صراع الوجود: ضفة فلسطين أم يهودا والسامرة؟
مقالات
صراع الوجود: ضفة فلسطين أم يهودا والسامرة؟
خضر رسلان
4 أيلول 2024 , 21:28 م

كتب خضر رسلان

يهودا والسامرة مصطلح «إسرائيلي» رسمي يُستخدم للإشارة إلى الضفة الغربية، وهي منطقة إدارية بحسب التقسيم «الإسرائيلي»، تشمل كامل الضفة الغربية باستثناء القدس الشرقية. تأتي التسمية من الكتاب العبري حيث تزعم الرواية الدينية أنّ مملكة يهودا وقعت في الجنوب ومملكة السامرة في الشمال، وحالياً يقصد بيهودا كلّ المنطقة الممتدة جنوب القدس، بما في ذلك منطقة غوش عتصيون (في محافظة بيت لحم) وجبل الخليل (محافظة الخليل) بينما منطقة السامرة تشير إلى المنطقة الواقعة شمال القدس وخصوصاً (محافظة نابلس ورام الله).

في حزيران 2012، رفعت «لجنة ليفي» تقريرها إلى رئيس وزراء العدو «الإسرائيلي»، بنيامين نتنياهو، عن البؤر الاستيطانية في الأراضي المحتلة عام 1967، وذلك بعد أربعة أشهر من تعيينها (في شباط 2012)، بقرار من نتنياهو نفسه على خلفية المداولات التي كانت تجريها المحكمة العليا «الإسرائيلية» آنذاك حول «البناء في منطقة يهودا والسامرة» (الضفة الغربية)

وضعت اللجنة «خلاصات واستنتاجات»، استهلتها بما أسمته «الاستنتاج الأساس» الذي صاغته بالكلمات التالية: «من منظور القانون الدولي، فإنّ أحكام وقوانين «الاحتلال»، كما تتجسّد في المواثيق والمعاهدات الدولية ذات العلاقة، لا تسري على الظروف والشروط التاريخية والقضائية الفريدة من نوعها الخاصة بالتواجد «الإسرائيلي» في يهودا والسامرة، والمستمر منذ عشرات السنين. كما أنّ نصوص معاهدة جنيف الرابعة بشأن نقل السكان لا تسري، هي الأخرى، على استيطان مثل الاستيطان «الإسرائيلي» في يهودا والسامرة. وعلى ضوء ذلك، وطبقاً للقانون الدولي، فإنّ لـ «الإسرائيليين» حقاً قانونياً في الاستيطان في يهودا والسامرة. وعليه، فإنّ إنشاء المستوطنات، في حدّ ذاته، لا تشوبه أية شائبة قانونية»!

ينبغي أن يكون واضحاً أنه بمستطاع جميع المستوطنات، توسيع حدودها لتلبية احتياجاتها، دونما حاجة إلى قرار إضافي من جانب الحكومة…

ومن بين التوصيات الأخرى، تدعو اللجنة إلى «وضع تشريع أمني يؤكد حق أيّ «إسرائيلي» في امتلاك أرض في يهودا والسامرة، حتى ولو بصورة فردية شخصية، وليس فقط بواسطة جمعية (منظمة) تمّ تسجيلها في المنطقة». كما تدعو، أيضاً، إلى إصدار التعليمات اللازمة للإدارة المدنية بحيث توضح لها عدم وجود أيّ مانع يحول دون المصادقة على أعمال بناء إضافية في نطاق المستوطنات التي أقيمت على أراض تمّ الاستيلاء عليها بأوامر عسكرية». مع تأكيد «حقّ اليهود في كامل أرض إسرائيل»، و»حق اليهود في الاستيطان في أية بقعة في الضفة الغربية، بما يتضمّن نفي أيّ «اتهام» يوجه إلى أيّ تواجد استيطاني (سواء كان «حياً جديداً» أو «مستوطنة جديدة») بأنه «غير قانوني»، بل انه حق تاريخي علماً انه على النقيض من هذه الادّعاءات فإنّ الوثائق التاريخية تؤكد أنّ ما يسمّى مملكةُ «إسرائيل» الموحَّدة التي جاء ذكرُهَا في التَّوراة كمملكةٍ لجميع أسباط بني «إسرائيل» الاثني عشر فقد خضعتا للحُكم الأجنبيِّ الآشوريِّ، ثمَّ البابليِّ والمصريِّ، ثمَّ وقعت يهودا تحت حُكم الرومان في القرن الأوَّل قبل الميلاد.. فعلى أيِّ أساسٍ يَعتبرُ قادةِ الكيان الصهيوني، أنَّ ما حوته تلك المملكةُ من أراضي الضفَّة الغربيَّة التي يُطلقُونَ عليها (يهودا والسَّامرة) هي أراضٍ مقدَّسةٌ لـ «دولة إسرائيل الحاليَّة» التي لا تنتسب إلى بني «إسرائيل» أنثروبولوجيا؟

رغم أنّ القرار رقم 181 الذي قسّم فلسطين عنوة عبر الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة والذي صدر بتاريخ 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، تبنّى خطة تقسيم فلسطين وإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيها إلى 3 كيانات جديدة، كالتالي:

1 ـ دولة عربية: تبلغ مساحتها حوالي 4,300 ميل مربع (11,000 كـم2) ما يمثل 42.3% من فلسطين وتقع على الجليل الغربي، ومدينة عكا، والضفة الغربية، والساحل الجنوبي الممتدّ من شمال مدينة أسدود وجنوباً حتى رفح، مع جزء من الصحراء على طول الشريط الحدودي مع مصر.

2 ـ دولة يهودية: تبلغ مساحتها حوالي 5,700 ميل مربع (15,000 كـم2) ما يمثل 57.7% من فلسطين وتقع على السهل الساحلي من حيفا وحتى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا وإصبع الجليل، والنقب بما في ذلك أم الرشراش أو ما يعرف بإيلات حالياً.

3 ـ القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة، تحت وصاية دولية.

ورغم مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية للسلام عام 2002 في القمة العربية في بيروت، والتي هدفت الى إنشاء دولة فلسطينية بحسب قرارات الأمم المتحدة على حدود 1967 وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع «إسرائيل»، إلا انّ الكيان الصهيوني وبدعم مطلق أميركي ضرب بكلّ ذلك عرض الحائط ثم أطلق عليها رصاصة الرحمة عبر إجماع الكنيست «الإسرائيلي» حين صوّت الشهر الماضي بالأغلبية، على مشروع قرار يرفض إقامة أيّ دولة فلسطينية، باعتبار أنّ مثل هذه الدولة ستشكل «خطراً وجودياً على دولة إسرائيل ومواطنيها»، بحسب نص القرار.

انّ الحديث عن الخطر الوجودي والعودة الى رفع شعارات يهودا والسامرة والتلمود والادّعاءات التاريخية المزعومة الذي بات حديث القادة الصهاينة بعد نجاح المقاومين في إجهاض وتحطيم الغلوّ «الإسرائيلي» بداية حينما أسقطوا أحلامه التوسعية واضطروه على التقوقع خلف جدر تاركاً خلفه شعار حدود «دولة إسرائيل الكبرى» من الفرات الى النيل، وأعقب ذلك سقوط نظرية «إسرائيل العظمى» حينما استطاعت المقاومة في لبنان ردعه إبان حرب تموز ـ آب 2006 فارضة عليه قواعد اشتباك بقيَت فارضة نفسها حتى بزوع فجر يوم السبت 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، هذا اليوم الذي أرّخه الصهاينة بداية الصراع الوجودي الذي يطال المشروع الصهيوني الاستيطاني برمّته، وذلك بعد تعرّض الكيان الغاصب لأكبر عملية إذلال متعدّدة الاتجاهات أصابت الجيش الذي بانت هشاشته ، وانكشفت هزالة استخباراته، ومستوطنيه المرعوبين أصلاً الذين فقدوا الثقة كلياً بجيشهم وقدرته على الحماية فأصبح الكيان برمّته ينشد الحماية، وهذا ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية التي أرسلت قواتها وحاملات طائراتها في محاولة لإعادة التوازن والثقة في معنويات الكيان وجيشه المنهارة.

رغم حرب الإبادة التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزة ورفح ورغم الغطاء الأميركي والغربي الذي يشرّع احتلاله وجرائمه فإنّ نتنياهو كما كلّ أركان قادة الكيان الغاصب المتوجّسين من خراب ثالث يخوضون حرب وجود مع كلّ الوجود الفلسطيني سواء منه البشر او الحجر او حتى الشجر وبناء على توصيات صدرت عن العديد من المؤثرين في الكيان الإسرائيلي فإنّ الحلّ الوحيد لوقف المسار الانحداري الذي أصاب الكيان بدءاً من سقوط شعاري «إسرائيل الكبرى والعظمى»، مروراً الى التزامها بقواعد اشتباك رادعة، وصولاً الى حاجتها الى الحماية الأميركية وعجزها عن حماية مستوطنيها لا سيما في الشمال وخشية سقوط الهيكل على الكيان ومستوطنيه لا بدّ من خوض حرب إبادة وتهجير للشعب الفلسطيني برمته وإعادة احياء مفردات يهودا والسامرة والحق اليهودي المزعوم فيها.

انها حرب وجود بين فلسطين الدولة والشعب والتاريخ والكرامة والمقدسات وبين غزاة صهاينة مجرمين مفسدين في الأرض وستستمر هذه الحرب لا هوادة فيها، وفيها سوف يميّز الحق من الباطل ومن يقف سواء من قوى أو شعوب أو شخصيات وجمعيات مع جبهة الحق والمساندة ومن يقف في الجهة المقابلة لها وسنة الكون تؤكد انّ الحق هو الذي سينتصر مهما طال الزمن وغلت التضحيات.

بضفتها ورجالها وعزمها سترسم مستقبلاً لن يكون ليهودا والسامرة فيه أيّ وجود في صراع تمّ توصيفه بحقّ بأنّه حرب وجود…

المصدر: موقع إإضاءات الإخباري