محمد محفوظ جابر
بعد أن استنفدت عائلات الشهداء كل الإجراءات القانونية في "إسرائيل"، بما في ذلك المحكمة العليا " التي تتماهى مع المستوى السياسي والأمني الإسرائيلي"، وخلال وقفة بميدان المنارة في مدينة رام الله المحتلة، أطلقت عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى سلطات الاحتلال، حملة شعبية لاستعادة جثامين أبنائهم المحتجزة في ثلاجات الاحتلال ومقابر الأرقام.
وهنا اصبح المطلوب من جميع الفصائل وانصارهم وجميع المؤسسات القانونية والحقوقية والانسانية، وانصار القضية الفلسطينية، ان تساند هذه العائلات لتحقيق مطلبهم لاستعادة جثامين أبنائهم المحتجزة.
وحسب الاحصائيات الاخيرة فإن : "256 جثمانا موجودة في مقابر الأرقام، و105 جثامين محتجزة في الثلاجات"، والجدير بالذكر أن هؤلاء الشهداء، في الفترة بين 1967 والى الآن.
والسؤال هو لماذا تبقى جثامين الشهداء في مقابر الارقام والثلاجات؟
هؤلاء الشهداء، هم أبطال نفذوا عمليات فدائية بطولية، سواء ضمن دوريات قادمة من خارج الوطن المحتل او من داخله.
انهم ابطال تغنى بهم الشعب الفلسطيني والأمة العربية، كما تغنى بهم فصيلهم الذي جهزهم للقيام في مهمة بطولية ضد الاحتلال الصهيوني، واصدر الفصيل بياناته التي تشيد ببطولتهم في حينها، وتعهدت الفصائل في نهاية بياناتها ان تسير على درب هؤلاء الشهداء، لتكمل مشوار تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، وقالت دائما " المجد للشهداء"، ولكنهم اصبحوا بكل اسف مجرد ارقام مسجلة على قبور مهدمة!
إن احتجاز الجثامين "يسبب ألما لا ينتهي لعائلات الشهداء، ولرفاقهم وانتهاكا لأبسط حقوق الإنسان"، لماذا تُرك العدو المحتل ليحولهم الى ارقام؟
وهل استمرت قبورهم قائمة كما هي منذ 1967 وحتى الآن ام اندثرت؟ وهل تبقى من اجسادهم شيء ام نهبت؟
لقد سلط الصحفي السويدي دونالد بوستروم الضوء على قصة الشهيد الفلسطيني الشاب بلال أحمد غانم، الذي قتلوه بالرصاص بينما كان عائدا إلى منزله في بلدته بقلقيلية، وحمله الجنود على متن مروحية في 13 مايو 1992. ثم أعادوا جثته في ساعة متأخرة من الليل بعد خمسة أيام.
ويروي بوستروم قائلا: «كنت متواجدا عندما أعيدت الجثة وقبل دفنها، رفع عنها الغطاء ليصبح صدره مكشوفا وظهرت أثار قطع وخياطة بصدر الشاب». لقد سرقوا اعضاء من جسده.
وفي كتابها "على جثثهم الميتة"، كشفت د. مئيرا فايس الطبيبة الإسرائيلية والخبيرة في علم الإنسان، عن سرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين، وذكرت أنه في فترة ما بين عام 1996 و2002 تواجدت فايس في معهد أبو كبير للطب الشرعي في تل أبيب لإجراء بحث علمي، وهناك رأت كيف كانت تتم سرقة الأعضاء، لا سيما من جثامين الفلسطينيين. إضافة إلى استعمال جثث الشهداء المحتجزين، في كليات الطب في الجامعات الإسرائيلية لإجراء الأبحاث عليها.
و أقر رئيس معهد الطب العدلي الإسرائيلي السابق يهودا هس، أنه تم أخذ أعضاء بشرية وأنسجة وجلد من جثامين الشهداء الفلسطينيين، دون علم أو موافقة ذويهم. وشهادات اخرى غيرها.
وفي العام 2008، قامت شبكة (CNN) الأمريكية بنشر تقرير كشفت فيه النقاب عن معطيات جاء فيها أن إسرائيل تعتبر أكبر مركز عالمي لتجارة الأعضاء البشرية بشكل غير قانوني، وأن دولة الاحتلال هي الدولة الوحيدة التي تحتجز جثامين الشهداء، وتنتهجها كسياسة، في مقابر الأرقام.
ان جريمة احتجاز جثامين الشهداء، هي إحدى أبرز الجرائم التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي على مدار العقود الماضية، وأكد نادي الأسير، أن "هذه الجريمة تشكل انتهاكا لكل القوانين والأعراف الدولية، وهي شكل من أشكال "العقاب الجماعي"، ورغم ذلك، الاحتلال ماضٍ فيها دون أدنى اعتبار لذلك، كما في كل الجرائم التي يواصل ممارستها بحق أبناء شعبنا".
وتلزم اتفاقية جنيف الأولى حسب البندين 15 و17 الدولة المحتلة بتسليم جثامين الشهداء لذويهم ودفنهم مع المحافظة على كرامتهم حسب معتقداتهم الدينية قدر الإمكان والمادة 27 من اتفاقّية جنيف الثالثة والمادة 33 من اتّفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 ، والبروتوكول الأول لعام 1977، حيث اعتبرت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ان ممارسة احتجاز الجثامين ترقى إلى مستوى سوء المعاملة المحظورة، ودعت إلى تحقيق العدالة والمساءلة لوضع حد لإفلات دولة الاحتلال الإسرائيلي من العقاب.
ورغم كل السجل الاجرامي بحق الشهداء الفلسطينيين، في سبتمبر/أيلول 2019 أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارًا يجيز للقائد العسكري احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتًا لغرض استخدامهم كأوراق تفاوضية مستقبلًا.
لنساند عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم لدى سلطات الاحتلال، في حملتهم الشعبية لاستعادة جثامين أبنائهم المحتجزة في ثلاجات الاحتلال ومقابر الأرقام.