في تطوّر خطير تصدّر واجهة الأحداث الداخليّة والخارجيّة، جاءت حادثة بلدة العاقبيّة الجنوبيّة الملتبسة ليل اوّل امس الأربعاء لتُثير علامات استفهام عديدة حيال المهمّة "الغامضة" التي ارادت قوّات اليونفيل تنفيذها إذ انّ مسار دوريّتها لم يكن ضمن منطقة عمليّاتها ومن دون التنسيق مع الجيش اللبناني، وسط معلومات متضاربة واكبت الحادثة وإحداها لفتت الى مصادرة اجهزة الكترونيّة من الآليّة التي تجمهر حولها عدد من اهالي البلدة.. هي ليست المرّة الأولى التي تحيد فيها مركبات اليونفيل عن مسارها المعتاد وتصبح بشكل مفاجئ داخل الأحياء الشعبيّة بمهمّات غير تقليديّة. فسبق ان فوجئ اهالي بلدة شقرا بدوريّة لتلك القوّات في احد احيائها النّائية وبحوزة عناصرها كاميرات وأجهزة مراقبة واتصالات وشوهدوا وهم يقومون بتصوير منازل محدّدة من دون اي مؤازرة للجيش اللبناني.. وللمصادفة، فإنّ عناصر الدّوريّة صرّحوا حينها- عند سؤال سكّان من البلدة للإستفسارعن طبيعة مهمّتهم، "انهم جنود ايرلنديّون يعملون تحت امرة الكتيبة الفرنسيّة"، والمستغرب انّ البلدة تخضع لإشراف الكتيبة النيباليّة!
ورغم انّ حادثة العاقبيّة ليست الأولى من نوعها مع قوات اليونفيل، الا انّ ما أثار الرّيبة حيالها هو توقيتها.. تزامنا مع التهديدات "الإسرائيليّة" المفاجئة لمطار بيروت بزعم تهريب اسلحة ايرانيّة عبره الى حزب الله، والتي أُلحقت سريعا بمناورة مفاجئة ايضا اعلن عنها الجيش "الإسرائيلي على الحدود مع لبنان!
سريعا بدأت التكهّنات عن الهدف "الإسرائيلي" خلف إثارة هذه الرّواية في هذا التوقيت، علما انّ تل ابيب تدرك جيدا مدى الخرق الاستخباري المعادي في لبنان، خصوصا في مرافقه الحيويّة وضمنا مطار بيروت حيث "العيون" الأميركية مزروعة في مفاصله-كشأن الكثير من مفاصل الدولة اللبنانية الحسّاسة.. فكيف يمكن ان يجازف حزب الله، والذي لديه خصوصيّة امنيّة دقيقة بتهريب اسلحة في المطار؟وهو المكتفي اصلا بالسلاح الجاهز لأيّ مواجهة مع "اسرائيل"، حتى "انّ هذا السلاح يفيض عن حاجة الحزب"- كما سبق وأعلن امينه العام السيّد حسن نصر الله على الملأ في احد خطاباته!
فلماذا اثارة هذه الرواية الان؟ علما انها ليست المرّة الاولى التي تصوّب فيها تل ابيب على مطار بيروت.. فسبق ان هدّد بنيامين نتنياهو زاعما (في 27 ايلول عام 2018)، انّ حزب الله يخزّن صواريخ قرب المطار، وعرض حينها- خلال خطابه امام الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، خريطة اشار فيها الى ما قال " إنها لثلاثة مخازن اسلحة تابعة للحزب تحتوي الف صاروخ.. مدّعيا انّ احداها محاذِ لمطار بيروت!..ولم يُغفل الاشارة الى موقع ساحلي استُنتج من خلالها انه يقصد مرفأ بيروت..
هو نتنياهو نفسه الذي شارك في الغارة الشّهيرة على مطار بيروت عام 1968يوم كان ضابطا في "الوحدة الخاصّة" – وفق ما اكّدت تقارير عبريّة، والتي اسفرت حينها الى نسف اكثر من 12 طائرة مدنيّة.. وهو نفسه من مارس ضغوطا على مسؤولين اميركيين لوضع عقوبات على مطار بيروت بحجّة انه يخضع لسيطرة حزب الله.. وليس مستغربا ان تُصوّب العين "الإسرائيلية" على هذا المرفق الحيويّ لإقصائه بعد "تصفية" مرفأ بيروت وإخراجه من الخدمة ليحتلّ مكانه ميناء حيفا..
فهل تخطّط "اسرائيل" خلف روايتها المستجدّة لحرب مع حزب الله حدّدت توقيتها؟ ام انّ تهديداتها الأخيرة ضدّ الحزب مجرّد تهويل ربطا بأزماتها الداخلية على جري العادة؟ وهل ترتبط المناورة المفاجئة التي اعلن عنها الجيش "الإسرائيلي" تحت اسم "الشتاء الساخن 2" على الحدود مع لبنان بخطّة الحرب المفترضة، والتي شارك فيها 8 الاف جندي وتمّ استدعاء 5 الاف اخرين من جنود الإحتياط، خصوصا انّ اطلاق المناورة جاء في غمرة التهديدات "الإسرائيلية" باستهداف مطار بيروت ردّا على مزاعم تهريب اسلحة ايرانيّة الى حزب الله!
المؤكّد انّ ايّ استهداف "اسرائيلي" لمطار بيروت دونه محاذير خطيرة، فتل ابيب تدرك جيدا تداعيات هكذا مغامرة والتي ستفتح الابواب على مصراعيها امام مواجهة مع "عدوّ" شرس تجهل مفاجآته، وتعرف تماما مدى قدراته التسليحيّة، وهي نفسها "اسرائيل" التي تُقرّ على ألسنة مسؤوليها وقادتها العسكريين بأنّ حزب الله بقدراته العسكريّة يوازي جيوشا نظاميّة..هذا في وقت تحذّر اروقتها الأمنيّة والاستخباريّة من عدم جهوزيّة الجبهة الداخليّة لحرب واسعة النطاق لن تظلّ محصورة بحزب الله، من دون اغفال الثّغرات العديدة وبعضها "قاتل" في هيكليّة الجيش "الإسرائيلي" وأذرعه البريّة التي لطالما أُهملت لصالح سلاح الجوّ- وفق ما أكد مرارا اللواء احتياط اسحاق بريك، والذي وجّه انتقادات قاسية للقيادة الإسرائيلية "التي وضعت كلّ بيضها في سلّة سلاح الجوّ حصرا" وفق تعبيره، قائلا "إنّ ما كانت تعوّل عليه اسرائيل بحروبها اصبح من من الماضي".. ليبقى الأهمّ..
هل تتحمّل "اسرائيل" فتح جبهتين في آن واحد؟ فالغليان المتأجّج والعمليّات المقاوِمة النّوعيّة في الضفّة الغربيّة باتت هاجسا يقلقها اكثر من ايّ وقت مضى، سيّما مع تلقّف دوائرها الأمنيّة والاستخباريّة مؤشّرات ضربات نوعيّة مرتقبة وغير مسبوقة- بحسب ما نُقل عن المحلّل العسكري "الإسرائيلي" يوني بن مناحيم، محذرا من انّ فصائل الضفّة الغربيّة باتت تمتلك "كنوزا " تسليحيّة مخيفة لن تكشف عنها سوى " في الوقت المناسب"!
الا انّ الحذر يبقى من عملاء "اسرائيل" في الداخل، فقد تكون اثارة مزاعم تهريب اسلحة ايرانية الى حزب الله، تمهيدا لافتعال "عمل امني ما" في مطار بيروت لإلصاقه بحزب الله، والنّفاذ من خلاله الى تصديق الرواية "الإسرائيلية" امام المجتمع الدولي، وبالتالي فرض "التدويل".. وليس صدفة ان تنادي بعض الجهات الداخليّة سياسيّة كانت او روحيّة معروفة بعدائها للمقاومة، بالتدويل، وتتماهى مع إحكام "وصاية دوليّة" "على مطار بيروت!
اما عمّن يسأل من خبراء ومحلّلين سياسيين وعسكريين " ماذا لو فعلتها "اسرائيل" رغم كلّ المحاذير ولجأت الى مغامرة خطيرة واستهدفت فعلا مطار بيروت"؟
فإنّ الجواب قد اتى قبل 12 عاما- في 16 شباط 2010 على لسان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله بشكل واضح لا يحتمل التأويل، حين توجّه الى من يعنيهم الأمر في الكيان وقوله" اذا ضربتم مطار رفيق الحريري الدولي، سنقصف مطار بن غوريون"..وقادة هذا الكيان وشرائح واسعة من مستوطنيه تقرّ بصدقيّة السيّد نصرالله لأنه اذا وعد فعل.. اما اذا ارتأى اصحاب الرؤوس الحامية هناك عكس ذلك، وتوهّموا انّ قصف المطار سيمرّ دون ردّ سوى من بيانات الشجب والاستنكار.. فإنّ لحزب الله.. رأيا آخر!
بحسب معطيات شخصيّة صحافيّة لبنانيّة مخضرمة، فإنّ قصف مطار بيروت قد يكون شرارة البدء بالحرب الموعودة لتحرير القدس التي تحدّث عنها السيّد نصرالله في احدى خطاباته، جازما انّ اوانها بات "قريبا جدا".. وإذ اكّدت انّ حزب الله تجهّز فعليّا لأي احتمال قد تقدم عليه "اسرائيل" حيال المطار حتى لو كان هذا الاحتمال في حدوده الدّنيا..المحت تلك الشخصيّة الى انّ ردّ الحزب –اذا ما تفاقمت الأمور وتدحرجت نحو مواجهة واسعة النطاق، لن يقتصر على قصف مطار بن غوريون، والدخول الى الجليل-"لأن هذا الأمر تجاوزه الحزب الى ما هو اخطر بكثير"-وفق اشارته.. بل بخرق خطير سيكون حتما خارج الحسابات والتوقعات "الإسرائيلية"!