واصل جيش العدو الإسرائيلي ممارسة أعلى مستويات الضغط، ليس على المقاومة فحسب، إنما على الحاضنة الجماهيرية. ففيما تُضاعِف الطائرات الحربية ارتكاب المجازر الجماعية بحق العائلات التي تسكن المنازل ومراكز الإيواء وحتى خيام النازحين في المنطقة الوسطى، وتحديداً مخيم النصيرات.
شرع العدو في ساعة متأخرة من ليل الأحد - الإثنين، في تهجير عشرات الآلاف من الأهالي والنازحين الذين يسكنون المنطقة الشرقية من محافظة خانيونس. هكذا، تلقّى سكان أحياء كاملة مثل قيزان النجار والزنة وعبسان الكبيرة والقرارة وبني سهيلا، أوامر بالإخلاء لأن مساكنهم ستصبح منطقة قتال خطيرة، بحسب منشورات ألقاها جيش الاحتلال، زاعماً رصد إطلاق صواريخ وقذائف هاون من تلك المنطقة.وفي غضون بضع ساعات من إلقاء المنشورات، وقبل أن تصل أساساً أوامر التهجير الثاني في غضون شهر واحد، إلى أكثر سكان تلك الأحياء الواسعة، شرعت وسائط المدفعية والطائرات الحربية في تنفيذ غارات عنيفة وأحزمة نارية متواصلة، ودمّرت 10 منازل مدنية على رؤوس ساكنيها، قبل أن تكثّف مدافع الهاوزر إطلاق القذائف على الطرق نفسها التي سلكها الأهالي للخروج من المناطق التي أُنذرت بالإخلاء. وفي غضون ذلك، توغّلت الدبابات الإسرائيلية إلى منطقة بني سهيلا، علماً أن العملية البرية الأولى هناك كانت انتهت في شهر نيسان الماضي، لتصنّف المنطقة بأنها الأكثر خراباً في مناطق مدينة خانيونس.
الرهان على ورقة استخدام الشارع في مواجهة المقاومة، لم يؤدّ منذ بداية الحرب إلى أي نتيجة
ووفقاً لبيان أصدره المكتب الإعلامي الحكومي، فقد تسبّب القصف الجوي العنيف بسقوط نحو 57 شهيداً، عدد كبير منهم من الأطفال والنساء، وصلت جثامين 47 شهيداً منهم إلى مستشفى ناصر، وبقيت جثامين عدد آخر من الشهداء ملقاة في الشوارع. وتسبّبت تلك الغارات أيضاً بإصابة 196 شخصاً خلال 10 ساعات من القصف المستمر. كما تلقّت الطواقم المتخصّصة 1217 مناشدة من عائلات حوصرت بالنيران الكثيفة وطالبت بإخلائها، فيما لم يسمح جيش الاحتلال بدخول الطواقم المتخصّصة للقيام بتلك المهمة. وفي الشوارع، تكرّر مشهد النزوح الصعب، حيث الآلاف من المواطنين وجدوا أنفسهم بلا مأوى، وقطعوا مسافات طويلة مشياً على الأقدام، وانتهى بهم المطاف، وقد افترشوا الأرض.
ما الذي يريد جيش العدو تحقيقه؟
كرّر العدو أوامر الإخلاء خلال الأسابيع الأخيرة نحو خمس مرات، ثلاث في مناطق شمال وادي غزة استهدفت أحياء بيت لاهيا والتفاح وشمال غرب غزة، واثنتان في مناطق شرق مدينة خانيونس جنوبي القطاع. ويتذرّع جيش الاحتلال بأن المناطق التي ستتحوّل إلى ميادين قتال خطيرة، استُخدمت في إطلاق صواريخ وقذائف هاون. وبذلك، يرغب في توجيه النقمة الشعبية إلى فصائل المقاومة، على اعتبار أن الجهد المقاوم هو الذي يتسبّب في موجات النزوح المتكرّرة. غير أن الرهان على ورقة استخدام الشارع في مواجهة المقاومة، لم يؤدّ منذ بداية الحرب إلى أي نتيجة، بل إن هذا العقاب الجماعي، تقرأ فيه المقاومة أداة من أدوات مضاعفة النقمة ومراكمة الثأر مع جيش العدو.