يصادف اليوم الأربعاء، التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني، الذي يأتي تأكيدا للتضامن مع معاناته ، اذ تحيي الأمم المتحدة فاعليته كل عام تزامناً مع اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة قرار التقسيم رقم ١٨١ ، ويحل هذا العام في توقيت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية تحولات جذرية وتاريخية ، بعودة القضية الفلسطينية للحياة من جديد ، بتصدرها اهتمامات العالم في ظل العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة والضفة الغربية ، ومازالت أنظار العالم تترقب الوضع وعمليات تبادل الأسرى بعد سريان هدنة إنسانية بعد أكثر من ٤٥ يوما من العدوان الإسرائيلي الغاشم على القطاع.
الاحتفال باليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى يتواكب هذا العام مع محنة يعيشها الفلسطينيون بسبب هذه الحرب الوحشية ضد قطاع غزة ، والتي دمرت القطاع وهجرت المواطنين من بيوتهم ، وشردت الأطفال وأودت بحياة الآلاف من الأبرياء ، لكن ملاحم البطولة والصمود لأبناء الشعب العربي الفلسطيني في غزة ، وكذلك بسالة المقاومة الفلسطينية وصمودها الملحمي في ميادين المواجهة، أعادا الزخم للقضية الفلسطينية، التي كادت ان تكون نسيا منسيّا بعدما اثخنتها مشاريع التسويات ، وان من يقرأ جيداً مشهد مسيرات الغضب والتضامن والتأييد لغزة وفلسطين من قبل الشعوب الحرة ، سيعي حقيقة ان غزة وابناءها يرسمون بدمهم خارطة عالم حر جديد، وبداية نهاية هذا الكيان الغاصب.
تاتي هذه الذكرى اليوم ، وما تزال معاناة الفلسطينيين في الداخل والشتات قائمة وعلى مدى ٧٦ عاماً ، ومنذ إعلان إنشاء دولة إسرائيل في ١٦ مايو ١٩٤٨ ، استنادًا إلى ذلك القرار الذي قسم فلسطين تحت الانتداب البريطاني إلى دولتين، في حين تم إقامة دولة واحدة إسرائيلية انتهكت أحكام القرار بتوسعها في الأراضي التي خصصها نفس القرار للشعب الفلسطيني ، إضافة للقدس وبيت لحم اللتين كان يلزم خضوعهما لإدارة دولية وفقًا لقرار التقسيم ، كما ضربت إسرائيل بعرض الحائط جميع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والتي تخص فلسطين والشرق الأوسط.
اليوم، وبعد كل هذه الحروب والاعتداءات العديدة التي ارتكبتها إسرائيل ، يلزم التذكير بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بإنشاء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية ، وضرورة انضمامها مثل غيرها كدولة كاملة العضوية للأمم المتحدة ، فالشعوب في كثير من بلدان العالم وخاصة الدول الغربية أدركت عقب "الحرب اللاإنسانية" التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ، أهمية التضامن مع الشعب الفلسطيني المقهور ، والذي يعاني كل أشكال التعذيب والترهيب والانتهاكات الصارخة بشكل متواصل ، ويخضع للعقاب الجماعي وللتهجير القسري وجرائم الحرب.
في هذه الذكرى، وبالرغم من مرور تلك العقود الطويلة ، لاتزال القضية الفلسطينية حية نابضة وتكتسب مزيدا من التضامن العالمي يوما بعد يوم، حتى ينتصر الحق ، اذ ان من واجبنا العمل على رفع مستوى الوعي العالمي بالقضية من خلال التأكيد على أن سياسة اسرائيل حيال الشعب الفلسطيني هي السبب الحقيقي للصراع، وهي العقبة الأساسية التي تمنع الوصول لحل دائم للقضية الفلسطينية ، ضياع فرص السلام على مدار عقود طويلة ورفض إسرائيل تنفيذ قرارت الشرعية الدولية ، والضرورة الملحة لكي تتجه دول العالم الكبرى وذات التأثير والتي طالما نادت بالحق والعدل واحترام حقوق الإنسان إلى إثبات مصداقيتها ، ذلك بتطبيق قرارت الأمم المتحدة والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.
في ذكرى قرار تقسيم فلسطين ، ندعو دول العالم الحر إلى ضرورة التخلي عن سلبيتها تجاه حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، مع ضرورة عدم السماح لإسرائيل بانتهاك أحكام القانونين الدولي الإنساني والنظام الأساسي للمحكمة الدولية عبر اغتصاب الأراضي واستباحة دماء شعب فلسطين ، حتى لا تفقد شعوب العالم الثقة في النظام الدولي الذي يضمن الاستقرار والعدل للجميع ، فعدم حل القضية الفلسطينية سيفتح الباب لجولات أخرى من العنف بالشرق الأوسط ، وهو ما لاتريده بالتأكيد كل شعوب وحكومات العالم.
في هذه الذكرى ، نتطلع اليوم الى صحوة الضمير الإنساني والأخلاقي ، وقيام تلك الجماهير التي خرجت إلى ميادين العالم لتعبر عن غضبها من جرائم إسرائيل ، وتقاعس المجتمع الدولي عن حماية المدنيين والأطفال داخل قطاع غزة ، ذلك بتشجيع حكومتها على الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ، وإجبار دولة الاحتلال على وقف الحرب والامتثال للشرعية الدولية وقرارت الأمم المتحدة ذات الصلة من أجل تحقيق السلام العادل المنشود ، فالتوقيت أصبح مناسبًا لتضافر الجهود الدولية ، والدفع باتجاه الاعتراف المباشر بالدولة الفلسطينية المستقلة ، وحق الفلسطينيين في أرضهم ، في ضوء تضامن وتعاطف شعوب العالم وشعور الكثير من الحكومات بالغضب الشديد من مشاهد مذابح الأطفال التي وثقتها مختلف الكاميرات في ظل التطور التكنولوجي لوسائل الاتصال.
تحية لشعوب العالم التي تتظاهر اليوم رفضا للإحتلال ونصرة لشعب غزة ولفلسطين، والتحية الأكبر للشعب الفلسطيني ولمقاومته البطلة .
والله ولي الصابرين.