عودة القتال إلى «المربع الأول» |
مقالات
عودة القتال إلى «المربع الأول» | "إسرائيل" على أعتاب الشهر السادس: أين «منجزنا»؟
يوسف فارس
4 آذار 2024 , 10:23 ص

يتنافس حي الزيتون في مدينة غزة شمالي القطاع، مع مدينة خانيونس في جنوبه، في تصدّر مشهد شراسة المقاومة الفلسطينية في التصدي للعدو "الإسرائيلي"، حيث قدّمت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، أداء ميدانياً لافتاً جداً في كلتا الجبهتين، اللتين شهدتا كثافة ونوعية في المهمات القتالية. وساهم ذلك الضغط في تغيير اللازمة التي يردّدها المتحدثون باسم جيش الاحتلال، من: «نقضي على أعداد كبيرة من الإرهابيين ونسيطر على وسائل قتالية»، إلى: «القتال في خانيونس والزيتون صعب جداً، وبحاجة إلى مزيد من الوقت».

ولعلّ السمة الأبرز في تكتيك المقاومة، ولا سيما «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، كانت الانتقال من عمليات تفجير الدبابات، والتي تحوّلت إلى خبر عادي جداً، إلى هدم المنازل المفخّخة على رؤوس القوات "الإسرائيلية" الخاصة. فقد تكرّرت عمليات التفخيخ هذه، أكثر من مرة في غضون 48 ساعة فقط، في حي الزيتون وخانيونس. واستطاعت «كتائب القسام» تفجير منزل بعد تفخيخه سابقاً، بقوة راجلة كانت تتحصّن في داخله في بلدة عبسان الكبيرة شرق خانيونس، ما تسبّب، وفق اعتراف العدو، بمقتل ثلاثة جنود وإصابة 14 آخرين، جراح خمسة منهم خطيرة جداً. ووفقاً لتفاصيل نشرتها إذاعة جيش الاحتلال، فقد تدخّلت «وحدة الإنقاذ 669» لانتشال الجرحى والقتلى من تحت أنقاض المنزل الذي هُدِم تماماً.

وفي اليوم ذاته، أول من أمس، فجّرت «كتائب القسام» عبوتين ضد الأفراد في منزل جرى تفخيخه سابقاً في منطقة السطر شمال خانيونس، بعدما دخل إليه سبعة جنود "إسرائيليين".

أما «سرايا القدس»، فقد نفّذت تكتيك الكمائن ذاته، وتمكّنت من تفجير منزل في بلدة عبسان الكبيرة، تحصّنت فيه قوة "إسرائيلية" راجلة، ما تسبّب بمقتل وإصابة من كانوا في داخله. وكانت السرايا قد نفّذت قبل أيام عملية مماثلة، حين فجّرت صاروخ طائرة «أف 16» لم يكن قد انفجر، في منزل تحصّنت فيه القوات الراجلة في حي الزيتون، بعد إعادة تشريكه.

وإلى جانب ذلك، أعلنت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، تنفيذ نحو 25 مهمة قتالية خلال 48 ساعة، تنوّعت ما بين الكمائن، وتفجير العبوات ضد الأفراد، وتفجير الدبابات بواسطة القذائف المضادة للدروع، والعبوات، فضلاً عن عمليات القنص وإطلاق قذائف الهاون والرشقات الصاروخية في اتجاه مستوطنات العدو وتحشّدات جنوده.

ففي مدينة خانيونس، أعلنت «سرايا القدس» و«كتائب القسام» أنهما فجّرتا نحو 5 آليات بقذائف «الياسين 105» و«آر بي جي». أيضاً، وزّع «الإعلام الحربي لسرايا القدس» مشاهد أظهرت مقاتليها وهم يلتحمون مع دبابات العدو وجنوده من مسافة قريبة جداً. وبدا مقاومو السرايا وهم يتنقّلون من منزل إلى آخر، وينفّذون عمليات قصف بقذائف الهاون. وأعادت تلك المستجدات القتال في المحور الجنوبي إلى مربع البداية، ما دفع جيش الاحتلال الذي كان قد أعلن قبل ثلاثة أشهر، أن عمليته في خانيونس شارفت على الانتهاء، إلى توسيع العملية البرية مجدّداً في المدينة. وبدلاً من أن يندفع إلى المناطق التي تتلقّى فيها قواته خسائر كبرى شرق محافظة خانيونس، أقدم على حصار مدينة حمد السكنية المزدحمة بعشرات الآلاف من النازحين بالدبابات.

أما في حي الزيتون، فقد تواصل الضغط العملياتي، حيث لاحق المقاومون دبابات العدو في المناطق التي تموضعت فيها على أطرافه الجنوبية الشرقية. ونفّذت «كتائب شهداء الأقصى» عدداً من المهمات القتالية، فتمكّنت من قنص جندي، وأوقعت قوة راجلة من جنود العدو بين قتيل وجريح في كمين محكم نفّذته بالقذائف والأسلحة الرشاشة، فيما أعلنت «كتائب القسام» تمكّن مقاوميها من تفجير عبوة رعدية في قوة راجلة، ودبابتي «ميركافا» بعبوتي «شواظ»، واستهداف آليتين بقذائف «الياسين 105». كذلك، أوقع مقاومو «سرايا القدس»، قوة "إسرائيلية" خاصة في حي الزيتون في شراك كمين محكم، وفجّروا بها عدداً من العبوات الناسفة، ما تسبب بمقتل عدد من الجنود. وفي تطور لافت أيضاً، قالت السرايا إنها استطاعت بالاشتراك مع «كتائب المجاهدين» إسقاط طائرة مُسيّرة من طراز «هيرمز 900» بصاروخ «سام 7»، فيما تمكّنت «كتائب القسام» من الاستيلاء على طائرتَي استطلاع «سكاي لارك» في الحي نفسه.

الجبهات تشتعل

لوحظ، خلال الأيام الثلاثة الماضية، أن عجلة الحرب عادت إلى المربع الأول، في كلّ مناطق قطاع غزة، إذ كثّف جيش العدو من ارتكاب المجازر بحق العائلات في المنازل؛ ففي مخيم جباليا، دمّر ثلاثة منازل على رؤوس ساكنيها، ما تسبّب باستشهاد 28 شخصاً. وفي المنطقة الوسطى، ارتكب أربع مجازر، راح ضحيتها العشرات. وكذلك، وسّع عملياته البرية في خانيونس، ودخل إلى أحياء كان قد خرج منها سابقاً.

ويبدو أن هذا التصعيد مرتبط بعاملين اثنين، الأول هو تصاعد عمليات المقاومة لجهة العدد والنوع، وما تتسبب به من خسائر بشرية في صفوف جيش العدو، وتآكل في صورة المُنجز العسكري "الإسرائيلي"، فضلاً عن إفراغ مرونة المقاومة وحيويتها في إعادة بناء خلاياها، كل مزاعم تدمير كتائبها من صدقيتها، وذلك أسوأ ما يمكن أن يقبل به جيش الاحتلال على أعتاب الشهر السادس من الحرب. أما العامل الثاني، فهو زيادة الضغط على المقاومة، لإجبارها على تقديم المزيد من التنازلات على طاولة التفاوض على الصفقة؛ إذ يراهن العدو على أن زيادة حدة التجويع والمجازر، من الممكن أن تساهم في تأليب الحاضنة الشعبية للمقاومة، ودفعها إلى تنظيم تظاهرات تطالب فيها بالصوت العالي، بخروج حركة «حماس» من القطاع.