انتشرت صورة التقطها قمر صناعي بسرعة على الإنترنت، حيث تظهر فيها بقعة مظلمة في وسط المحيط الهادئ، ما جعل الكثيرين يعتقدون أنها ثقب أسود أو حفرة عملاقة غامضة، وقد دفع هذا المشهد المثير للدهشة العديد من المستخدمين إلى التكهن بأنها قد تكون منشأة عسكرية سرية أو حتى ظاهرة خارقة للطبيعة.

ولكن، بعد الفحص العلمي للصورة، تبين أن هذا "الثقب الأسود" ليس إلا جزيرة صغيرة تُعرف باسم جزيرة فوستوك، وهي جزء من جمهورية كيريباتي، وتقع في جنوب المحيط الهادئ.

جزيرة فوستوك: قطعة من الطبيعة المعزولة

جزيرة فوستوك هي واحدة من العديد من الجزر المرجانية المفقودة في المحيط الهادئ، وتبلغ مساحتها 0.25 كيلومتر مربع فقط، وهي بعيدة عن أي قارة بمسافات شاسعة، مما يجعلها من أكثر الأماكن النائية على وجه الأرض.

لماذا تظهر جزيرة فوستوك كبقعة سوداء؟

ما يميز هذه الجزيرة هو غاباتها الكثيفة التي تتكون بالكامل من أشجار البيسونيا، والتي تنمو بشكل متشابك بحيث تحجب ضوء الشمس بالكامل، مما يجعل الجزيرة تبدو بقعة مظلمة عند التصوير من الفضاء، وهذا السبب هو ما أدى إلى اللبس واعتقاد البعض بأنها شيء غامض أو مخفي عن قصد.

جزيرة غير مأهولة ولكنها موطن للحياة البرية

رغم أن جزيرة فوستوك غير مأهولة بالبشر بسبب عدم توفر المياه العذبة وصعوبة التنقل داخلها، إلا أنها تشكل بيئة حيوية هامة للطيور حيث تُعد ملاذا لأنواع عديدة من الطيور البحرية، من بينها:

الفرقاطات (Fregata): نوع من الطيور البحرية الكبيرة ذات الأجنحة الطويلة.

طيور أخبل (Booby - Sula): طيور بحرية معروفة بحركاتها الديناميكية أثناء الطيران والصيد.

أنواع أخرى من الطيور التي تعتمد على الجزيرة كموطن آمن بعيد عن المفترسات البشرية.

دورة حياة فريدة للأشجار والطيور

تنتشر أشجار البيسونيا عن طريق البذور التي تلتصق بريش الطيور المهاجرة، مما يساعدها على الانتشار إلى جزر أخرى. لكن في بعض الأحيان، تكون هذه البذور لزجة جدا بحيث تعلق الطيور بها ولا تستطيع التحرر، مما يؤدي إلى نفوقها، ويمكن العثور على عظام هذه الطيور تحت الأشجار، ما يعكس تفاعلًا غريبًا بين الطبيعة والحياة البرية.

اكتشاف الجزيرة وعلاقتها بالمستكشفين

تم اكتشاف جزيرة فوستوك عام 1820 على يد المستكشف الروسي فادي بيلينسغاوزن، وهو ضابط ورسام خرائط خدم في البحرية الإمبراطورية الروسية. وقد كان أحد القادة في أول بعثة روسية حول العالم، كما لعب دورا هاما في اكتشاف القارة القطبية الجنوبية.

منذ ذلك الحين، لم تسكن الجزيرة أبدا بشكل دائم، مما ساعد في الحفاظ على طبيعتها البكر، بعيدا عن التلوث والتأثيرات البشرية. واليوم، تبقى الجزيرة مخفية عن الأنظار بفعل غاباتها الكثيفة، مما يجعلها تبدو وكأنها بقعة سوداء من الفضاء حتى عند رصدها من الأقمار الصناعية.

جزيرة فوستوك: سر الطبيعة الذي كشفه العلم

على الرغم من انتشار التكهنات حول "الثقب الأسود" الغامض في المحيط، فإن التفسير العلمي كان بسيطا: جزيرة نائية مغطاة بغابة كثيفة، حجبت الضوء وجعلتها تبدو كمكان غامض.

هذا الاكتشاف يذكرنا بأن الأرض لا تزال تخفي أماكن مجهولة تمامًا، وبعضها يبدو كما لو أنه خارج من قصص الخيال العلمي، ومع تقدم تقنيات التصوير والاستكشاف، قد تكشف لنا الطبيعة المزيد من الأسرار التي كانت غامضة لقرون.