قالت صحيفة " نيويورك تايمز" الأميركية، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، "يتفاوض الآن ويناور على عدة جبهات في وقت واحد"، بما في ذلك من خلال العملية العسكرية المحدودة في رفح، من أجل "ضمان بقائه في السلطة".
وحسب الصحيفة، فإن "تحذيرات إسرائيل الأخيرة للفلسطينيين في أجزاء من رفح بالانتقال إلى المناطق التي صنفتها على أنها آمنة، وما أعقبها من سيطرة الجيش على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، كان بمثابة إشارة إلى ائتلافه الحكومي اليميني، وإلى حماس، وإلى الإدارة الأميركية، أنه سيستمر في إعطاء الأولوية لمصالح إسرائيل الأمنية".
ويهدد شركاء نتانياهو في الائتلاف اليميني بتفكيك الحكومة، إذا وافق على وقف إطلاق النار و"عدم القضاء على حماس" في رفح جنوبي غزة.
ومن جهة أخرى، يضغط حلفاء إسرائيل، خاصة الولايات المتحدة، للموافقة على هدنة، وتجاوز الخسائر المحتملة في صفوف المدنيين التي قد تتسبب فيها عملية واسعة النطاق في رفح، وفق الصحيفة.
تجنب عملية واسعة
وذكرت "نيويورك تايمز" أن الاستيلاء على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، في محاولة لاستكمال السيطرة الأمنية الإسرائيلية على حدود غزة، كان سببا في تجنب عملية عسكرية واسعة النطاق ومثيرة للجدل في رفح، التي تعج بالمدنيين النازحين".
وأضافت: "ربما يشير ذلك إلى أن إسرائيل تستعد أخيرا للموافقة على وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة، على الرغم من أن نتائج تلك المفاوضات ما زالت غير مؤكدة".
وحذرت الولايات المتحدة والكثير من دول العالم، إسرائيل من شن عملية عسكرية برية في رفح، وسط مخاوف من تأثيرات قد تكون كارثية على المدنيين الذين نزحوا إلى المدينة.
ويوجد في رفح أكثر من مليون فلسطيني، فروا من مناطق أخرى في القطاع، ويعيشون في خيام مكتظة قرب الحدود المصرية.
كما حذرت مصر إسرائيل مرارا من شن مثل هذه العملية، خاصة أنها تقع على مقربة كبيرة من حدودها، مشددة على رفضها "تهجير" الفلسطينيين.
"البقاء السياسي"
ونقلت "نيويورك تايمز" عن سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، دانييل سي كيرتزر، قوله: "يتم سحب نتانياهو في اتجاهات مختلفة.. ويواجه ضغوطا متزايدة للرد".
و"يسعى نتانياهو في المقام الأول إلى تجنب إجراء انتخابات جديدة، مما قد يعني فقدان السلطة، وإعادة إحياء القضايا المختلفة ضده"، وفق كيرتزر، الذي أضاف: "البقاء السياسي يحتل دائما المرتبة الأولى في حسابات نتانياهو".
وإلى جانب الضغوط من "المتطرفين في ائتلافه الذين يريدون مواصلة الحرب"، حسب كيرتزر، فإن نتانياهو يواجه أيضا ضغوطا من عائلات الرهائن، الذين يريدون من الحكومة إعطاء الأولوية لوقف إطلاق النار والإفراج عن المزيد من الرهائن المحتجزين في غزة.
وأشار سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، إلى أن "الضغوط الخارجية تأتي من مسؤولي إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن والبعض في الكونغرس، الذين بدأ صبرهم ينفد بشأن الوضع الإنساني.. إنهم يريدون وقف إطلاق النار ويعارضون الهجوم الكبير على رفح، هذا إلى جانب التهديد الحقيقي والمستمر بالتصعيد، خاصة من حزب الله".
ويسعى نتانياهو إلى الحفاظ على تماسك ائتلافه الحاكم، الذي يضم 64 مقعدا في الكنيست (البرلمان) المؤلف من 120 مقعدا، وهو أغلبية ضئيلة.
"ليس في عجلة من أمره"
وقال دانييل ليفي، المفاوض الإسرائيلي السابق الذي يقود الآن "مشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط"، وهو معهد سياسي غير ربحي: "نتانياهو ليس في عجلة من أمره لإنهاء الحرب".
وأضاف للصحيفة الأميركية: "إنه لا يريد اتفاق وقف إطلاق نار يهدد ائتلافه أو قدرته على مواصلة الحرب بعد التوقف (الهدنة). فهو يريد أن يطيل أمد كل شيء، لأنه بمجرد انتهاء الحرب، ما هو العذر لعدم إجراء انتخابات جديدة؟".
ووفقا لـ"نيويورك تايمز"، فإن الموافقة على شكل من أشكال وقف إطلاق النار المؤقت على مراحل، كما هو مقترح في المفاوضات الحالية، "يمكن أن يسمح لإسرائيل بالتعامل مع ما تقول إنها كتائب حماس الأربع الموجودة في رفح، بوتيرة أبطأ بكثير، على مدى أسابيع عديدة، خاصة بعد السيطرة على حدود قطاع غزة مع مصر".
وقالت: "من شأن ذلك أيضا أن يعيد المزيد من الرهائن إلى إسرائيل، ليس جميعهم، مما قد يساعد في تقليص المسيرات المناهضة للحكومة التي تقودها في كثير من الأحيان أسر الرهائن".
واستأنفت مصر محاولة إحياء المفاوضات في أواخر الشهر الماضي، خاصة في ظل قلقها من شن إسرائيل عملية على حماس في رفح بجنوب قطاع غزة، حيث يوجد أكثر من مليون نازح فلسطيني بالقرب من حدودها.
الهدف "الأكثر أهمية"
من جانبهم، يؤكد مسؤولون عسكريون إسرائيليون ومحللون، حسب "نيويورك تايمز" أن "وقف تهريب الأسلحة والمعدات من مصر عبر الأنفاق تحت رفح، هو أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية لإسرائيل من مقاتلي حماس الذين بقوا في رفح".
وعلى الرغم من نفي مصر وجود عمليات تهريب واسعة النطاق إلى غزة، يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن "قسما كبيرا من الترسانة غير العادية، ولوازم البناء التي راكمتها حماس في غزة، جاءت عبر الأنفاق من مصر"، حسب الصحيفة.
وقال كوبي مايكل من معهد دراسات الأمن القومي، وهي مجموعة بحثية في تل أبيب: "إذا أنهينا الحرب دون إغلاق الأنفاق، فسنمكّن حماس أو أية منظمة إرهابية أخرى في القطاع، من إعادة بناء قدراتها العسكرية".
بدوره، قال العميد احتياطي في الجيش الإسرائيلي، المدير السابق لمكتب مكافحة الإرهاب التابع لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، نيتسان نورييل: "رفح مهمة.. ليس بسبب كتائب حماس الأربع التي لا تزال هناك، بل لأن الرسالة الموجهة إلى الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، هي أن حماس لن تكون قادرة على السيطرة على غزة إلى الأبد".
وأضاف أنه بخلاف ذلك فإن سكان غزة "سيظلون خائفين من حماس، وبالتالي سيتعاونون معها".
من جانبه، قال مدير مركز سياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز، ناتان ساكس، إن "حتى عملية متواضعة في رفح تتناسب مع العديد من أهداف نتانياهو في وقت واحد".
وكما هو الحال مع العديد من المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك أولئك الذين يريدون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الآن، قال ساكس: "يعتقد نتانياهو حقا أن القيام بعملية في رفح أمر أساسي لأهداف إسرائيل الشاملة، ليس فقط في ملاحقة قوات حماس المتبقية، ولكن في قطع الطريق على قوات حماس، وقدرتهم على إعادة الإمداد عبر تهريبها من خلال الحدود المصرية".
وأضاف ساكس للصحيفة أن العملية العسكرية "تضع أيضا ضغوطا على حماس للتراجع عن بعض مطالبها في مفاوضات وقف إطلاق النار".
واندلعت الحرب في غزة إثر هجوم حركة حماس غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
كما خُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا ما زال 130 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.
وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء على حماس"، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف أُتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، أسفرت عن مقتل نحو 35 ألف فلسطيني، معظمهم نساء وأطفال، وفق ما أعلنته السلطات الصحية في القطاع.
والإثنين، أعلن الجيش الإسرائيلي، شن عملية مباغتة على أهداف لحماس في منطقة شرق رفح بقطاع غزة، وسط تحذيرات دولية وإقليمية.
ويوجد في رفح أكثر من مليون فلسطيني، فروا من مناطق أخرى في القطاع، ويعيشون في خيام مكتظة قرب الحدود المصرية.
وحذرت الولايات المتحدة والكثير من دول العالم، إسرائيل من شن عملية عسكرية برية في رفح، وسط مخاوف من تأثيرات قد تكون كارثية على المدنيين الذين نزحوا إلى المدينة.
وحذر الرئيس الأميركي جو بايدن، إسرائيل علنا للمرة الأولى، الأربعاء، من أن الولايات المتحدة ستتوقف عن إمدادها بالأسلحة إذا شنت "غزوا كبيرا لمدينة رفح المكتظة باللاجئين".
وحسب رويترز، تقول الأمم المتحدة وسكان غزة ومنظمات إنسانية إن أي توغل إسرائيلي إضافي في رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية".
وأكد مسؤول بالأمم المتحدة أن قطاع غزة لم يدخله أي وقود أو مساعدات بسبب العملية العسكرية، وهو وضع "كارثي لجهود الإغاثة الإنسانية"، حيث يعاني أكثر من نصف السكان من الجوع.