يشهد العالم سباقاً عسكرياً جديداً في مجال التكنولوجيا المتطورة، حيث تتصدر الصواريخ الفرط صوتية المشهد كأحد أكثر التهديدات الاستراتيجية إثارة للقلق.
تتنافس روسيا، الصين، والولايات المتحدة على تطوير هذه الصواريخ القادرة على الطيران بسرعات تفوق 5 ماخ مع القدرة على المناورة بشكل غير متوقع، مما يعيد تشكيل حسابات الحرب الحديثة، أثار هذا السباق موجة من الابتكارات، حيث يسعى حلف شمال الأطلسي (الناتو) للتكيف مع هذا التهديد المتغير.
روسيا: زعامة في السباق الفرط صوتي
تقود روسيا السباق في تطوير الصواريخ الفرط صوتية بأنظمة تدعي أنها جاهزة للاستخدام، من أبرز هذه الأنظمة "أفانغارد"، وهو مركبة انزلاقية فرط صوتية يمكن تركيبها على صواريخ باليستية عابرة للقارات. يصل "أفانغارد" إلى سرعات تصل إلى ماخ 27، مع قدرة على المناورة تجعل اعتراضه شبه مستحيل، مما يمنح روسيا تفوقاً واضحاً في تجاوز أنظمة الدفاع التقليدية.
إلى جانب "أفانغارد"، تمتلك روسيا صاروخ "كينجال" الذي يُطلق من الجو باستخدام مقاتلات ميغ-31K، ويبلغ مداه حوالي 2000 كيلومتر. وقد استُخدم هذا الصاروخ فعلياً خلال الحرب في أوكرانيا، مما يعكس جاهزيته العملياتية، كما تعمل روسيا على تطوير صاروخ "زيركون"، وهو صاروخ كروز فرط صوتي مخصص للإطلاق من السفن ويستهدف الأهداف البحرية والبرية بسرعة تتجاوز 8 ماخ .
الصين: طموحات متسارعة
تسعى الصين إلى سد الفجوة مع روسيا والولايات المتحدة من خلال استثمار مواردها الصناعية الضخمة. يعد صاروخ DF-ZF، المعروف أيضاً باسم WU-14، أحد أعمدة الجهود الصينية. يُركب هذا السلاح على صاروخ باليستي متوسط المدى من طراز DF-17، ويبلغ مداه نحو 2000 كيلومتر، مما يمثل تهديداً خطيراً للقواعد والمرافق البحرية الأميركية في منطقة المحيط الهادئ.
كما تطور الصين صاروخ DF-27، الذي يقال إنه قادر على الوصول إلى أهداف على بعد 8000 كيلومتر، مما يعكس طموحها لتوسيع نطاقها الاستراتيجي. إضافة إلى ذلك، يعمل برنامج "ستاري سكاي-2" على تطوير صواريخ كروز فرط صوتية تعتمد على محركات "سكرامجيت"، مما يمهد الطريق لجيل جديد من الأسلحة الدقيقة.
تدمج الصين الصواريخ الفرط صوتية ضمن استراتيجيتها "منع الوصول/منطقة محرمة" (A2/AD)، التي تهدف إلى ردع التدخل الأميركي في نزاعات محتملة، خاصة في بحر الصين الجنوبي أو تايوان.
الولايات المتحدة: استعادة الزخم
بعد تأخرها في السباق، تعمل الولايات المتحدة على استعادة موقعها، يُعد سلاح الاستجابة السريعة المحمول جواً (ARRW)، الذي طورته شركة لوكهيد مارتن، أحد البرامج الرائدة، إذ يهدف إلى تحقيق سرعات تفوق ماخ 20. ورغم التأخيرات في الاختبارات، يبقى البرنامج أولوية لدى المخططين العسكريين.
من جانب آخر، يمثل مشروع "الضربة الفورية التقليدية" (CPS) خطوة رئيسية، حيث يُخطط لاستخدامه على مدمرات "زوموالت" وغواصات "فيرجينيا". يهدف هذا البرنامج إلى توفير قدرة على ضرب أي هدف حول العالم في غضون دقائق. بالإضافة إلى ذلك، يعمل برنامج "التعزيز التكتيكي الانزلاقي" (TBG)، التابع لوكالة DARPA، على تطوير أنظمة فرط صوتية لاستخدامات تكتيكية وعملياتية.
رغم أهمية الصواريخ الفرط صوتية لتحقيق التوازن الاستراتيجي، تواجه الولايات المتحدة تحديات تتعلق بالتكاليف الباهظة والصعوبات التقنية، مما أدى إلى تباطؤ وتيرة التطوير مقارنة بروسيا والصين.
حلف الناتو: مواجهة التحديات الجديدة
تعمل دول الناتو على تطوير دفاعات فعالة لمواجهة الصواريخ الفرط صوتية التي تتجاوز فعالية الأنظمة التقليدية. تتضمن هذه الجهود تحسين أنظمة الإنذار المبكر باستخدام مستشعرات فضائية قادرة على تتبع التهديدات المتحركة بسرعات عالية.
الأسلحة الموجهة بالطاقة
تبرز الأسلحة الموجهة بالطاقة، مثل الليزر عالي الطاقة، كأحد الحلول الواعدة لاعتراض الصواريخ خلال مرحلة انزلاقها. تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون لنشر هذه التكنولوجيا بحلول أواخر العقد الجاري.
اعتراض الصواريخ خلال مرحلة الانزلاق
يمثل برنامج "معترض المرحلة الانزلاقية" (GPI) أحد الحلول المتقدمة لاعتراض الصواريخ الفرط صوتية خلال مرحلتها الأكثر ضعفاً، يعتمد هذا البرنامج على مستشعرات متطورة وأنظمة دفع محسنة لاستهداف التهديدات في وقتها المناسب. سيُدمج هذا النظام مع منصات الدفاع الموجودة، مثل نظام "إيجيس".
السباق نحو السرعة: الآثار الاستراتيجية
يعكس سباق الصواريخ الفرط صوتية صراعاً أوسع للهيمنة العسكرية في عالم متعدد الأقطاب، رغم السرعة والدقة التي توفرها هذه الأسلحة، فإنها تزيد من خطر سوء التقدير والتصعيد في النزاعات.