عندما بدأ الإعداد للزواج، من أكثر من أربعين عاماً، كانت العروس - التي هي زوجتي - تُخطّط وتتصل مع خالها الأب "مكسيموس فحمة" - واسمه جوزيف أو يوسف - في باريس لكي تحدّد معه الموعد وفق أوقات فراغه من ارتباطاته.
وقام "أبونا فحمة" بإجراء القداس، وتزوّجتُ من المصونة زوجتي التي أصرّت أن ننتظر "خالو" حتى يحضر إلى "حلب" لكي بجري مراسم العمادة لأول ولد لنا "إميل" ثم الثانية "مي" .. وطبعاً لم أكن أتابع الإسم الممنوح للولد في المعمودية - وهو عادة اسم قديس - وعندما جاءنا الطفل الثالث أصرّت "أم العيال" أن تسمّيه "نبيل"، وفي المعمودية أعطته اسم القديس يوسف، فأصبح اسمه نبيل يوسف.
عدت في الذاكرة إلى سنوات طفولتي، يوم كان والدي دائماً يستمع إلى نشرات الأخبار من إذاعة "مونت كارلو" الشهيرة وما زالت ذاكرتي تستعيد شريط الذكريات:
"نشرة الأخبار من مونت كارلو يذيعها نبيل يوسف".
نعم إنه هو "أبونا جوزيف فحمة".
أجل .. سافر "خالو القسيس" - كما تسميه زوجتي - من حلب إلى باريس حيث كنيسة "القديس جوليان الفقير Église Saint-Julien-le-Pauvre" التابعة لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك، وقد بَرَع وأبدع في الترانيم الكنسية البيزنطية، وكان إضافة لوظيفته الدينية في الكنيسة الصغيرة، يعمل في "مونت كارلو" مذيعاً لنشرات الأخبار.
وكان هذا الصوت الرخيم يصدح في السبعينات والثمانينات في آذان الأكثرية من العرب، ولكن بالأخص أهالي "مدينة حلب".
كنت أسمع صوته العذب القوي ينساب من "الراديو" ووالدي يُنصت بكل اهتمام إلى "أبونا" .. وكان هذا الأبونا ضيفاً عندنا في نشرات أخبار الصباح والظهر والمساء.
كنت أسمَع به أنه "أبونا" ولم أكن أعرفه إلا أنني كنتُ أفتخر أنه من نفس مدينتنا.
ودارت الأيام بِدورتها وخطبت إبنة أخته الصغيرة، وبدأنا بترتيبات الزواج وخلالها تعرّفت عليه.
وكما قلت كنّا ننتظر مجيئه إلى حلب لكي نقوم بالزواج ورتبة المعمودية وكثير من الأمور كانت عائلة زوجتي تؤجلها إلى الصيف حين يأتي "خالو القسيس".
لن أُطيل بالذكريات .. فابني نبيل هو في الكنيسة اسمه نبيل يوسف لكي تؤكد "لخالو القسيس" أن اسمه سيبقى.
هذه الأيام سيُنهي مائة عام، وهو بين أصدقائه في باريس وعلى رأسهم الحلبية والعزيزة الغالية "سميرة مصري" وعائلتها التي تحيطه بكل المحبة.
كل عام وأنت بخير أيها المحترم
كل عام وأنت بألف خير أيها الحلبي
كل عام وأنت بمليون خير "أبونا" و "خالو القسيس".
اللهم اشهد اني بلغت