دعوات إلى إعادة تشكيل الكرة الأرضية، بعيداً عن القبضة الأميركية القاتلة. / نبيه البرجي
مقالات
دعوات إلى إعادة تشكيل الكرة الأرضية، بعيداً عن القبضة الأميركية القاتلة. / نبيه البرجي
30 حزيران 2019 , 07:46 ص

لا، ليست بالإمبراطورية التي لا تنكسر. انكسرت في خليج الخنازير، وانكسرت على ضفاف الميكونغ. ما الذي حدث، أخيراً، في بحر عمان سوى التراجع اللولبي من أرض المعركة، بعد تلك الساعات الدونكيشوتية الطويلة؟<

لا، ليست بالإمبراطورية التي لا تنكسر. انكسرت في خليج الخنازير، وانكسرت على ضفاف الميكونغ. ما الذي حدث، أخيراً، في بحر عمان سوى التراجع اللولبي من أرض المعركة، بعد تلك الساعات الدونكيشوتية الطويلة؟
الإسرائيليون شعروا بالصدمة. العرب (المستعربة) أذهلتهم الصدمة بعدما راهنوا على المهرج في أن يقلب المعادلات الجيوستراتيجية في الشرق الأوسط رأساً على عقب. على الرغم من كل ما حدث لم يتخلوا، لحظة، عن حضورهم البائس. الحجارة (الحجارة الناطقة) على رقعة الشطرنج.
الماضون في صفقة القرن. حجتهم أنه لا بد من اختراق المراوحة الراهنة بالقفازات الحريرية، أي بالأيدي المقطوعة، لا الأيدي التي تحمل الحجارة، ولا الأيدي التي تحمل السكاكين، ولا الأيدي التي تحمل البنادق.
ندرك كيف يفكر الذين وضعوا ذلك السيناريو. فقط لحماية إسرائيل من الاحتمالات العاصفة التي تتفاعل في البنية «الجيولوجية» للمنطقة.
الدبلوماسي الأميركي المخضرم ريتشارد هاس لاحظ أن الشرق الأوسط مقبل على سلسلة من الزلازل إذا لم تعد الولايات المتحدة النظر في سياساتها، وفي إستراتيجيتها، البعيدة، كلياً، عن الجدلية التاريخية، وعن الجدلية السيكولوجية، للمجتمعات العربية.
بعد سبعة عقود، وأكثر، من تلك التراجيديا، عثر يهود القرون الوسطى، وعرب القرون الوسطى، على الحل. تغطية الدم المعذب، التاريخ المعذب، الأرض المعذبة، بمليارات الدولارات. قلنا لا خجل. أين الخجل حين تتحول القضية الكبرى، كما أي شركة كبرى، إلى صكوك مالية في أروقة وول ستريت، وعلى شاشات وول ستريت؟
الذين أعدوا السيناريو لم يأخذوا بالاعتبار حقوق الفلسطينيين، ولا مفاهيم السيادة لدى الدول المضيفة.
للاجئين. ما يعنيهم إقامة كونفديرالية (أجل كونفديرالية) على غرار ما اقترحه شمعون بيريس وغيره، بين الدماغ الإسرائيلي الضارب في أقاصي المحافل الكبرى، والمال العربي الضارب في أقاصي المضارب القبلية.
السكين في ظهورنا جميعاً. القنبلة في ظهورنا جميعاً. لكن الأرض إياها قالت «لا»، وقبل أن يقول أهل الأرض «لا». غريب أمر أولئك العرب (المستعربة) حين يقارنون بين من يتقيأ المال ومن يتقيأ الدم. الأرض هنا التي تتقيأ الدم. الناس هنا الذين يتقيؤون الدم.
اليوت أبرامز قالها علناً. الصفقة لإقامة إسرائيل الكبرى من ضفاف المتوسط إلى ضفاف الخليج. تلك الحالة تضمن للولايات المتحدة وضع يدها إلى الأبد على النفط والغاز. السلاح القاتل في صراع القرن بين الإمبراطورية الأميركية والإمبراطورية الصينية.
هذا الرجل، وشركاؤه، في «الحلم الإسرائيلي»، وعلى غرار «الحلم الأميركي»، لم يلتفتوا إلى نصيحة أرون ميلر بالكف عن «محاولات تمرير الثيران الهائجة من… ثقب الباب».
لاحظ كيف أن دونالد ترامب الذي انتقد فلسفة باراك أوباما في «القيادة من الخلف»، يتسلل إلى «الأزمات الجريحة» من الأبواب الخلفية.
الذين ذهبوا على الكراسي المتحركة (وعلى شاكلة الرسوم المتحركة) إلى المنامة، لم يقرؤوا ما كتب في الولايات المتحدة حول «نقاط الضعف» التي ظهرت، في الأيام الأخيرة، فوق مياه الخليج. حطام الطائرة الذي بدا كما لو أنه حطام إمبرطورية تدارِ بأصابع المشعوذ.
التراجع اللولبي، كوجه من وجوه الإستراتيجية اللولبية. في أوروبا كلام عن الساعات التي ترنح فيها دونالد ترامب. عن تحولات محتملة للحد من الاستقطاب الأحادي. دعوات إلى إعادة تشكيل الكرة الأرضية، بعيداً عن القبضة الأميركية، القبضة القاتلة.
الرئيس الأميركي لم يوقظ «أميركا العظمى». أيقظ كل الذين هالهم الجنون الأميركي. ها هم يرفعون الصوت: إعادة تشكيل الكرة الأرضية.

المصدر: