في مقال سابق حاولت لفت النظر الى خطورة ظاهرة التيارات السياسية التي تنتشر كالفطر السام في فلسطين، مثل مبادرة مصطفى البرغوثي ومسار خالد بركات. فما نراه هو منظمات غير حكومية، بمكاتب وموظفين برواتب بالدولار، ممولة من أذرع الحكومات الغربية لما يسمى منظمات المجتمع المدني، وبعض أدوات الدول العربية كقطر والإمارات، بواجهات أحزاب وحركات سياسية. خطورة هذه الظاهرة ليس في أنها فلسطينية خاصة أو أنها تحدث في فلسطين فقط، بل في أنها عالمية. فما يحدث في فلسطين هو صدى لحالة عالمية لإحباط المقاومة وحتى الاحتجاج البسيط من قبل القوى الرأسمالية وتفريغهما من معناهما الحقيقي. فمنذ انتشار السياسات النيوليبرالية في العالم تطور في الغرب ما يعرف بظاهرة خصخصة الاحتجاج.
خصخصة الاحتجاج ببساطة هي ظاهرة نيوليبرالية جديدة نسبيا، تقوم بمقتضاها النقابات العمالية في الغرب، حرفيا، باستئجار بعض العمال العاطلين عن العمل مقابل اجر ليقوموا بالاحتجاج امام الشركات والمصانع ويرفعوا اليافطات بالمطالب، نيابة عن العمال أنفسهم، فيما يستمر العمال بعملهم دون انقطاع. هؤلاء يطلق عليهم اسم الأقدام المستأجرة، لأنه يتم حرفيا استئجارهم للوقوف في طابور الاحتجاج. هكذا يتم توفير عمل لبعض العاطلين عن العمل، ويحصل الاحتجاج المفترض، وتظهر النقابات الليبرالية وكأنها تقوم بدورها التقليدي، وفي نفس الوقت يستمر العمل في الشركات والمصانع دون انقطاع، وكفى الله المؤمنين شر القتال. هكذا يتم تفريغ الاحتجاج من معناه السياسي والاقتصادي ويصبح مجرد طقوس وتقاليد بلا معنى وبلا روح.
ما حصل في التيارات السياسية الجديدة كالمبادرة والمسار هو تعميم نموذج الأقدام المستأجرة الى السياسة. فتم استئجار أقدام فلسطينية لتنفيذ احتجاجات على الطريقة الغربية لتفريغ فكرة المقاومة والنضال من معناهما وروحهما الوطنية – هل فهمتم الآن لماذا ترون مصطفى البرغوثي في كل مسيرة ومظاهرة، سواء كانت من صنع المبادرة ام لا؟ وهل فهمتم الآن لماذا يتركز كل نشاط ما يسمى المسار البديل على المسيرات والمظاهرات المرخصة في شوارع أوروبا فقط؟ ومن يسمع جماعة المسار ينسبون أنفسهم الى تراث وديع حداد سيعتقد ان لديهم جهازا كفاحيا عرمرميا. لكنهم مثل مصطفى باشا البرغوثي الذي لا يخجل حتى في تقييم أداء حزب الله العسكري (حزب الله مرة وحدة يا مصطفى؟)، يستمر جماعة المسار في المزايدة على من يقاتلون على الأرض فعليا من رفاق وديع حداد الحقيقيين. هل المقصود فعلا هو تشويه من يقاتل فعلا على يد من لا يريد أصلا أن يقاتل؟ هل هذا من شروط التمويل؟ قبل ان تزايد على من يموت على الأرض كل يوم، نتمنى منكم شيء آخر غير المسيرات المرخصة في شوارع أوروبا التي لا يترتب عليها أي ثمن؟ أيضا، رجاء اخجلوا قليلا وتواضعوا. أنتم خبراء مسيرات ومظاهرات ولستم خبراء عسكريون، فلا تتحدثوا في الشأن العسكري، ولا تقيموا أداء من يقاوم حقا.
ومثل خطاب قادة بعض النقابات الليبرالية التوجه في الغرب، فإن خطاب قادة التيارات السياسية الجديدة في فلسطين مزدوج. هناك خطاب بالانكليزي موجه للجمهور الغربي يتحدث عن محاسن اللاعنف واهمية العمل مع النشطاء اليهود، في تكرار لتجربة محمود عباس منذ السبعينات، وخطاب آخر بالعربي ثورجي كخطاب ثوار الناتو في سوريا (انظر فيديو مصطفى البرغوثي بالإنكليزية أدناه، يتحدث عن اللاعنف، فيما يتم تقديمه كناشط وفق المقاييس المرغوبة غربيا يعمل مع نشطاء يهود، وليس كزعيم بكوفية كما يدعي لنفسه بالعربي).
والناشط، أيها الناس، هو مصطلح جديد اريد له أن يكون بديل للمقاوم الحقيقي. الفرق أن المقاوم يدفع حياته ثمنا لحرية شعبه ووطنه عبر القتال الحقيقي في الميدان، فيما الناشط هو مجرد قدم مستأجرة رخيصة، وظيفتها المدفوعة الثمن هي نفي فعلي لدور المقاوم والحلول محله. لهذا يحصل التشويه الذي نراه. اللهم اني قد بلغت.
زياد سمرين



