كنّا صغارًا حين تذوّقت ألسنتنا للمرة الأولى إسم "فلسطينَ"، بكلّ عروبته وطلاقته، مدركين أنّ لبلادنا العربيةِ قضيّة مقدّسة، بوصلتها بلاد لم تبدّل وجهها بالرغم من قيد الاحتلال وهمجيّته، وردّدنا معّا في مدارسنا حبّنا للعرب لأننا منهم، إلى أن سمعنا للمرة الأولى "عربيًّا يبيع فلسطين!"، فتساءلنا، كيف يبيع المرء عُروبته؟ وكيف يدافع عنّا وجه أجنبيّ غريب ويبيعنا وجهنا العربيّ؟.
"طوفان الأقصى" لم يكن معركة قلبت وجه المحتلّ فحسب، وعلمته كيف تصبح الدّبابات هدفًا لكلّ "صفر" يعطيه المقاومون قيمة، بل كانت المعركة سبيلًا لكشف أقنعة "العروبة" الزائفة عن أوجه المستعربين... كان "الطوفان" سيلًاً أخذ معه كلّ عربيّ باع نفسه، حين اعترف بأحقية بيع فلسطين بحلّ زائف موهوم "لدولتين".
صارت العروبة في أربعين يومًا، شيئًا "يُستحى" منه، ثمّ جاءت عروبتنا الحقّة وقلبت الأوجه، جاءت اليمن وجاءت سورية، جاء العراق وجاء لبنان، ثمّ صرخنا بأنّنا من أجل القدس وبغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، نحنُ عرب!
ففي الجانب الغربيّ، وبالرّغم من "صهينة" الحكومات، شهدت الولايات المتّحدة الأميركيّة تحرّكات شعبيّة منعت باخرةً محمّلةً بالسلاح ومتجهة إلى الكيان الصهيوني، من التحرك بميناء بوسطن. وطالب المتظاهرون بوقف الدعم العسكري الأميركي إلى الاحتلال "الإسرائيليّ" وبوقف إطلاق النار، معلّقين على المسؤولين في إدارة "جو بايدن" بأنهم شركاء في سفك دماء الأطفال الفلسطينيين.
وأغلق عشرات المتظاهرين مداخل مصنع للقطع العسكرية في جنوب شرق بريطانيا، يوم الجمعة، مطالبين بإنهاء مبيعات الأسلحة للكيان "الاسرائيلي"، كما ورفع نحو 50 شخصًا لافتة كتب عليها "أوقفوا تسليح إسرائيل"، ملوّحين بالأعلام الفلسطينية أمام أحد مداخل المصنع. وقالت الشركة في بيان، أنّها لا تصدر أي معدات إلى "إسرائيل" بشكل مباشر، لكن الأجزاء تستخدم في صناعة الطائرات المقاتلة من طراز إف-35 أميركية الصنع، والتي تستخدمها "إسرائيل"، من هنا، فقد أوضحت التحركات الشعبية للشركة أنّ دعمها لطائرات الولايات المتحدة الأميركية يعني دعمها المباشر للكيان...
كما وأغلق متظاهرون مؤيدون للشعب الفلسطينيّ الشارع الذي يتواجد فيه مكتب عضو الكونغرس الأميركي "جون فيترمان" في العاصمة الأميركية "واشنطن"، وذلك لمطالبته بوقف حرب الإبادة التي تشنها قوات العدو الصهيوني ضد غزة. وأغلق آخرون محطة القطارات في نيويورك رفضًا للقصف الهمجي "الإسرائيليّ" على القطاع.
الأمثلة كثيرة وغير منتهية، لكنّ "الأقرب أولى بالمعروف"، فأين إغلاقاتنا "كعرب"؟ أين مشاهد السفارات الأميركية و"الاسرائيلية| وهي تحترق فوق أراضي بلادنا العربية الحرة "غير المستعمرة"؟ أين احتفالنا باستقلالنا عن كلّ أوجه الامبريالية والصهيونية المستعمِرة؟ ربما لا نملك جوابًا، فجميعنا يطالب "جميعَنا"، نحن العرب نطالب "العرب"، نحن الذين تقصفنا كل يوم "الصّهيونيّة" بأسلحة حربها النّاعمة، والدّماءُ والأشلاءُ واضحةٌ لمن أراد أن يبصر، نحن الذين يحاولون اقتلاع جذورنا من أراضينا، نطالبُ أنفسنا، لأنّ الدّماء الآن باتت أوضح من أيّ وقت مضى، واضحةً كوضوح "الحق".