كتب الأستاذ حليم خاتون: الدولار الجمركي، شعبوية أم خطوة ناقصة إلى الأمام
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: الدولار الجمركي، شعبوية أم خطوة ناقصة إلى الأمام
23 آب 2022 , 14:10 م


إنها صورة اللص يركض هارباً من أمام الخزنة، يحمل أكياس المال المسروق بينما تتطاير بعض أوراق المال فلا يعيرها هذا اللص اهتماماً لأن الكتلة النقدية الأساسية الكبيرة لا تزال في الاكياس المحمولة...

اللص مسرور لأن الكتلة الأساسية من المال لا تزال معه...

والناس على الطرقات مسرورين بالتقاط النقود المتطايرة غير مبالين بعملية السرقة ذاتها...

هذه الصورة هي طبق الاصل لما كانت تفعله طبقة السلطة الحاكمة في لبنان...

نهب منظم لكل الثروة الوطنية يتطاير أثناءها بعض الفتات الذي تلتقطه الفئات الشعبية...

طبقة السلطة الحاكمة مسرورة لأن النهب المنظم نجح في السيطرة على الكتلة الأساسية من الثروة...

والناس مسرورين بالتقاط المال المتطاير...

ما تطاير من المال لم يكن سوى فتات كفيل لتخدير الناس والتغطية على عمل النهب...

هكذا كانت تهدر أموال الأجيال السابقة...

هكذا تمت سرقة احلام جيلنا بالتقاعد المريح، وهكذا تمت سرقة مستقبل الأجيال القادمة...

هذا الفتات، هذه الأوراق النقدية المتطايرة لم تكن سوى الدعم الذي كان يخدر الناس فلا ترى حقيقة ما يجري...

أما المأساة، فقد كانت مع الأحزاب والمنظمات السياسية والأهلية التي انبرت تدافع عن هذا الدعم متغافلة عن أصل وجوده...

الناس بسطاء ويمكن الضحك عليهم...

أما الأحزاب والمنظمات الشعبوية فهي مذنبة تماما كما الشريك في جريمة النهب...

اليوم تضع طبقة السلطة كل أسباب الإنهيار على هذا الدعم...

مزيد من التعمية لتغطية عملية النهب ذاتها...

ليست سياسة الدعم جريمة بحد ذاتها...

في أي مجتمع يوجد معاقون أو عاطلون عن العمل أو ايتام أو أسر انقلب عليها الدهر أو حالات أخرى تستوجب الدعم...

هذا يكون مسؤولية جهات في الدولة القوية العادلة...

لكن ما حصل في لبنان هو سرقة ونهب للمال العام، سطت الطبقة الحاكمة على أغلبه وخدرت الناس بالفتات منه...

اليوم يتحدث الجميع عن الدولار الجمركي...

ما هو هذا الدولار الجمركي...؟

هل هو فقط طريقة أخرى للنهب سوف يقوم به كبار تجار الاحتكار بمساعدة القيمين على مؤسسات الدولة ومافيا الفساد...

غدا سوف يدخل التاجر الفلاني عشرات الكونتينرات، يدفع الجمرك العالي عن بضعة منها، ثم ينهب الباقي من جيوب الناس عبر القول إن الجمرك العالي يفرض زيادة الأسعار...

وزيادة الاسعار سوف تطال كل شيء، بما في ذلك المواد التي لا يطالها هذا الدولار الجمركي عبر التأثير غير المباشر...

لكن الدولار الجمركي هو أيضاً ضريبة غير مباشرة تطال الأغنياء والفقراء بنفس نسبة الإستهلاك...

هي مرة أخرى، هروب من وضع سياسة ضريبية عادلة تطال الأرباح الفاحشة في التجارة والمضاربات والمهن الخفية...

في مقابلة مع الدكتور شربل نحاس، كشف هذا الأخير كيف أنه طرح وضع ضريبة على تجارة العقارات على رئيس الحكومة آنذاك، نجيب ميقاتي، فرفض هذا الأخير لأنه اساسا يمثل طبقة السلطة الحاكمة التي تسيطر على كل شيء في البلد ومنها تجارة العقارات...

مشكلتنا في لبنان هي أن الشعب نائم ولا يعرف غير الولولة ومحاربة طواحين الهواء بدل زج اللصوص في السجون وتعليق المشانق...

لذلك، تمعن الطبقة الحاكمة بما تمثل، ومن تمثل؛ تمعن في النهب ثم إجبار الناس على دفع الأثمان عبر الإنهيار الذي كما الحروب، يزيد من ثروة تجار الدم ويزيد من فقر البسطاء خاصة عندما يغلب على معظمهم الغباء...

هل يمكن الخروج من هذا الإنهيار عبر هذا الدولار الجمركي؟

للخروج من الإنهيار يجب شد الأحزمة فعلاً والدخول في سياسة تقشف حادة...

لكن قبل ذلك يجب إقامة دولة ترعى هذا التقشف وتحرص على أن يكون فعالاً على الطبقات الميسورة قبل غيرها؛ كما يجب أن يدخل اللصوص إلى السجون قبل الطلب إلى الناس شد هذه الأحزمة...

هل يمكن فعل ذلك؟

كيف؟

بالتأكيد لا يمكن إقامة هذه الدولة القوية العادلة عبر الحديث مع اللصوص وإقناع طبقة النهب والأحزاب الممثلة لها بوجوب الكف عن الشر...

اساسا، معظم الأحزاب الموجودة اليوم ليست فقط مسؤولة عن النهب، وتحمي من يقوم به...

هناك أحزاب تسعى إلى الوصول إلى مزيد من الإنهيار بحكم عمالتها للخارج الذي يريد إخضاع لبنان للنظام العالمي القائم الآن والذي تسيطر عليه أميركا...

كل من يدعو إلى التطبيع؛

كل من يدعو إلى الانضمام إلى قافلة التابعين للمركز في واشنطن أو لندن أو غيرها من عواصم المال الصهيوني ليس بريئا من دم الصديق...

يقول المثل العامي عندنا، "ما بحك جلدك إلا ظفرك"...

حزب الله لن يصطدم بالحزب الفلاني أو غيره من أجل إقامة الدولة القوية العادلة طالما الناس راضية وساكتة عن الدفاع عن مصالحها...

الشيوعيون، بعد الياس عطا الله، يتحفوننا اليوم بظاهرة الياس جرادي الذي يريد حل القضية الطبقية مع اشرف ريفي، وياسين ياسين مع فؤاد المخزومي، ومارك ضو مع الكتائب والعمالة لأميركا...

حيتان البغاء السياسي في الحزب الشيوعي تفوقوا على حيتان المال بالنذالة...

اليسار على ندرة وجوده في لبنان، إما نائم مع اهل الكهف، أو عميل جديد للإمبريالية كما من سبق ذكر أسمائهم في الأعلى...

الاشتراكيون عملاء أصيلون لهذه الإمبريالية منذ الأممية الثانية...

لا يبقى إلا الشعب "المبسوط بالتعتير" وفقا لزياد الرحباني...

غدا سوف يُستخرج الغاز والنفط بفضل الله، وحزبه...

سوف يعيد التاريخ نفسه...

والتاريخ عندما يعيد نفسه، يفعل هذا بطريقة أكثر سخرية وتفاهة وبغاء...

تنهب طبقة السلطة ما سوف يخرج، وبالفتات يتم إسكات الناس وربما المودعين...

ثم يعفو الله عما مضى...

الفقراء لا حظ لهم في الدنيا...

هم موعودون بالآخرة...

هذا ليس قانون الأديان...

هذا قانون الغباء...

والغباء عليه جمرك... الدولار...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري