تُعَدُّ الوحدة “8200” المعروفة باسم “آوريم” واحدةً من أقوى أذرع هيئة الاستخبارات الإسرائيلية، وهي وحدة مكونة من علماء نفس وخبراء سياسيين ومتحدثين باللغة العربية وخبراء تواصل اجتماعي، مهمتهم صناعة الفتنة بين الشعوب العربية تحديداً.
ويمتد عملُ هذه الوحدة إلى أنحاء العالم؛ نظراً لما تملكه من إمكانيات وخبرات تستطيع من خلالها تغذية مختلِف المؤسسات الإسرائيلية بالمعلومات اللازمة، بعد جمعها من خلال اختراقات وعمليات تجسس، يعتمدُ معظمها على العمل السيبراني، الذي يتميز فيه العاملون بها.
وتعتمد هذه الوحدة سياسة “فرِّق تسُد” وهو مصطلح سياسي عسكري اقتصادي الأصل اللاتيني له “divide et impera”. ويعني تفريق قوة الخصم الكبيرة إلى أقسام متفرقة لتصبح أقل قوة، وهي غير متحدة ولكن هذه المرة من خلال العالم الافتراضي، في ظل الفرقة والتشرذم التي تجتاح العالم العربي على مختلف الأصعدة.
وتتمثل مهمة هذه الوحدة بإرسال تغريدات عبر تويتر ومواقع التواصل، بأسماء عربية وهمية، يشتم السعودي فيها الفلسطيني، ويشتم اللبناني باسم السوري، ويشتم العربي باسم التركي، ويشتم التركي باسم العربي.. وهكذا مستخدمين أسماءً لرموز دينية، كعلي بن أبي طالب، وأبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب.
وبحسب تقرير سابق لموقع “الجزيرة نت” فإنّ الوحدة تضمُّ مسارين للتخصص، الأول تحت اسم مسار “أوفيك”، ويسلكُه المرشحون ذوو القدرات العالية والبيانات المناسبة، ويتلقى مَن يريد أن يسلك هذا التخصص تدريباتٍ قبل بَدء الخدمة العسكرية.
وذلك فضلاً عن تعلُّم اللغتين العربية والفارسية، اللتين تُظهر الوحدة اهتماماً خاصا بهما من بين اللغات، كما أنه ليس هناك شرط المعرفة السابقة بهذه اللغات، حيث تشمل التدريبات لغات ربما لم يعرفْها المُرشّح من قبل.
أما المسار الثاني فهو مسار “ماتان“، ويتعامل هذا المسار مع البحث وتطوير المصادر، وسيكون المرشحون المناسبون مؤهلين لشغل منصب، يجمع بين العمل التكنولوجي والعمل الاستخباري.
وعلى الرغم من عدم السماح بنشر معظم المعلومات حول الوحدة وتشغيلها، إلا أنه على مر السنين تمّ الكشف عن عدد من التفاصيل حولَها، وحول خريجيها، الذين شغِلوا أكثر المناصب المرغوبة في عالم التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل؛ نظراً لما تمتعوا به من خبرات عملية في هذا المجال أثناء خدمتهم في تلك الوحدة. وهي لا تقبل العرب باستثناء الدروز ممن يعيشون في الجولان.
ويشمل تدقيق الانتساب للوحدة ومراحل اختيار المرشحين للانضمام لها، اختبارات سنوية ونصف سنوية، في اللغات، والعلوم، والبرمجة، والتفكير الإبداعي، وسرعة البديهة، بالإضافة إلى الاختبارات الجسدية.
وهناك أيضاً برنامج “مغا شميم” بجامعة “بن غوريون”، جنوب إسرائيل، حيث يمكن للمتميزين من الشباب والفتيات الدراسةُ لثلاث سنوات، قد تؤهّلهم للخدمة بالوحدة 8200، وقد لا تفعل.
هيئة البث الإسرائيلي: السلطة الفلسطينية تنفّست الصعداء بعد اعتقال آخر أسيرين من أسرى جلبوع الفارين
ومن خلال هذه الوحدة المزودة بأحدث وسائل التكنولوجيا، تقع الشعوب العربية في حبالهم، فيبدأ السعودي البسيط العاطفي بالدفاع عن بلده من الفلسطيني “الحقير”، حسب التغريدات.
وبالتالي يقع الفلسطيني البسيط بالفخّ مستنكراً هجوم السعوديين على شعب فلسطين المقهور، فيردُّ ويشتم السعودي والسعودية، فيتحقق هدف أعداء الأمة. ثم ينتقلون في هذه الوحدة المسرطنة إلى شتم الإماراتي والبحريني باسم الفلسطيني، فيرد الفلسطيني وبعض شعوبنا العربية، وهكذا.
وبحسب مراقبين يقومُ منتسبو هذه الوحدة التابعة لمديرية المخابرات العسكرية “أمان” بإغراق وسائل التواصل الاجتماعي، بموادَّ وأخبارٍ مُعادٍ تحريرُها وصورٍ وفيديوهاتٍ غالبيتها العظمى ملفّقةٌ باحترافية؛ لزرع الفتنة والشقاق والطائفية بين أبناء الشعب الواحد، وبين الشعوب العربية فيما بينها.
وتهدفُ هذه المواد أيضاً إلى إضعاف الانتماء الوطني وقتل المعنويات، والتشكيك في الوطن والوطنيين، وبخاصة أثناء الأزمات بين الدول العربية، على غرار ما يحصل الآن بين الجزائر والمغرب.
إضافة إلى مهامَّ استخباراتيةٍ أخرى، ومنها التجسُّس، والتعرُّف على “الإرهابيين” المحتملين على الإنترنت، وتطوير التقنيات الاستخباراتية، واختراق قواعد بيانات الدول المعادية لتل أبيب، وتدميرها إن لزم الأمر.
ونقل موقع “israelhayom” الإسرائيلي باللغة العبرية عن مدير العلوم العسكرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، قولَه: “يمكن القول إنّ الوحدة 8200 هي أهم وكالة استخبارات تقنية في العالم، وعلى قدم المساواة مع وكالة الأمن القومي في أي شيء عدا الحجم”.
ووفق المصدر ذاته، تتكون الوحدة بشكل رئيسي من جنود تتراوح أعمارهم بين 18 و21 سنة، لقدرتهم على التثقيف الذاتي والتعلم بسرعة كبيرة، حيث لا تستطيع الوحدة الوصول إلى خدماتهم إلا لفترة قصيرة، قبل انتهاء فترة خدمتهم العسكرية.
ويدرسون مهارات تشفير الكمبيوتر والقرصنة وهم يستمرون في خدمة الوحدة بعد الانتهاء من الخدمة العسكرية، في إنشاء واحتلال مناصب عليا في العديد من شركات تكنولوجيا المعلومات الدولية وفي وادي السيليكون.
ويقع وادي السيليكون الإسرائيلي في منطقة في السهل الساحلي في إسرائيل، حيث تتمركز بها شركات التكنولوجيا الفائقة.
وتقع الوحدة “8200” في صحراء النقب على بُعد حوالي 30 كم من بئر السبع، وعلى بعد كيلومترين شمال كيبوتس أوريم. ومن هنا جاء اسمها.
وحتى العام 2010 كانت الوحدة غير معروفة للعالم الخارجي إلى أن تمّ تسريب معلومات عنها عبر وسائل الإعلام الغربية.
ونظراً لأهمية الوحدة في إسرائيل، فإنّ السريةَ تُحيط بها بشكل كبير، فقد وصل إلى عدم الإعلان عن هوية العاملين بها حتى قائدها، وهو الأمر الذي كان واضحاً عند تسليم وتسلُّمِ قيادة الوحدة في 28 فبراير/شباط الماضي، حيث حرص الجيش الإسرائيلي على تمويه وجه القائد في صور الحفل، التي تمّ الإفراج عنها.
وفي أيار 2021 أعلنت كتائب القسام عن استهدافها لقاعدة التنصت 8200 أوريم وقاعدة “رعيم” برشقات صاروخية رداً على استمرار العدوان.
وأوضح “يوسي ميلمان”، المعلّق الإسرائيلي الخبير بالشؤون الأمنية والاستخباراتية، في تقرير له بصحيفة “هآرتس” مقتطفات منه، أنّ رواية “يرون في الظلام”، التي كتبها حاجي دغان، وهو أحد خريجي وحدة “8200”، وهي “قصة خيالية، لكنّ عدداً غيرَ قليل من فصولها تصفُ الواقع بشكل جيد، تُقدّم لنا نظرة على العالم المتنوع للتنصت وحل الشيفرات”.
وقال “ميلمان”: إن رواية “يرون في الظلام”، هي “رواية بوليسية متعددة الطبقات، تصف بمهارة كبيرة المزاجَ السائد في وحدة جمع المعلومات وتحليل الشيفرات في قسم الاستخبارات بالجيش الإسرائيلي”.
وهي رواية يمكننا من خلالها أن نتعرف على وحدة “8200”؛ مهماتها، عملياتها، طرق عملها، والعلاقة بينها وبين الأذرع والأقسام الأخرى في جهاز الاستخبارات، ومنها وحدة “5400” في الاستخبارات العسكرية، والموساد، والشاباك”.
ونوّه ميلمان، إلى أنّ “وحدة 8200” تعتبر وحدة جمع المعلومات الرئيسية للاستخبارات العسكرية، وهي العمود الفقري والجهاز العصبي لجهاز الاستخبارات بالكامل، وتأسّست مع تشكيل الجيش عام 1948، واسمها الأول كان “ش.م 2″ (جهاز المخابرات رقم 2)”.
وأكّد الخبير أن “وحدة جمع المعلومات حصلت بقيادة القائد الأول مردخاي الموغ، أثناء حرب 1984 على عدة إنجازات”.
وكجزء من طريقة عمل الوحدة، أوضح أنّ رجل اللاسلكي (المتنصت) يلتقط محادثاتٍ في شبكات الاتصال، وفي حال وجدَ أمراً هاماً، كتب عنه ملخصاً وحوّله لمسؤول الشبكة، ومن هناك لضابط تحليل الشبكة، من أجل استخلاص العبر، وفي حال كان الملّخص غير كاف، يَطلب المسؤول الحصول على التسجيل بالكامل، وينقُله لتحليله؛ أي التنصت والنص الكامل للمحادثة”.
وولد “حجاي دغان” عام 1964، في كيبوتس “عين همفارتس”، ودرس في معهد نعمان التربوي. وكان مرشدًا لحركة الشباب العربي في شبابه.
كما انجذب “حجاي” إلى اللغة، ودرس في جفعات حبيبة التي أسستها أيضاً “هشومير هتسير” والتحق بعدها بالوحدة 8200، حيث درس لمدة ثمانية أشهر في مدرسة للغة العربية، ومن هناك اتبع دورات في ذكاء الشبكات والأصفار.
وبعد خمس سنوات، في عام 1989، أُطلق سراحُه برتبة نقيب. وسعت المؤسسة إلى تجنيده في ذات المجال.