعداد للبنان الذي عرفناه بسويسرا الشرق، ومن أسباب حصول لبنان على لقب سويسرا الشرق أن الكثير من رجالات لبنان الذين عرفناهم أو سمعنا عنهم بداية الاستقلال كانوا من المتنورين والمتواجدين حول الطاولة المستديرة في صناعة القرار العالمي، وبما أن قيام الوطن البديل لليهود في فلسطين يحتاج إلى وقت كي يستقر (أي بعد طرد الفلسطينيين من فلسطين، والسيطرة الكاملة عليها، وتقسيم العالم العربي ثم تفتيته، كما يحصل الآن)، كان لبنان ضرورة عالمية ملحة إن كان بتقديم الخدمات في عالم المال وصناعة الإعلام والنقل والاتصالات، حيث كانت الأموال العربية تحول إليه، وهو بدوره يوردها إلى سويسرا، فكان لبنان جزءا متكاملا من المنظومة السويسرية ماليا وسياسيا وإعلاميا.
يعني دور لبنان كسويسرا الشرق كان دورا مؤقتا إلى حين استقرار الكيان الإسرائيلي الذي ستنقل إليه كل هذه الامتيازات.
وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، بدا النظام العالمي يستعد للمرحلة الثانية، وهي نقل كافة امتيازات لبنان إلى الكيان الإسرائيلي، فاشتعلت الحرب الأهلية وبالتزامن معها سمح بالاجتياح الإسرائيلي عام 1982 للبنان، وكان غاية الحرب الأهلية واجتياح لبنان من قبل العدو الإسرائيلي، هو تدمير بنية الدولة والمجتمع تمهيدا لتوطين الفلسطينيين، وبالفعل أن احتلال العدو الإسرائيلي للجنوب كان لتوطين أكثر من خمسمائة ألف فلسطيني.
وبما أنه كان ممنوعا على لبنان دخول عالم الصناعة والزراعة، وان مصدر مورده المالي الوحيد هو من السياحة وتقديم الخدمات المالية والإعلامية، فكان من المتوقع أن يتحول لبنان بعد ضرب سياحته وإخراجه من المنظومة المالية إلى وطن منهار، يعتاش على المساعدات، مما يحوله الى وطن يرضخ لكافة الشروط ومنها توطين الفلسطينيين.
وبالفعل هذا ما حصل منذ استقلال لبنان حتى يومنا هذا لم يسمح للبنان بالتطور صناعيا، ولا التقدم بالإنتاج زراعيا،
وأيضا الأيام ستكشف أن انهيار النظام المالي اللبناني من قبل منظومة فاسدة هو بقرار دولي وأمريكي تحديدا.
انهيار لبنان كان معلوما أنه مع استقرار دولة الكيان الإسرائيلي في فلسطين، والانفتاح والتطبيع العربي معها، سينتهي دور لبنان، وهذا ما حصل فاليوم غالبية الدول العربية تستورد الخضار والفاكهة من كيان العدو، وتحول الاموال اليه، اضافة الى ازدهار المكاتب التجارية بين الكثير من دول العربية والكيان، ناهيكم عن الدراسات والخدمات التي يقدمها الكيان الاسرائيلي للكثير من رجال الاعمال والساسة العرب، حيث يفتح لهم ابواب الغرب السياسية والاقتصادية، وخاصة ان للاسرائيليين نفوذا كبيرا على صناع القرار السياسي عالميا، اضافة الى اتفاقيات عسكرية وامنية.
لذلك يكفي التباكي على لبنان سويسرا الشرق، فالمخطط الدولي للبنان كان تحويله الى مخيمات تحت تسمية كونتونات، على ان يكون اكبر هذه المخيمات هو للاجئين الفلسطينيين، لكن الذي افشل هذا المخطط هي المقاومة التي اخرجت العدوالاسرائيلي من بيروت وحررت جنوب لبنان وحافظت على وحدته، بخلق توازن رادع لاي عدوان قادم.
لبنان اليوم هو أفضل بكثير من لبنان سابقا، لأنه لأول مرة يعمل على بناء ذاته بقدرات أبنائه، ويدافع عن أرضه ويحميها بقوته، من دون منة من مجلس الأمن أو النظام العالمي، إضافة أنه بدا بالتوجه نحو الزراعة وقريبا إلى قطاع الصناعة.
الأيام القادمة ستكون قاسية للغاية، لان الحصار سيشتد بصورة غير مسبوقة على لبنان، لذلك المطلوب هو الوحدة والالتفاف حول المقاومة القادرة على تأمين البدائل من محروقات ومواد غذائية، إلى حين وضوح المشهد في الشرق الأوسط والعالم.