ماذا بعد استهداف موسكو؟ وهل عمليّة الأمس هي مؤشّر لاقتراب المواجهة المباشرة بين روسيا و"الناتو"؟ هل تستطيع قوّات كييف تنفيذ هكذا عمليّة مُتقنة باحتراف دون مؤازرة الحلف المعادي واجهزة استخباراته وأقماره الصناعية؟ كيف ستردّ موسكو؟.. اسئلة كثيرة مشروعة أحاطت بهجوم المسيّرات على موسكو صباح امس الثلاثاء، الا انّ الرسالة الواضحة والأخطر التي مرّرتها واشنطن بمعيّة "الناتو" على متن الهجوم صوب روسيا، تُختصَر ببضع كلمات: " نستطيع نقل المعركة الى عقر داركم"!
هي بلا شك نقلة خطيرة في مسار الصراع الدائر بالوكالة بين روسيا و"الناتو" برأس حربته الأميركية، وأتت على وقع "الأهداف الذهبية" التي تُسدّدها روسيا في شباك المرمى الأميركي-الأطلسي بخضمّ مرحلة "هجومية" مختلفة جذريا عن سابقتها منذ بدء عمليتها العسكرية في شباط العام الماضي، رغم الدعم التسليحي الهائل الذي تستمرّ واشنطن بتأمينه الى القوات الاوكرانية، وبات "يستنزف" مخازن السلاح في الولايات المتحدة في سبيل" كسر" روسيا..ولربما اصاب المستشار السابق للبنتاغون العقيد المتقاعد دوغلاس ماغريغور في قوله إنه" في حال اندلاع حرب عنيفة فإنّ الجيش الأميركي سوف يخسر كامل مخزونه من الصواريخ والمعدات العسكرية في غضون 7 ايام فقط، بسبب الدعم الكبير الذي قدمناه لأوكرانيا"!
رغم ذلك، استطاعت روسيا الصمود في وجه تكتّل معادي كبير تترأسه الولايات المتحدة بكل ترساناته التسليحية الجماعية، بل وباتت في تموضع "هجومي" بدأ يؤلم جدّيا "الذراع" الأميركي والغربي.. فالضربات الروسيّة لا تقتصر على تدمير مخازن الاسلحة والمعدّات الأميركية والغربيّة التي تسلّمتها كييف مؤخرا، وضمنا منصّات الاطلاق الخمس للنظام الدفاعي الاميركي "باتريوت" بصاروخ كينجال فرط الصّوتي،- وهو ما اسفرعن مصرع عسكريين اميركيين-وفق إقرار دوغلاس ماكغريغور.. بل تلاحق ايضا مقار تواجد كبار الضباط الأميركيين والغربيين كما حصل لحظة استهداف مقرّ اجتماع ضمّ عددا منهم الى جانب قادة عسكريين اوكرانيين في مقاطعة نيكولايف اواخر شهر نيسان الماضي، واسفر حينها عن مصرع حوالي 20 ضابطا معظمهم اميركيون وبريطانيون-وفق ما اكدت وكالة "نوفوستي"-نقلا عن تقارير روسيّة وغربية.
هذا قبل ان تنفّذ موسكو ضرباتها الأقسى يوم امس الثلاثاء، عبر هجومها- الثالث على كييف في غضون 24 ساعة، والذي وصفه قادة العاصمة الأوكرانية ب ب "الأضخم والاستثنائي" وتمّ بالطائرات المسيّرة والصواريخ من البر والبحر والجوّ وطال مراكز صنع القرار –وضمنا مقرّ الاستخبارات الاوكرانية-وهي تحوي ضباطا كبار في اجهزة الاستخبارات الاميركية والغربية-تحديدا البريطانية.. "مقتلة" جاءت بعد السيطرة الروسية على باخموت- رغم كل الدعم التسليحي واللوجستي والاستخباري الاميركي والاطلسي للقوات الاوكرانية في تلك المدينة الاستراتيجية على مدى شهور المعارك فيها.. حتى قائد القوات الاوكرانية فاليري زالوجني نفسه لم يسلم من الاستهداف بضربة روسيّة دقيقة.
وبناء على كل ذلك، بات على واشنطن و"الناتو" الانتقال الى "المربع الأخطر" في مواجهة روسيا، وحيث يبدو انها قد تتجاوز حدود "المنازلة" في اوكرانيا الى" الملعب " الروسي في سورية!
ويبدو انّ الأمر لا يقتصر على تحذير الاستخبارات الروسية امس الثلاثاء،" من انّ الولايات المتحدة تُعدّ لهجمات ارهابية على اماكن عامة مزدحمة ومؤسسات حكومية في سورية عبر جماعات ارهابية تُديرها من قاعدة التنف العسكرية".. بل يتعداه صوب احتمالية استهداف ضباط وعناصر ومقار للقوات الروسية –وفق ما نُقلت معلومات عن موقع "رسبونسبل ستيت كرافت" التابع لمعهد "كوينسي" الاميركي، وهو نفسه من كشف امس الثلاثاء " انّ اعضاء حلف "الناتو" يدرسون بشكل سرّي خطط الرّد على هجوم روسيا"!
يوم الخميس الماضي، تمّ استهداف قائد القوات الخاصّة الجوية الروسية في سورية اوليغ فيكتوروفيتش بتشفيستي بهجوم نفّذته "هيئة تحرير الشام" ادّى الى مصرعه..هي نفسها المعروفة سابقا ب "جبهة النّصرة" التي اسّسها تنظيم القاعدة، والتي يُجري متزعّمها المدعو ابو محمد الجولاني منذ 5 سنوات لقاءات مع مسؤولين استخباريين اميركيين وغربيين-تحديدا فرنسيين، بهدف "اعادة انتاج صورة جديدة" للجبهة الارهابية تندرج في اطار "معارضة سوريّة معتدلة". ويقرّ العديد من قادة هذه الجبهة بارتفاع مستوى التنسيق الامني مع الولايات المتحدة.. وبالتالي، قد لا يقتصر تمرير الاخيرة لإحداثيات تواجد وحركة الضباط الرّوس الى قادة الجبهة الارهابية حصرا على العقيد الروسي الذي تمّ استهدافه!
وعليه، يبدو واضحا انّ الولايات المتحدة-بمعية دُوَل "الناتو" "ذاهبة الى النهاية" في المواجهة المفتوحة مع روسيا، سيّما في التركيز على "العبث" بالداخل الروسي. وما رسالة الأمس التي عبرت على متن المسيّرات الثماني التي استهدفت موسكو سوى انها تقصّدت بثّ الرعب في قلوب المواطنين الرّوس لتأليبهم على قيادتهم، خصوصا وانّ انطلاق المسيّرات كان من مسافة قريبة للإيحاء بأنها نُفّذت من الداخل عبر جماعات روسيّة معارضة تماما كما حصل في مدينة بيلغورود الحدوديّة..ولطالما كشفت تقارير غربية عن هدف تجهد الولايات المتحدة لتحقيقه بقوة، ويتمثّل ب"إحداث انقلاب في روسيا، والإطاحة برئيسها"!.. الا انّ لروسيا-بوتين.. رأيا آخر!
ثمّة تسريبات صحافية روسيّة تحدّثت عن "ورقة خطيرة" لا زالت في جيب الرئيس الروسي وتمّ تحييدها الى الآن.. وألمحت الى "قرار كبير" لربما تمّ اتخاذه ونتج عن اجتماع ليلي استثنائي امس الثلاثاء عقب الهجوم على موسكو، وضمّ الرئيس بوتين وكبار قادته العسكريين.. التسريبات التي كشفت ايضا عن خطّط روسيّة قادمة في سورية قد يكون احداها إنجاز "مقايضة" مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، تتمحور حول اطلاق عملية عسكرية كبيرة في ادلب مقابل التعهّد بالقضاء على الكرد الإنفصاليين-ادوات الولايات المتحدة في شرق الفرات، لفتت الى تنسيق سوري-روسي-ايراني عالي المستوى حيال "تدعيم" المنظومات الصاروخية السورية "الجاري على قدم وساق"..
ولم تٌغفل التسريبات ترجيح "مرحلة ساخنة جدا" مرتقبة ستلفّ القواعد العسكرية الاميركية في سورية بالمدى المنظور.. وهو ما يتوقعه ايضا محلّلون وضباط استخباريون اميركيون سابقون ومواقع وصحف اميركية، كالمحلّل الأميركي آدم لامون-الخبير في شؤون الشرق الاوسط، والذي نبّه من "انّ الولايات المتحدة بحالة حرب في سورية وجنودنا هناك في خطر"، قبل ان يحذّر بدوره موقع "آنتي وور" الاميركي من "مرحلة قاسية مرتقبة على الجنود الأميركيين في سورية، قائلا "إنّ حمايتهم هي بإعادتهم سريعا الى الوطن"..
تسريبات واكبتها معلومات نُقلت عن موقع "ارمادني ماغازين " السويدي، ألمحت الى "مفاجآت مدوية قد تكون بانتظار واشنطن في سورية بخضمّ مرحلة اشتداد المواجهة مع روسيا في اوكرانيا"، مُرجّحة ان يتصدّر "حدث عسكري سوري كبير الواجهة في المدى المنظور"!