مقال هام للكاتب العربي الكبير علي بن مسعود المعشني فهو عودنا على تسليط الضوء على المفاصل الهامة التي تتعرض لها امتنا العربية, لآهميته اخترناه لنقدمه لقراءنا الأعزاء
في عام 2008م قام مركز عضو الكونجرس الأمريكي من أصل لبناني جيمس زغبي باستطلاعات رأي لعينات مُختلفة في ستة أقطار عربية "حليفة" لأمريكا، وخرجت نتائج الاستطلاعات بنتائج وقراءات مُرعبة للإدارة الأمريكية خاصة والغرب بعمومه، حيث قال إنَّ 84% من المستطلع آرائهم أنّ أمريكا هي عدوة للعرب، وقال 85% منهم بأن "ما تسمى" بإسرائيل هي العدو الأول للعرب والمسلمين، وقال 83% منهم إن امتلاك إيران للسلاح النووي هو قوة للعرب والمسلمين، فيما اعتبر المصريون في استطلاع آخر أن أحب الشخصيات إلى قلوبهم هم على التوالي كل من: سماحة السيد حسن نصر الله، وفخامة الرئيس بشار الأسد، وفخامة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.
كانت نتائج الاستطلاعات صادمة ومخيفة جدًا لأمريكا والغرب وحلفائهم في المنطقة خاصة وأنها في أوساط شعوب لأقطار "حليفة" لهم، وبما أنَّ الغرب يؤمن كثيرًا بالمؤشرات ونتائج استطلاعات الرأي ويبني عليها خطط وسياسات خاصة إذا كانت عن مؤسسات ذات خبرة وعلمية ومصداقية، فكانت الخطة واحد بتسريبات ويكيليكس الشهيرة عام 2010م، والتي رفعت درجة السخط والغضب في الشارع العربي إلى درجة الغليان عبر تلك التسريبات وتوجيه بوصلة الغضب إلى الحكام والحكومات العربية وحرف اهتمامات الشعوب والعبث بوعيها للخروج على الدولة الوطنية بواسطة عناصر مندسة تمَّ تأهيلها جيدًا فيما عُرفت بمراكز ومعاهد التغيير.
من المعروف أنَّ بعض الأقطار العربية حينها بلغ فيها الفساد المالي والإداري والانسداد السياسي مبلغه نتيجة ارتهانها لتوصيات أذرع الاستعمار الحديث والمتمثلة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ونتيجة شيوع ثقافة الزبونية السياسية ببعض الأقطار العربية والتي استباحت الوطن والمواطن فأفسدت الحاضر وحجبت المستقبل عن الشعوب وهي لا تُدرك أن المتغطي بأمريكا عُريان.
لم يتساءل الكثيرون منِّا عن لغز ويكيليكس وصاحبها ويليام أسانج ومصادره في الحصول على ذلك الكم المهول من الوثائق السرية، ولا عن سبب توقيت النشر واستهداف الأقطار العربية التي وضعت تحت مجهر الربيع!!
نحن اليوم على بُعد أسابيع قليلة من عام 2021م ففي شهر يناير منه نكون قد أكملنا عشرة أعوام من عُمر الربيع البائس والذي لازلنا نعيش تداعياته لغاية اليوم.
الظروف المعيشية والأزمات السياسية والمالية التي أوجدت ذريعة ربيع 2011م قائمة اليوم وبدرجة تناسخ كبيرة، والفارق هو ارتفاع منسوب الوعي لدى الشعوب العربية بفخ الربيع العبري البائس والاتعاظ من أكاذيبه ونتائجه المدمرة وبالتالي العزم والعقد على تجنيب الأوطان أي دمار ومعارضة وحصر المطالب والمظالم في الحكومات، يضاف عليها المستجدات على الساحة العربية والمتمثلة في التطبيع القهري مع كيان العدو ومحاولة بسط ثقافة صفقة القرن وتمريرها قسريًا وهنا تكون الوصفة مثالية لإحداث تغييرات جذرية في الوطن العربي استباقًا للوعي الشعبي والإرادة الوطنية واللتين تؤشران إلى حدوث ربيع عربي وطني يُجدد حيوية الأوطان ويستعيد كرامتها ساحبًا البساط تدريجيًا عن التبعية والنفوذ الغربي في الوطن العربي مستغلًا المناخ العالمي الجديد ببزوغ القطبية المتعددة لقيادة العالم وأفول الهيمنة والسيطرة الغربية وانحسارها إلى حد كبير، هنا لابد للغرب من التسريع بمخطط ربيع استباقي يتسلح بكورونا وأعراضه وتداعياته ليعيد تموضعه في المنطقة مُجددًا وقبل فوات الأوان، وسيكون مدخل هذا الربيع هو التطبيع القسري والذي سيؤجج بدوره الرأي العام العربي حيث سيكون بمثابة القطرة التي ستفيض كأس البطالة وغلاء المعيشة وازدياد حجم الضرائب والرسوم وغياب الحلول في الأفق المنظور لتلك الأزمات المستنسخة في وطننا العربي.
هنا سيركب الغرب الموجة كعادته ويُوجه بوصلة رفض التطبيع إلى رقاب وصدور الحكومات والنظام الرسمي وسيُعلن وقوفه مع مطالب الشعوب!! وبهذا المخدر السياسي والعقلي سينفذ إلى الوعي العربي لجيل قادم على الأقل وسيبطئ من وتيرة ومنسوب رفض التطبيع والوصاية الغربية والتبعية له، وسيحاصر بعض الوقت انتشار ثقافة المقاومة العابرة للأجيال والحدود بفعل عبثية الغرب وهدر النظام الرسمي العربي للكثير من الممكنات للنهوض والتنمية.
قبل اللقاء: من لا يقرأ التاريخ محكوم عليه بإعادة عثراته.
وبالشكر تدوم النعم..