أثار تصويت في البرلمان الألماني (البوندستاغ) مخاوف من انهيار "الجدار الناري" الذي يفترض أن يفصل بين الأحزاب السياسية الرئيسية وحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، اليميني المتطرف، حتى الآن كانت أكبر الأحزاب الألمانية، بما في ذلك اتحاد الأحزاب المسيحية الديمقراطية (CDU/CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، تستبعد أي شكل من أشكال التعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا، وكان فريدريش ميرتس، زعيم حزب CDU والمرشح الأكثر ترجيحا لمنصب المستشار بعد الانتخابات المقررة في 23 فبراير، قد صرّح سابقًا بأن القرارات في البوندستاغ لا يجب أن تُمرر إذا كانت تعتمد على أصوات حزب AfD.
وعلى الرغم من أن التزام ميرتس بـ"الجدار الناري" كان يتراجع أحيانا في بعض المقابلات، إلا أن حزبه CDU قاوم أي إغراء للتعاون مع حزب AfD على المستوى الوطني أو في برلمانات الولايات، هناك بعض التعاون على المستوى المحلي، ولكن باستثناء تصويت على الضرائب المحلية في تورينغن عام 2023، تجنبت الأحزاب الرئيسية أي تلميح للتعاون على مستوى الولاية أو الدولة.
لكن هذا الوضع تغير الآن، على ما يبدو، استجابةً لاستطلاعات الرأي الواعدة لحزب AfD قبل الانتخابات المقررة في 23 فبراير، تحول حزب CDU بشكل كبير إلى اليمين في سياسة الهجرة، قدم ميرتس خطة من خمس نقاط في البوندستاغ تقترح تشديدا كبيرا على نظام الهجرة الألماني.
ومن بين أكثر المقترحات إثارة للجدل، إعادة فرض ضوابط الحدود على الحدود الألمانية وطرد المهاجرين الذين لا يحملون تصاريح إقامة في ألمانيا، هذه الإجراءات ستكون محل شك، على أقل تقدير، من حيث توافقها مع القانون الأوروبي.
وأوضح ميرتس أنه سيطرح هذه الخطة للتصويت، حتى لو كانت ستمر فقط بدعم حزب AfD، وهذا ما حدث بالفعل، حيث تمت الموافقة على الخطة بأغلبية 348 صوتًا مقابل 345، صوت حزبا CDU وCSU لصالح الخطة، إلى جانب حزب AfD والحزب الديمقراطي الحر (FDP)، باستثناء عدد قليل من المتمردين. بينما صوت كل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) وحزب الخضر والحزب اليساري ضد الخطة، وامتنع تحالف "سارة فاجنكنشت" اليساري المناهض للهجرة عن التصويت.
لم يكن هذا التصويت ملزما، لكن ميرتس يمكنه الآن المطالبة ببدء عملية أكثر رسمية لتحويل خطته الخماسية إلى قانون، كما أن هذا التصويت يحمل دلالة رمزية قوية.
رد الفعل: من الفرح إلى الغضب
كان حزب AfD مبتهجا، واصفا التصويت بأنه "نقطة تحول" (Zeitenwende) في سياسة الهجرة، واحتفل الحزب بـ"سقوط الجدار الناري" ووصف اليوم بأنه "يوم عظيم للديمقراطية"، من ناحية أخرى كان الحزبان الاشتراكي الديمقراطي والخضر في حالة غضب، حيث اتهم المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتز ميرتس بكسر وعده والانحراف عن تقاليد المستشارين السابقين، من كونراد أديناور إلى أنغيلا ميركل، بالاعتماد على أصوات اليمين المتطرف، وقد أكدت ميركل لاحقا وجهة نظر شولتز من خلال انتقادها لخطوة ميرتس.
وصف حزب الخضر اليوم بأنه "يوم مظلم لديمقراطيتنا"، بينما نادى أحد نواب الحزب اليساري بـ"التوجه إلى المتاريس"، واندلعت بعض المظاهرات العفوية في أنحاء البلاد، من جانبه قال ميرتس إنه "يأسف" لأن التصويت كان ممكنا فقط بدعم حزب AfD، لكنه أضاف أن "فعل الشيء الصحيح لا يصبح خطأ عندما يصوت له أشخاص خاطئون – مثل حزب AfD".
الانتخابات المقبلة: استقطاب وغضب
جاء تغيير موقف ميرتس بشأن الهجرة وحزب AfD قبل أسابيع قليلة من الانتخابات التي بدأت بوتيرة بطيئة. لكن الحملة الانتخابية أصبحت فجأة مستقطبة وغاضبة من جميع الأطراف.
وتجري الانتخابات بسبب انهيار الائتلاف الحاكم المكون من ثلاثة أحزاب (الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الخضر، والحزب الديمقراطي الحر) في نوفمبر الماضي بسبب خلافات حول السياسة المالية. وأظهرت استطلاعات الرأي استقرارا نسبيا، مع تقدم حزبي CDU/CSU، ومع ذلك سيحتاج حزب ميرتس إلى شريك ائتلافي.
ويحتل حزب AfD باستمرار المركز الثاني في استطلاعات الرأي، لكن "الجدار الناري" سيحول دون تشكيل ائتلاف معه، وهذا يساعد في تفسير سبب حدة ردود الفعل على تصويت البوندستاغ. وبينما انهارت الحكومة بسبب خلافات حول الاقتصاد، حوّلت عدة حوادث طعن نفذها مهاجرون هذه الانتخابات إلى معركة حول الهجرة، في الواقع أصبحت قضايا الهجرة واللجوء والأمن في صدارة اهتمامات الناخبين.
مستقبل غير مؤكد
يتمتع حزب AfD بزخم كبير ويتباهى بدعم إيلون ماسك الصاخب، وقد تبنى الحزب برنامجا أكثر تشددا من ذي قبل، حيث اقترح "إعادة الهجرة" كسياسة – وهي عبارة مرمزة لإزالة المهاجرين القانونيين الذين لم يعودوا مرغوبين.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن ميرتس لم يعلن عن فتح الباب لتشكيل ائتلاف مع حزب AfD. وإذا تم تشكيل ائتلاف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي أو الخضر، فلن ينجو هذا الائتلاف إذا لجأ ميرتس إلى حزب AfD للحصول على الدعم في القضايا التي يختلف فيها مع شريك الائتلاف.
وحذّر شولتز من مخاطر تكرار أحداث مشابهة لما حدث في النمسا، حيث استبعد حزب ÖVP، الشقيق لـCDU/CSU، في البداية تشكيل حكومة مع حزب FPÖ اليميني المتطرف، لكنه غير موقفه عندما فشلت المفاوضات مع الأحزاب الرئيسية، ويصر ميرتس على أن هذا لن يحدث، لكن الناخبين المعتدلين في CDU/CSU قد يستمعون إلى تحذيرات شولتز ويبحثون عن بدائل.
تأثيرات أوسع: أوروبا على المحك
تسلط هذه الأحداث الضوء على النقاش الذي يدور بشكل متزايد في جميع أنحاء أوروبا: هل يتم إضعاف الأحزاب اليمينية المتطرفة إذا تم استيعاب مواقفها، إلى حد ما، من قبل التيار السياسي الرئيسي؟ أم أن هذا في الواقع يقويها ويشجعها؟
سيستمر هذا النقاش، لكن هناك عواقب أكثر إلحاحا في أعقاب تصويت البوندستاغ. ستنظر جيران ألمانيا إلى الوضع بقلق، سواء بسبب الأجواء السياسية المتوترة في أكبر دولة عضو في الاتحاد الأوروبي في وقت تشهد فيه ضغوطا جيوسياسية كبيرة، أو لأن تخلي ألمانيا عن القانون الأوروبي قد يؤدي إلى تفكك كامل.
تصويت البرلمان الألماني ليس مجرد حدث محلي، بل هو مؤشر على تحولات أوسع في المشهد السياسي الأوروبي، بينما يحتفل اليمين المتطرف بـ"نقطة تحول"، تظل التساؤلات قائمة حول مستقبل الديمقراطية الألمانية ودورها في قيادة الاتحاد الأوروبي في ظل تصاعد التحديات.



