راسم عبيدات
هناك حالة غير مسبوقة من التماهي ما بين اليمين الديني التلمودي التوراتي الصهيوني المتطرف وما بين اليمين الإنجليكاني المسياحي الأمريكي المتطرف ،وهذا عكس نفسه في التبني الأمريكي للسياسات والمواقف الإسرائيلية،وفي الدعم اللامحدود للحكومة الإسرائيلية الحالية،ليس فقط عسكرياً ومالياً والحماية القانونية والسياسية لها في المؤسسات الدولية،بل وفرض عقوبات شخصية ومالية على المؤسسات التي انحازت للقانون الدولي والدولي الإنساني،ورفضت سياسة ازدواجية المعايير والإنتقائية في تطبيقها،أو وصفها للجرائم التي ارتكبتها " اسرائيل" في عدوانها الوحشي على قطاع غزة،وكذلك توظيفها للتجويع والحصار في العدوان على أنها جرائم حرب وإبادة.
ترامب الذي يطلق التصريحات يميناً وشمالاً ،ويغيرها كما يغير ملابسه،قال ويقول أنه ضد عملية ضم الضفة الغربية وتهويدها،ولكن ما نراه من أدلة وشواهد ووقائع على الأرض يثبت بأن ترامب وإدارته،منخرطون في دعم ومساندة القرارات والسياسات الإسرائيلية الهادفة الى ضم وتهويد الضفة الغربية،واغراقها بالمستوطنات والمستوطنين،ومنع نشوء أي كيانية فلسطينية تقود الى حل سياسي قائم على حل الدولتين.
أننا شعب فلسطين نشعر بأن ترامب وإدارته،أكثر صهيونية ويمينية من حكومة الإحتلال،حتى في جناحها الأكثر تطرفاً( بن غفير وسموتريتش).
وشواهدنا وأدلتنا على ذلك ،ما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية على الغاء الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي السابق بايدن بفرض بعض العقوبات الشكلانية على عدد من المستوطنين والكيانات الإستيطانية،التي تمارس عنفها وإرهابها بحق الشعب الفلسطيني على طول وعرض الضفة الغربية، الأمر الذي شجع على انتشار عنف وجرائم المستوطنين على نطاق أوسع.
الإدارة الأمريكية الحالية،ليس فقط متواطئة مع حكومة اسرائيل،وتغض الطرف عن سلوكها وأفعالها غير المشروعة،بل منخرطة ومشاركة في ممارسات وسياسات تجري احداثها على الارض تارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان حزيران 1967 وتارة أخرى في الولايات المتحدة الأميركية ذاتها.
ونحن هنا لا نكيل التهم جزافاً،بل هناك الكثير من القرائن والأدلة والبراهين على صحة ما نقول، فالسفير الأمريكي المتصهين في تل ابيب،مايك هاكابي،منذ توليه لمنصبه،لم يكف عن اظهار نفسه بأنه ليس من المحافظين الجدد،بل صهيوني أكثر من الصهاينة أنفسهم،فهو من مستوطنة ارئيل التي زارها،قال بأن الضفة الغربية هي ما يعرف بأرض الميعاد،ومن حق اسرائيل ضمها وتهويدها،وعندما أقرت حكومة الإحتلال بناء 19 مستوطنة جديدة بالضفة الغربية زعم هاكابي بأن ذلك "لا يُعد انتهاكاً للقانون فهي في المنطقة "ج"، وقال هاكابي في تدوينة له على منصة "إكس": "لا داعي لأي رد فعل تجاه سماح إسرائيل بإنشاء 19 مستوطنة ، هذا ليس ضماً ولا إعلان سيادة . لقد أصدروا 35 ترخيصاً منذ تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه في 20 كانون الثاني من هذا العام ، جميعها في المنطقة (ج) - لا يوجد أي منها في مناطق السلطة وهذا لا يُعد انتهاكاً للقانون .
وكذلك عبر عن موقف شبيه رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون،حيث قال بأن اسرائيل ستبني تلك المستوطنات في "أرض يهودا والسامرة،"وليس في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.
ومن تلك الشواهد والأدلة،الزيارة التي قام بها وفد ضمّ نحو ألف "قس إنجيلي أميركي" لموقع أثري على تلة محاذية لمستوطنة " شيلو " في فعالية حملت رسائل سياسية ودعمًا مباشرًا لمطالب المستوطنين بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
وخلال التجمع الرئيسي في الموقع، خاطب القسّ مايك إيفنز المشاركين داعيًا إياهم إلى إظهار دعم قوي أمام الكاميرات ، وقال : "رئيس الحكومة ينيامين نتنياهو طلب صورة، ونحن سنمنحه الصورة التي يريد " ، ولوّح بكتاب التوراة مخاطبًا نائب الرئيس فانس: "هذه ليست سياستك ولا سياستي، هذه كلمة الرب؛ الضفة هي أرض الكتاب المقدس، فلا تضغط على إسرائيل لتقديمها لأعداء اليهود".
وللدلالة على الإنخراط الأمريكي في دعم الإستيطان والضم والتهويد للضفة الغربية قيام المستوطنين بالترويج لمشاريع قوانين في 20 ولاية أمريكية تنص على استخدام مصطلح "يهودا والسامرة" بدلاً من الضفة الغربية في وثائق الولايات.
وبالفعل فقد سن هذا القانون في ولاية واحدة، وهي أركنساس ويجري العمل على التشريع في ولايات أريزونا، وأوكلاهوما، وكانساس، ومونتانا، وكارولينا الجنوبية، ولويزيانا، وميسوري، وفلوريدا، وغيرها.
ومن المتوقع طرح مشاريع القوانين مع مطلع العام المقبل . يأتي ذلك بعد أن أوضح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو معارضته ضم الضفة الغربية وقطاع غزة . ومعروف ان الليكودي يوسي داغان ، رئيس مجلس الاستيطان في شمال الضفة الغربية يقود منذ أشهر تحركًا لانتزاع اعتراف أمريكي بـ"يهودا والسامرة" ، ودفع قوانين تُقرّ بذلك خلال عام .
وتكثيف الإستيطان و"الإغراق" بالمستوطنات والمستوطنين،لا يقتصر على الضفة الغربية،بل نشهد هجمة استيطانية واسعة على مدينة القدس ،حيث ناقشت ما تسمى باللجنة اللوائية للتخطيط والبناء الإسرائيلية هذه الأيام الدفع بالمخطط رقم 101-0764936 لإقامة مستوطنة جديدة على أراضي مطار القدس الدولي شمال القدس المحتلة. والمصادقة على المبادئ الأساسية للمخطط الاستيطاني، بما في ذلك تخصيص مساحات تجارية وعامة.
وهذا المخطط يشكّل تصعيداً خطيراً لسياسة الاستيطان، ويستهدف بشكل مباشر فصل شمال القدس عن امتدادها الفلسطيني وضرب التواصل الجغرافي والديمغرافي الفلسطيني بين القدس ورام الله، وفرض وقائع استيطانية جديدة تقوض أي أفق سياسي قائم على حل الدولتين . ويشتمل المخطط بناء نحو 9,000 وحدة استيطانية في قلب فضاء حضري فلسطيني كثيف، يضم كفر عقب وقلنديا والرام وبيت حنينا وبير نبالا، ما يشكّل تهديداً مباشراً للحيّز الحضري الفلسطيني المتكامل شمال القدس، ويعمّق سياسة الفصل والعزل المفروضة على المدينة ومحيطها.
وفي القدس كذلك وافقت لجنة المالية في الكنيست الاسرائيلي في الثامن من الشهر الجاري على تحويل ميزانية لبناء مراكز شرطة ، وتخصيص مبلغ إضافي قدره 8 ملايين شيكل لمركز شرطة عوز على أطراف حي جبل المكبر الفلسطيني في القدس الشرقية وسط منازل الفلسطينيين في الحي ، حيث أنشأ إسرائيليون عام 2004 مستوطنة نوف تسيون، زاعمين أنهم اشتروا مساحة كبيرة من الأرض في المنطقة ، بناء هذه المستوطنة كما هو معروف جاء على مراحل : في المرحلة الأولى، تم بناء نوف تسيون بنحو 90 وحدة سكنية وفي المرحلة الثانية،تم إضافة مئات الوحدات السكنية، التي وصلت الآن إلى مراحل متقدمة من البناء ، فيما تتضمن المرحلة الثالثة، التي خططت لها شركة كيلاس للاستثمار، إنشاء 140 وحدة سكنية و550 غرفة فندقية على الأرض التي يقع عليها مركز الشرطة الحالي .
في النهاية أقول بأن امريكا تبيعنا الوهم والشعارات الفارغة،وهي تقول أنها ضد عملية ضم وتهويد الضفة الغربية،ولكنها في الواقع منخرطة الى جانب حكومة الإحتلال في الشرعنة السياسية للإستيطان ، والتغاضي عن الجرائم والإعمال الإرهابية التي يقوم بها المستوطنين بحق شعبنا على طول وعرض الضفة الغربية.
فلسطين – القدس المحتلة
22/12/2025