ضربة القرن
مقالات
ضربة القرن
نمر حسين الكسابره
11 كانون الثاني 2024 , 14:23 م
السابع من اكتوبر تاريخ فاصل في عملية التحرر الفلسطيني من الاحتلال الكولونيلي الامبريالي الغربي الصهيوني حيث قامت فصائل المقاومة الفلسطينية بتحطيم اسطورة الجيش الذي اذاق الجيوش العربية الهزائم المتتالية واكتسب اسم الجيش الذي لا يقهر فتقهقر الجيش الصهيوني بأسلحة ومعدات عسكرية تم تصنيعها في ورش بسيطة الامكانيات داخل قطاع غزة المحاصر منذ 18 عام وبعزيمة رجال المقاومة الفلسطينية التي ابدوا فيها بسالة منقطعة النظير في الالتحام مع هذا الاحتلال النازي وبمواجهة الشعب الفلسطيني لسيف الاحتلال الحديدي باجسادهم الهزيلة من التجويع والحصار رسم الشعب الفلسطيني طريق معبد بدماء الاحرار لنيل الحرية واستحقاق الارض وبدأت ملامح انتصار الدم على السيف تتجلى بشكل اكثر وضوح .

فعندما نقول بان المقاومة الفلسطينية قهرت الجيش الذي لا يقهر هذه العبارة لا مبالغة فيها، بل عبارة مدعومة بالحقائق التي ساتي على سردها والتي لا تحمل اي نوع من المبالغة .

السابع من اكتوبر شكل ضربة نوعية للاحتلال الصهيوني وشركائه على الصعيد العسكري والاقتصادي والاجتماعي ففي الجانب العسكري نشر تحقيق مطول نشرته مجلة نيوزويك الامريكية تحت عنوان تفصيلي تناول اثر الكارثة التي حدثت على حدود قطاع غزة تناول التقرير فشل الاحتلال المذهل في صد غزو فصائل المقاومة وتبعياته الخطيرة على الامن العسكري الامريكي وعلى مستقبل الصناعات العسكرية الاسرائيلية فان سلسلة الجدران والاسيجة التي نصبها الاحتلال الاسرائيلي حول قطاع غزة والتي يبلغ طولها 40 ميلا تعج بأجهزة الاستشعار والاسلحة الالية كما وانها مدعومة بشبكة استخبارات الكترونية تراقب كل المكالمات الهاتفية ورسائل النصية ورسائل البريد الالكتروني في داخل القطاع ويقف عدد كبير من جنود الاحتلال الاسرائيلي المدرب تدريب عالي اهبة الاستعداد باحدث الاسلحة المتطورة لرد على اي تهديد من قطاع غزة حيث تم بناء هذه الدفاعات على نفس التكنلوجيا التي يستخدمها الجيش الامريكي للحفاظ على امنه ومصالحه حول العالم وهذه التكنلوجيا ايضا تستخدمها جيوش حلف الشمال الاطلسي ( الناتو ) لمراقبة الحدود مع روسيا وحماية مصالها في الشرق الاوسط .

لذا عندما تسلل الف مقاتل من المقاومة الفلسطينية عبر دفاعات الاحتلال الاسرائيلي في السابع من اكتوبر فان ما كان يفترض انه ميزة تكنولوجية هائلة بدا فجأة معيبا الى حد كبير لا يمكن وصفه لقد ترك الهجوم قوات الاحتلال في حالة صدمة عميقة ازاء ضعف الكيان على صد الهجوم , كما تردد صدا هذه العملية الكبيرة والنوعية التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية في قاعات البنتاغون والمؤسسات العسكرية في العديد من البلدان حيث ابدى الخبراء قلقهم بشأن ما يعتبره البعض منهم اعتماد مفرطا على الامن عالي التقنية للحفاظ على المنشآت بشكل آمن من اي هجوم , فاذا كانت قوات الاحتلال غير قادرة على توفير الحماية ضد فصائل مسلحة ذات تكنلوجيا بسيطة مثل فصائل المقاومة الفلسطينية التي ترزح تحت الحصار الخانق منذ 18 عام فما هو الدمار الذي يمكن ان تحدثه روسيا او الصين او كوريا الشمالية او اي خصم اخر .

الدروس التي يتعلمها البنتاغون هائلة وكان اول درس بان الدول التي تتمتع بأعلى وسائل الدفاع التكنلوجي لن تنتصر بالحرب بالضرورة , كان من المفترض ان تكون منظومة الدفاعات للاحتلال الاسرائيلي مترامية الاطراف على حدود غزة ذات فعالية كبيرة لكن وبدلا من ذلك تدفق اكثر من 1000 مقاتل من عناصر المقاومة الفلسطينية بحرية بعد ان حطموا ما يشيع عنه الاحتلال الاسرائيلي بانه احد اهم انظمة الاستخبارات التكنلوجية الرائدة على مستوى العالم لكن ما حصل انهم تجمدوا في مكانهم من الصدمة .

لقد انفق الاحتلال الاسرائيلي اكثر من مليار دولار على الحاجز الحدودي عالي التقنية والذي يحيط قطاع غزة المحاصر بشكل كامل ان هذا الجدار الحديدي من الجدران والسياج لا يرتفع 20 قدم فقط فوق سطح الارض فحسب، بل ويغوص في باطن الارض ايضا ليجعل من الصعب حفر الانفاق تحته ناهيك عن مجموعة متكاملة من انظمة الدفاع والمعدات المتطورة بما في ذلك الاف كاميرات الرصد والمراقبة واجهزة الاستشعار الزلزالية لالتقاط اصوات الانفاق في الاعماق واجهزة الاستشعار الحرارية والرادارات والروبوتات التي تتنقل بنظام الدوريات الالكترونية على طول الشريط الحدودي كما ويمكن اطلاق المدافع والرشاشات بشكل آلي حيث تعمل من تلقاء نفسها بواسطة اجهزة الاستشعار التي تدار بواسطة الذكاء الاصطناعي لو طرحنا قبل السابع من اكتوبر فكرة اختراق هذه المنظومة الامنية المعقدة من خلال مجموعة بشرية صغيرة كان سيبدو الموضوع اشبه بالنكتة والفكاهة الساخرة لكن هذا ما حصل لقد تمكنت فصائل المقاومة الفلسطينية من اختراق هذه التكنلوجيا بعد ان هاجموها وفتحوا فيها عدد من الثغرات .

إن التكنلوجيا تضاعف القوة لا محالة لكنها ليست طوق النجاة, البنتاغون يراقب ما يحدث داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة ما حدث هو نسخة مما قد تواجه الولايات المتحدة الامريكية باعتمادها على نفس التكنلوجيا الامنية التي قامت بشرائها من الاحتلال الاسرائيلي حيث اثبتت هذه التكنلوجيا عدم فعاليتها بشكل او باخر اصبح الموضوع يشكل قلق كبير للولايات المتحدة الامريكة التي تحمي حدودها بهذه التكنلوجيا, هنا فقد الاحتلال الاسرائيلي السمعة العسكرية التي كونها حول صناعاته العسكرية حتى الدبابات وعربات نقل الجند التي كان يروج لها الاحتلال على انها فخر الصناعات العسكرية الاسرائيلية والتي فشلت في اول اختبار حقيقي لها امام قذائف تصنع بشكل محلي وفي ورش الخراطة التي تديرها فصائل المقاومة الفلسطينية , هذا الامر سينعكس بشكل سلبي كبير على الاحتلال الاسرائيلي وسيؤدي الى تراجع القوى العسكرية التي كانت ترغب بامتلاك هذا النوع من السلاح بتخلي عن رغبتها في ذلك بعد ان اثبتت فشلها .

ومن ابرز ملامح الفشل كان للقبة الحديدية نصيب كبير من الاخفاق حيث اثبتت القبة الحديدية نسبة فشل متقدمة مع ما روج له جيش الاحتلال لقدم تم اختراقها بالفعل في هذه الحرب وظهرت لها مقاطع مصورة وهي تقوم بقصف نفسها من خلال هجوم سيبراني في موضوع الامن السيبراني الذي اثبت ايضا ضعف الاحتلال الاسرائلي في هذا المجال مخالفا لتلك الدعاية الكبيرة التي كان يروجها بانه الاقوى دوليا في هذا المجال لقد قامت فصائل المقاومة الفلسطينية بشن هجوم سيبراني اخترقت فيه مواقع حكومية ومواقع عسكرية تتبع للجيش ومواقع للبنية التحتية ولم يقتصر الوضع على ذلك بل تم اختراق قنوات تلفزة وبث رسائل فصائل المقاومة الفلسطينية على الهواء مباشرة .

أما بالنسبة للجانب الاقتصادي قامت حكومة الحرب التي شكلها الاحتلال الاسرائيلي بتحويل شعبهم الى جيش منذ الاعلان عن تشكيل حكومة الحرب في بداية الاحداث , وهذا يعني ان الجميع سيلتحق بالخدمة العسكرية من البالغين بغض النظر اسواء كان المجند محامي او طبيب او حداد او في اي مهنة كان , وهذا يعني شلل كامل في عجلة الاقتصاد حيث وفق التقارير والنشرات الاقتصادية انكمش اقتصاد الاحتلال الاسرائيلي بنسبة تجاوزت 11% غير ان تكلفة الحرب اليومية قدرت بمليار دولار امريكي وحتى كتابة هذا المقال بلغت الخسائر ما يزيد عن 61 مليار دولار امريكي حيث افاد تقرير لبنك جي بي مورغان تشس الامريكي ان الانكماش في اقتصاد الاحتلال الاسرائيلي الى 11% وهذا الانكماش قابل لزيادة بحيث يعتبر مؤشر خطير ينذر ببدأ انهيار اقتصادي حيث ان هذا الانكماش لم يحدث مشابه له الا خلال ازمة وباء كورونا حيث اشارت تقارير نشرت على صحيفة يدعوت احرنوت العبرية انه وبالنظر الى كثرة الافتراضات فقد حددت خزينة الاحتلال مبلغ 51 مليار دولار كتلفة متوسطة لهذه الحرب وهذا الرقم المالي الكبير سيكون له تبعيات اقتصادية كبيرة للغاية , كما وان وكالة موديز لتصنيف الائتماني وضعت تقرير يترقب احتمالية خفض التصنيف الائتماني للاحتلال حيث ان وكالة ستاندرد اند بورز صنفت اقتصاد الاحتلال من اقتصاد مستقر الى اقتصاد سلبي كل هذه التقارير دفعت مجموعة من الخبراء الاقتصاديين الصهاينة بتوجيه رسالة الى وزير المالية في حكومة الاحتلال سموترتش كتبوا فيها " انتم لا تستوعبون حجم الازمة التي يواجهها الاقتصاد يجب ان تتصرفوا بطريقة مختلفة " رافق كل ذلك تراجع في قيمة الشيكيل وهي عملة الاحتلال الاسرائيلي عالميا .

أما بنسبة للحرب الناعمة ( الحرب الاعلامية ) لا يخفى على احد دور الاعلام في وقت الحروب فهنالك مثل يقول " من يحسم المعركة اعلاميا يحسمها عسكريا " كانت الرواية الفلسطينية ولاول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية تكن راجحة لشعب الفلسطيني وللمقاومة الفلسطينية حيث يعود الفضل في هذه المعركة الاعلامية لبعض وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الاعلامية وبعض المواقع الاخبارية التي صدرت الرواية الفلسطينية فلا ابالغ اذا قلت بان هذه الحرب الوحيدة في تاريخ النضال الفلسطيني التي انتصرنا بها في المعركة الاعلامية امام هيمنة ماكنة الاعلام الصهيونية فاستطلاعات الراي في الولايات المتحدة الامريكية على سبيل المثال اثبتت ان نسبة الداعمين للحق الفلسطيني ارتفعت بشكل كبير جدا حيث نشر تقرير استخباراتي امريكي على شبكة سي ان ان يتناول فيه ارتفاع شعبية حركة المقاومة الاسلامية حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية بشكل كبير جدا في الفئات العمرية من 18 عام الى عمر 40 عام وهذا مؤشر بتراجع التأيد للحركة الصهيونية وهذا المؤشر له تبعيات كثيرة مهمة واحد اهم هذه المؤشرات اعادة احياء القضية الفلسطينية كقضية عادلة لدى الراي العام العالمي .

أما عن الجانب الاجتماعي لقد انهارت جسور الثقة بين المستوطنين الاسرائليين وبين المؤسسة الامنية للاحتلال حيث دفعت هذه الحرب الى هجرة ما يقرب المليون مستوطن من الاراضي الفلسطينية المحتلة الى خارج فلسطين فالفكرة التي كان يحاول الاحتلال من خلال اليمين الصهيوني ترسيخها في الذهنية العربية بأن الفلسطيني هو الذي عليه ان يهاجر انقلبت بنتيجة عكسية واصبح المستوطنون هم من يهجرون دعك من خروج كل هاؤلاء المستوطنين الى اوروبا والولايات المتحدة الامريكية في اكبر هجرة عكسية منذ عام 1948 الان هنالك اكثر من 500 الف مستوطن نازح داخل اراضينا المحتلة الاحتلال الاسرائيلي يملك ما يقرب 60 الف غرفة فندقية شغلت كلها بالمستوطنيين النازحين واضف الى ذلك 4 الاف شقة سياحية ايضا مملوئة بالمستوطنين النازحين ايضا هذا التحول الدراماتيكي اسقط رواية الاحتلال الاسرائيلي التي يروجها بانه الجنة الموعودة وتبين بانه الجحيم الموعود .

في الختام، هذه بداية النهاية لهذا الكيان فالطوفان ليس الضربة القاضية لهذا الاحتلال الامبريالي الكولونولي لكن الاكيد بانه بداية الضربات التي ستجعل هذا الكيان الهش ينهار ان الغزاة كان لهم حلما وبدأ الحلم بالتبخر انهم يوقنون بذلك ويعلمون تمام ان مسألة النهاية لم تعد الا مجرد وقت..