أظهرت دراسة حديثة أن الدماغ البشري يمكنه فهم معاني الجمل بسرعة تفوق التوقعات، إذ يستطيع معالجة تراكيب الجمل خلال 125 مللي ثانية فقط، ما يثبت أن سرعة معالجة اللغة قد تكون أكبر مما كان يعتقد سابقا. ويدل ذلك على قدرة الدماغ على الاستجابة الفورية للعناصر اللغوية.
مفهوم معالجة اللغة التقليدي وتحدياته
تفترض النظريات التقليدية لمعالجة اللغة أن الكلمات تُفهم بترتيب تسلسلي، كلمة تلو الأخرى، لتكوين المعنى الكامل للجملة. إلا أن هذه الدراسة تتحدى هذه الفرضية، إذ توضح أن الدماغ قادر على فهم التراكيب بسرعة فائقة، ما يفتح آفاقا جديدة لفهم كيفية عمل العقل البشري.
منهجية التجربة ودقة النتائج
أجرى الباحثون هذه الدراسة باستخدام جهاز مسح غير جراحي لقياس نشاط الدماغ لـ 36 مشاركا. وقد عُرضت على المشاركين جمل تبدأ بثلاث كلمات لمدة 300 مللي ثانية، تليها جمل أخرى إما متطابقة أو تختلف بكلمة واحدة. طُلب من المشاركين تحديد ما إذا كانت الجمل متطابقة. وكشفت النتائج أن المشاركين كانوا أسرع وأدق في الاستجابة للجمل التي تحتوي على فعل وفاعل ومفعول به، مقارنةً بجمل تحتوي فقط على أسماء.
اكتشاف سرعة إدراك الدماغ للتراكيب اللغوية
أظهرت البيانات أن النشاط الدماغي للمشاركين كان أعلى عند معالجة الجمل التي تحتوي على فعل وفاعل ومفعول به. كما ظهر النشاط في القشرة الصدغية اليسرى خلال 130 مللي ثانية، أي بفارق 50 مللي ثانية عن الجمل التي كانت مجرد قائمة من الأسماء. هذا يعزز فرضية أن دماغ الإنسان قادر على التعرف على التراكيب اللغوية بسرعة فائقة، مشابهة لسرعة إدراكه للمشاهد المرئية.
تطبيقات متعددة في الوسائط الرقمية والإعلانات
تعتقد بروفيسورة لينا بيلكانين، المؤلفة المشاركة للدراسة من جامعة نيويورك، أن هذه النتائج يمكن أن يكون لها تطبيقات واسعة في مجالات تصميم الوسائط الرقمية والإعلانات، حيث يمكن استغلال قدرة الدماغ على الإدراك السريع في تصميم مواد إعلامية جذابة وسريعة الاستجابة.
التطبيقات المحتملة على لغات أخرى
على الرغم من أن هذه الدراسة ركزت على اللغة الإنجليزية، يقترح الباحثون إمكانية تعميم النتائج على لغات أخرى. إذ قد يعكس ذلك تنوع العمليات اللغوية في أدمغتنا، ما يعزز فكرة أن فهم القواعد النحوية بسرعة ليس مقصورا على لغة واحدة، بل هو سمة عامة لدماغ الإنسان.
تعد هذه الدراسة خطوة مهمة نحو فهم آليات الإدراك السريع لدى البشر. وبفضل هذه النتائج، يمكن أن يعاد النظر في كيفية تصميم تقنيات التواصل الرقمي، ما يجعلها أكثر تفاعلا وفعالية، مع استغلال فهم أدمغتنا السريع للغة.