كتب الأستاذ حليم خاتون:
ماذا حدث في بكين؟
كيف انتهت الوساطة العراقية بين إيران والسعودية إلى بكين؟
وصل الغباء بأحد المعلقين السعوديين على قناة فرنسا ٢٤ العربية أن يصور الأمر وكأن السعودية أجبرت إيران على الاستسلام...
لا يلوم المشاهد مقدم البرنامج على القناة الفرنسية على نسبة الغباء عند المعلق السعودي...
هذا كل ما استطاع إيجاده في بلد دخل حروبا في اليمن وسوريا وتحرش بلبنان والعراق وخسر خلال بضعة سنوات أكثر من ٧٥٠ مليار دولار في محاربة طواحين الهواء ضد النفوذ الإيراني... بينما هو يقتل من أطفال العرب ويدمر من بيوت فقراء العرب بقدر ما فعلت اميركا في غزو العراق وليبيا وسوريا معا...
يستطيع محمد بن سلمان وتركي الشيخ الانتقال من الأجواء الوهابية المقيتة إلى رحاب الفن الهابط كما يشاء...
المال يستطيع شراء الكم الكثير من الناس...
لكن لن يجد المرء بين ليلة وضحاها بيتهوفن أو موتسارت يعزف في جدة أو الرياض...
يمكن شراء الناس... لكن شراء الثقافة مستحيل...
من أجل هذا يجب توجيه المليارات إلى الناحية الأخرى والبدء من الصفر لكي يخرج علينا بعد جيل أو جيلين معلق مثقف يقول كلمته من السعودية وليس من لندن ويبقى على قيد الحياة...
المليارات التي سوف ترمى في رؤية نيوم لمحمد بن سلمان لن تجعل الحمار يقرأ...
حتى المستقبل القريب لن تكون السعودية أكثر من كيس مال يدفع ٢٠٠ مليون دولار لشراء لاعب كرة قدم ولا يدفع أقل من هذا بكثير لاستقدام من يستطيع تغيير وجه البلد في عقدين أو ثلاثة عقود من السنين...
كل هذا لا ينفي أن الصين وروسيا قررتا أخذ المسائل من حيث وصل العراقيون والعمانيون في الوساطة بين السعودية وإيران...
هم بالتأكيد يريدون تحييد المال العربي في الصراع الدائر في العالم هذه الأيام...
الصينيون والروس يعرفون أن المال السعودي هو الذي يمول غزوات اميركا... لذلك أرادوا محاولة تحييد هذا المال... ربما عبر محاولة فتح آفاق أخرى أمام محمد بن سلمان...
هل ينجحون في ذلك؟
في نظام كما نظام بني سعود، يستطيع الأميركيون تغيير المعادلات بسهولة أكبر مما يتصور المرء...
صحيح أن الأميركيين مسرورون بالكثير من تفاهات بني سعود لكن على محمد بن سلمان أخذ العبرة مما حدث للملك فيصل بن عبد العزيز...
عليه الإقلال من التفاهات والتوجه فعلا نحو تنمية البلد وفق المنهج الشرقي بدل لعب دور كيس المال للدول الكبرى...
في إجابة واضحة للوزير السعودي بن فرحان حول تأثير اتفاقية بكين على الانتخابات الرئاسية في لبنان، قال الرجل أن هذه مهمة اللبنانيين أنفسهم...
كلمة ربما يجب أن تتوجه إلى سفير المملكة في بيروت الذي لا يتوانى عن اللعب على الوتر الطائفي لتعميق الهوة بين اللبنانيين...
لكن هذا لا يعني نفي المسؤولية عن كاهل كل القوى اللبنانية في كل ما يدور في لبنان هذه الأيام..
نظرة بسيطة إلى البنية الطبقية للثنائي الشيعي في مقابل الثنائي المسيحي تظهر بوضوح أن البنية الطبقية لجمهور حركة أمل والفكر الاقتصادي لنخبة هذه الحركة هو أقرب بكثير الى البنية الطبقية والفكر الاقتصادي لجماعة التيار العوني، منه إلى جماعة حزب الله...
نفس الأمر ينطبق في المقارنة بين البنية الطبقية والفكر الاقتصادي لنخبتي القوات اللبنانية وحزب الله...
من هنا، ورغم كل تاريخ العداء بين جماهير هذه الأطراف، ورغم الخيارات السيئة التي كانت تقرب بعض هؤلاء إلى العدو الوجودي للبنان، أي اسرائيل؛ ربما آن الأوان لإعادة صياغة الشعار القديم الجديد الذي رفعته المقاومة في بدايات انطلاقتها:
ليسوا أقوى من أميركا، ولسنا أضعف من فيتنام...
اليوم ربما يتوجب رفع شعار:
ليسوا أسوأ من السعودية،
ولسنا أكثر ثورية من إيران...
ربما آن الأوان لتخطي تفاهمات مار مخايل وإعادة طرح الدعوة إلى كلمة سواء...
الجميع متفق أن تركيبة النظام في لبنان قد استهلكت...
ربما يجب إعادة طرح مؤتمر داخلي لبناني للوصول إلى نظام جديد...
وإذا اضطر الأمر، اهلا وسهلاً بأي كان يستطيع رعاية طاولة حوار لإعادة صياغة هذا النظام...
يدور في الكواليس همس أن الوزير سليمان فرنجية بصدد وضع برنامج متكامل سوف يتعهد بتنفيذه خلال فترة رئاسته إذا ما تم انتخابه...
ربما على الوزير فرنجية طرح وجوب جلوس كل الأحزاب اللبنانية في مؤتمر عام يتكون أيضاً من رجال قانون ورجال اقتصاد وخبراء نقد لإعادة كتابة دستور هذا البلد خارج القيد الطائفي وفتح باب المشاركة الشعبية الواسعة في هذه الصياغة قبل طرح كل البنود على استفتاء شعبي ليتم تبنيه بقوة الصوت الشعبي وليس وفق تحايل وتحاصص يجري على أسس غير وطنية...
ربما آن الأوان لإنهاء تقسيم الأمر الواقع القائم الآن على أسس مناطقية وطائفية بغيضة في كل لبنان...
رغم كل ألم الماضي يجب البدء من مكان ما حتى لا نقع في الحيص بيص...
حليم خاتون