خضر رسلان
في قاموس الحياة السياسية اللبنانية مفردات يتمّ تداولها في العديد من المناسبات والاستحقاقات ويتمّ إسقاطها والخوض فيها حتى بات الحديث فيها وكأنها من المسلمات التي يُبنى عليها مواقف، فضلاً عن أنها تحوّلت الى مادة دسمة للكتّاب والصحافيين يعنونون فيها مقالاتهم وتحليلاتهم كحال الاتهام في السياسة حيث يتمّ تحميل جهة ما موبقات وجرائر وجرائم من دون دليل أو برهان مستندين على إنتاج حصري لبناني وهو الاتهام في السياسة، وهو أمر يمكن التجاوز فيه قياساً الى مفردة تمّ إدخالها إلى هذا القاموس منذ العام 2005 وفي استحقاقات لاحقة وصولاً الى هذه الأيام وهي مفردة العزل، ومقصود فيها التبجّح العلني لبعض السفهاء بأنهم يتجهون الى عزل مكوّن لبناني بقضّه وقضيضه، وهو ما يعكس أحد أمرين يمكن ان يوصف بهما أصحاب هذا الاتجاه:
1 ـ جهل مركب
وهو مزيج ينتج عن خلفية عنصرية حاقدة تعيش على اطلال التاريخ وهي لا تريد أن تصدق انّ الوقائع قد تبدّلت وزمن التفرّد والاستغباء والاستقواء والتهميش قد ولّى. ورغم انّ هذا الطرف الذي يقرّون هم بفائض قوّته جلّ ما يطلبه هو الشراكة الوطنية، إلا أنّ خلفيات العيش على أطلال استفرادهم في الحكم ومحاولة الهروب من حقيقة موازين القوى يدفع السفهاء منهم الى تكرار رفع شعارات واهية كهذه، وهذا ما يعكس بجهلهم المركب أزمة وطنية خطيرة جداً لأنها تجعل التغنّي الدائم بأنّ لبنان بلد التنوّع والعيش المشترك يحتاج بالحدّ الإدنى إلى إعادة نظر فيه.
2 ـ إيعاز خارجي
لا شك أنّ بعض القوى الإقليمية والدولية صاحبة النفوذ داخل لبنان والتي استطاعت المقاومة إفشال مشاريعها وحرمانها الاستفادة من عملية اغتيال الرئيس الحريري وأسقطت الأهداف التي كانت مرسومة في عدوان 2006 الى الدور الرائد للمقاومة في إسقاط المشاريع الأميركية في المنطقة لا سيما في سورية، هذه القوى لن تألوَ جهداً حين تسنح الفرصة في عزل بل اجتثاث المقاومة وبيئتها. ولذلك فإنّ التقاطع بين بعض قوى الخارج وأدواتهم المحليين يشجع بعض سفهاء الداخل على رفع شعار العزل إرضاء للمشغل الخارجي ولمكنوناتهم الفاقدة لأدنى شروط التعايش والشراكة الوطنية.
العزل بين الوهم والواقع
في قراءة لأحد السياسيين المخضرمين الذي عمل في الشأن العام منذ ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية والذي أرجع أسباب ما يرفع من شعارات بين فينة وأخرى يعود الى بنية النظام الهشة الذي تتحكم فيه فئات طائفية وسلطوية نفعية لها ارتباطاتها الخارجية، رأت في صعود فئات اجتماعية كانت مهمّشة خطراً على مصالحها وهيمنتها ولذلك لم ترَ هذه الأطراف حرجاً في المجاهرة بدعم الحركات التكفيرية بوجه شريكها في الوطن وكانت مغتاظة حينما استطاعت المقاومة إفشال العدوان في تموز 2006.
تابع هذا السياسي القول بأنه بلا شك فإنّ خطاباً كهذا يصدر عن أناس رأوا ما استطاعت إنجازه المقاومة من دحر الصهاينة عام 2000 الى إسقاط الأهداف «الإسرائيلية» عام 2006 إلى هزيمة المشروع التكفيري في المنطقة برمّتها ومنها سورية الى الدور الفعّال للمقاومة على المستوى الإقليمي وهذا الى جانب تواضعها الداخلي المستمرّ في الداخل والذي ترجم في حدّه الأدنى في الموافقة على قانون انتخابات لا يرتقي الى طموحاتها ولكنه يبدّد هواجس الشركاء ثم بعد ذلك يأتي من يتحدث عن عزل! والمقاومة لا تأبه لكلّ هذه الترّهات الدونكيشوتية ولسان حالها حال الشاعر حينما قال:
يخاطبني السفيه بكلّ قبح
فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلماً
كعود زاده الإحراق طيبا.