بالنسبة لأولئك الذين يعانون من الأفكار الانتحارية ، فإن حالتهم الذهنية ليست هي العامل الوحيد المسؤول عن الوصول إلى هذه الحالة النفسية المزرية، فقد كشفت دراسة جديدة نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأمريكية عن وجود صلة جينية بالأفكار والسلوكيات الانتحارية، الأمر الذي يلقي بالضوء على مسارات جديدة لعلاج الأشخاص الذين يعانون من هذه المشكلة.
جينات مرتبطة بزيادة خطر الانتحار
حيث حدد باحثون من جامعة ديوك بقيادة كل من الدكتور ناثان كيمبريل و الدكتورة أليسون آشلي كوخ ، أربعة جينات مرتبطة بزيادة خطر الانتحار، والتي تمثلت في كل من الجينات التالية ( ESR1 و DRD2 و DCC و TRAF3).
الانتحار في أمريكا
يعد الانتحار ثاني أكبر سبب للوفاة بين لرجال دون سن الـ 45 سنة في الولايات المتحدة الأمريكية، والسبب الثاني عشر للوفاة بين الأمريكيين بشكل عام ،و ذلك وفقا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
الانتحار وجائحة كورونا
فعلى الرغم من أن معدلات الانتحار كانت تنخفض في السابق بشكل ملحوظ، إلا أن جائحة فيروس كورونا التاجي المستجد والمصاعب الاقتصادية والاضطرابات المدنية التي شهدها المواطنين الأمريكية خلال الآونة الأخيرة أثرت بشدة على حالتهم العقلية النفسية، لتعود معدلات الانتحار إلى الارتفاع من جديد بداية من عام 2021 الماضي.
دراسة الأسباب الوراثية للانتحار
لهذا، قام الباحثون بجامعة ديوك بالبحث عن أساس وراثي لهذه الإحصائيات ، حيث باشروا بفحص عينات الدم المأخوذة قاعدة بيانات تضم أكثر من 630 ألف شخص من قدامى المحاربين العسكريين الأمريكيين، وقد كان الملف الشخصي للمشاركين في الغالب من الرجال المنحدرين من أصل أوروبي بنسبة 71.4٪ ، يليهم الأمريكيون من أصل أفريقي بنسبة 19.1٪، بينما كان الأقل تمثيلا فيها هم أولئك الذين ينحدرون من أصول إسبانية وآسيوية بنسبة 8.1٪ و 1.3٪ على التوالي، في حين كانت النساء هن الأكثر ندرة بنسبة لم تتجاوز الـ 9%.
كما ورتب الباحثون عينات الدم للكشف عن الشفرة الجينية لكل فرد ومقارنتها مع غيرها ، ثم تمت المقارنة مع السجلات الطبية للمشاركين لتحديد ما إذا كانت تأتيهم أفكار انتحارية أو حاولوا الانتحار بالفعل في السابق، ليجدوا أن ما تزيد نسبته عن 20% منهم قد عانوا من هذه المشاكل بالفعل.
ماهي الجينات المسؤولة عن زيادة خطر الانتحار
فوفقا للباحثين بجامعة ديوك، هذه هي الأربعة جينات المسؤولة عن زيادة خطر الانتحار لدى البشر:
- ESR1 : جين مستقبل لهرمون الاستروجين، وقد كان يعرف في السابق بأنه مرتبط بتشخيص أمراض الصحة العقلية مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب.
- DRD2 : جين مستقبل لهرمون الدوبامين المعروف بكونه مرتبطا بمشاعر المتعة والسعادة ، إلا أن تمثيل هذا الجين لوحظ بشكل واسع النطاق عند تشخيص مرضى الفصام واضطرابات المزاج واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط وتعاطي المخدرات.
- DCC : هذا الجين يعد واحدا من أهم لبنات بناء الدماغ البشري، لكن عند وجود بمستويات عالية فإنه يدفع الناس إلى الإصابة ببعض اضطرابات الجهاز العصبي، الأمر الذي تم ملاحظته بشكل خاص لدى الأشخاص الذين يموتون جراء قيامهم بالانتحار.
-TRAF3 : جين مستقبل هام لتنشيط الاستجابة المناعية في الجسم، إلا أن الباحثين يعتقدون بأنه مرتبط بالسلوك المعادي للمجتمع وتعاطي
المخدرات واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه
دور الجينات في الانتحار
يقول الدكتور كيمبريل : " في حين أن هذه الجينات مسؤولة عن قدر ضئيل من المخاطر مقارنة بالعوامل الأخرى ، إلا أننا بحاجة إلى فهم أفضل لمثل هذه المسارات البيولوجية التي تشكل أساس خطر الانخراط في السلوك والتفكير الانتحاري".
الجدير بالذكر أن فريق الدكتور كيمبريل كانوا على يقين من ملاحظة أنه في حين أن هذه الجينات قد تزيد من مخاطر الأفكار والسلوك الانتحاري للفرد ، إلا أنها لا تحدد ما إذا كان الشخص قد يميل لأن يكون انتحاريا بشكل مسبق أيضا، حيث أضاف الدكتور كيمبريل قائلا:" كلما عرفنا أكثر ، كان بإمكاننا منع حالات الوفاة المأساوية هذه بشكل أفضل".