القصة أن مصر تمر بأزمة اقتصادية وفكرية شبيهة بالتي كانت عليها بعد نكسة 1967 حيث تعاني قطاعات متعددة من الدولة والشعب من فراغ معرفي وغياب الثقة وصدمة حضارية ، إضافة للعامل الاقتصادي الأبرز والأهم..
الأسئلة التي يسألها المصريون الآن بخصوص هؤلاء الممثلين والاستنكار والاستهجان والاتهام هي نسخة شبيهة بالتي كان عليها المصريون في الستينات، أعقاب رحيل نجوم مصر الكبار للسينما التركية واللبنانية والسورية، ومنذ بداية السبعينات دخلت بعض الدول العربية (كالكويت) في المنافسة لاستقطاب نجوم مصر.
السبب الأساسي لتلك الصدمة التي دفعت هؤلاء الممثلين للعمل خارج مصر، وفي سياقات قد تؤدي لتشويه صورة المصري ليس فقط عامل المال، ولكن انخفاض مستوى الفن المصري بالعقدين الأخيرين، وهي الفترة التي شهدت رحيل كثير من النجوم الكبار سواء بالموت أو بالاعتزال..
ولكي أوضح تلك النقطة، شوف حضرتك عمالقة الكوميديا قبل 20 سنة (هنيدي – محمد سعد - أحمد رزق – أحمد حلمي – سامح حسين – هاني رمزي..وغيرهم) أين هم الآن؟
يُحسَب لأشرف عبدالباقي محاولته إنقاذ ما يمكن إنقاذه بتدريب جيل كوميدي جديد ليصبح بديلا عن هذا الجيل المختفي بفعل فاعل، وبرغم الانتقادات الموجهة لمسرح مصر، لكن محاولته كانت موفقة بشكل كبير، حيث أصبح نجوم هذا المسرح يشكلون 90% تقريبا من كوميديانات مصر، وبأسلوب يغلب عليه (الاستضحاك والهزار) في ظل غياب النص والموهبة الكوميدية الحقيقية..
كل هذا أدى لانخفاض المستوى..
تقريبا مسارح مصر شبه فارغة، اللهم إلا محاولات معدودة على الأصابع، وفي ظل سياق ملئ بالعقبات والمشاكل..
العيب ليس في السعوديين أكثر من المصريين أنفسهم الذين ساهموا بقصد أو بدون في انخفاض المستوى، علاوة على سوء الحالة الاقتصادية وارتفاع مستوى المعيشة حتما ولابد سيدفع العديد من المواهب للبحث عن رزقهم في الخارج، وهذه نظرية البديل والفراغ المعروفة لا علاقة لها بهستيريا الوطنية واتهامات الخيانة ..التي يحلو للشوفينيين إلقاءها في كل مكان دون حساب أو عواقب..
هي مرحلة مؤقتة أكيد سوف تساعد الأخوة في المملكة على الارتقاء بالفن السعودي، وفور زوال الأسباب الجذرية للأزمة في مصر ستعود الأوضاع إلى ما كانت عليه بطفرة فنية مصرية عملاقة أتوقعها خلال 10 سنوات، شريطة دعم الدولة للفن المصري ووقف حملات التكفير والشيطنة والهجوم الديني، وهذا يتطلب جهد تشريعي في البرلمان يعاقب أي شيخ أو فرد على جريمة التكفير أو تحريم الفنون بأي لفظ..
ولفهم تلك الجزئية: هل كان بإمكان الأشقاء في المملكة عقد تلك الطفرة الفنية الأخيرة ومواسم الرياض وجدة..إلخ، بدون قمع آلة التكفير والتطرف؟..هل كان بإمكان السعودية أن تصبح مهبطا للفنانين المصريين في ظل وجود دواعش على منابر الدولة؟