"قصّة قصيرة":
آبُ لهَّاب. السماء نارٌ ودخان .الأرض نارٌ ودمار. الغِربانُ تنشرُ الموتَ في كل مكان. الدخانُ الصاعدُ ينثرُ رحيقَ العِزِّ،وحروفَ الكرامةِ على الرِّمال المُتعطشة.
ثابتةَ الخُطى سارت، رافعةَ الرأسِ مشت ، لا يَلْفِتهُا انْهِمالُ الحديدِ المُلْتَهِبِ ولا البارودِ المُشتعِل. هي كاملةٌ*، تلك السِّتينيةُ الّتي لم يفتَّ في عَضُدِها فحيحُ تلك الهيدرا التي تلتهمُ النساءَ والأطفال، ولا خُوارُ تِلكَ الوحوشِ الهمجيةِ الغادرةِ القادمةِ من شَتاتِ الأرضِ تَنْطَحُ البِناياتِ، وتصبُّّ على مُرَبَّعِ العزِّ والشّرفِ والإباءِ، في ضاحيةالعزّ،جامَ غضبِها وأحقادِها الدفينة، بعدما نطحتْ بيتَها الصامدَ في عيناثا الأبيّةِ طويلًا.
بعدَ جُهْدٍ وصلتْ، ووسْطَ جحيمِ اللَّهيبِ المُستَعِرِ انتصبتْ. راعَها المشهدُ المَهولُ، مشهدُ حجارةِ البِناياتِ الشامخةِ رؤوسُها إلى أعالي السماء، بعدما احتضنَتْها أَكُفُّ الأرضِ الحانيّةِ ، والشهداء.
وأمامَ أنقاضِ بيتِها المُهَدَّمِ معَ بناياتٍ، وبيوتٍ كثيرةٍ مجاورة، وقفت.
نعم، وسْطَ هذا الدَّمارِ العظيم، وبقامَتِها الشامخةِ التي تَعلو أجسادَ الأقزامِ الذينَ تآمروا على الذَّائِدينَ عن حِياضِ الوطن، الباذلينَ دماءَهُم الزّاكِيَةَ، دفاعًا عن حُرَمِ الأرضِ والأعراض، انتصبت. أَلْقَتْ نظرةً تَخْتَزِنُ مُفرداتِ مُعْجَمِ العزّ، ثمَّ شَرَعَتْ تَصْفَعُ أولئكَ الأقزامَ الذينَ وصَّفوا الشُّجْعانَ بالمغامرين، وأطلقتْ عِبارَتَها التي أضحتْ شعارًا يُرَدِّدُهُ أشرفُ الناس :
"البيوتُ والأرزاقُ و كُلُّ الممتلكات "فدا إجرِ السيد".
"فدا إجرِ السيّد"، عِبارَةٌ ردَّدَتْها حِجارةُ البيوتِ الموعودةِ بالعودةِ أجْمَلَ مِمّا كانت، وعَبَرَتْ بِحرارَتِها الآذانَ والأسماع، فعَشِقَتْها القلوبُ المنتظرةُ النَّصْرَ على جمر، فَصَدَحَتْ بها الأفواهُ عاليةً ، عاليةً جدًّا:
" فدا إجر السيّد".
بعدَ ذلكَ بقليل، شرعت، وسائلُ الإعلامِ تُسارِعُ لِلِقاءِ السَّيِّدَةِ المُحاضِرَةِ وَسْطَ الحربِ، عنِ الشّرَفِ والكرامة، عنِ الصُّمودِ والعِزِّ والإباءِ والشَّهامَةِ، في زَمَنٍ عَزَّ فيهِ الشَّرَفُ والصمودُ والإباءُ، وغَلَتْ.
*كاملة: هي المرحومة الحاجة كاملة سمحات، من بلدةِ عيناثا العامليّة، أوّل من أطلقت، بلهجتها الجنوبيّة السّجيّة، عِبارة: "فِدا إجرِ السيّد.
بيروت في الثامن من شهر آب ٢٠٢٤