تعد الرمال واحدة من أكثر الموارد الطبيعية استخراجا على كوكب الأرض، لكنها تبقى خطرا بيئيا صامتا لا يحظى بالاهتمام الكافي.
يحذر العلماء من أن التعدين المفرط للرمال يعيث فسادا في النظم البيئية البحرية ويزيد من تفاقم تآكل السواحل، مما قد يؤدي إلى عواقب كارثية إذا لم يتم فرض حوكمة أقوى وتنظيم أكثر صرامة.
الرمال: مورد حيوي أم تهديد بيئي؟
تُستخدم الرمال في كل جوانب الحياة الحديثة، من صناعة الخرسانة والزجاج إلى الإلكترونيات، ولكن الاستخراج غير المستدام لهذا المورد يدمر الموائل الطبيعية ويُفقد التنوع البيولوجي، مما يزيد من تعرض السواحل لتغير المناخ،
ويؤكد العلماء في دراسة نُشرت في مجلة One Earth على أن الرمال والحصى هما أكثر المواد الصلبة استخراجا على الكوكب، ومع ذلك، يتم التقليل من شأن تأثيرهما البيئي.
لماذا تعتبر الرمال أكثر أهمية مما نعتقد؟
يقول الدكتور جيانغو "جاك" ليو، رئيس قسم الاستدامة في جامعة ولاية ميشيغان:
"الرمال ليست مجرد مادة خام، بل هي أساس التنمية البشرية والطبيعية على حد سواء. إن استخراج الرمال يمثل تحديا عالميا معقدا، ويحتاج إلى استراتيجيات شاملة تكشف عن التأثيرات البيئية المخفية، ليس فقط في مواقع التعدين ولكن أيضا في مسارات النقل والاستخدامات النهائية."
تُعتبر الرمال عنصرا أساسيا في البناء والبنية التحتية، فهي مكون رئيسي في الخرسانة، والأسفلت، والزجاج، وحتى الإلكترونيات. ونظرا لوفرتها وسهولة استخراجها، يتم استغلالها دون ضوابط كافية.
تأثير التعدين غير المنظم للرمال
على عكس التعدين العميق في البحار أو استخراج المعادن النادرة، واللذين يحظيان باهتمام عالمي، فإن تعدين الرمال البحرية لا يزال مهملا إلى حد كبير.
رغم أن التجريف البحري للرمال يعد ثاني أكبر نشاط بشري في المناطق الساحلية بعد الصيد، إلا أن توفّر الرمال يُؤخذ كأمر مسلم به، مما يؤدي إلى آثار مدمرة، منها:
تآكل السواحل وتراجع الخطوط الساحلية.
تدمير الموائل البحرية، مما يؤثر على النظم البيئية والشعاب المرجانية.
انتشار الأنواع الغازية، مما يهدد التنوع البيولوجي.
الإضرار بمصائد الأسماك، حيث تؤدي عمليات التعدين إلى تعكر المياه وتراكم الرواسب التي تخنق الأعشاب البحرية والشعاب المرجانية.
تغيير أنماط الأمواج والتيارات البحرية، مما يؤدي إلى اضطراب النظم البيئية.
دور الرمال في تغير المناخ والحفاظ على البيئة
تُعتبر الرمال أكثر من مجرد مادة للبناء، فهي تحمي السواحل من التآكل وتدعم النظم البيئية البحرية.
توضح الدكتورة أورورا توريس، الباحثة في جامعة أليكانتي الإسبانية:
"يتم التعامل مع الرمال وكأنها مورد لا ينضب، لكنها في الحقيقة عنصر أساسي في استقرار النظم البيئية الساحلية. إن تعدين الرمال يؤثر على التكيف مع تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وتهديد سبل العيش."
ولهذا، يؤكد الباحثون على ضرورة دمج تنظيم تعدين الرمال ضمن سياسات بيئية أوسع نطاقًا، مثل:
المناطق البحرية المحمية.
استراتيجيات الكربون الأزرق (التي تعتمد على حماية النظم البيئية الساحلية لامتصاص الكربون).
خطط التكيف مع المناخ وتعزيز المرونة البيئية.
الإدارة الاستراتيجية للموارد الطبيعية لضمان استدامتها.
رفع مستوى الوعي بأزمة الرمال
سلط كل من أورورا توريس وجيانغو ليو الضوء على هذه الأزمة في عام 2017 في دراسة بعنوان "مأساة الرمال الوشيكة"، والآن في تعليق جديد بمجلة One Earth، يؤكد الباحثان أن تعدين الرمال يجب أن يحظى بنفس القدر من الاهتمام العالمي مثل الصيد والسياحة والاستزراع المائي.
تقول توريس:
"المفتاح الأساسي للتحرك هو جعل أزمة الرمال مرئية للعالم، وذلك من خلال تحسين جمع البيانات، وتعزيز الحوكمة، وربطها المباشر بالقضايا البيئية والاقتصادية الملحة. فكلما أصبحت آثار التعدين أكثر وضوحا وملموسة، زاد الضغط لاتخاذ تدابير أكثر مسؤولية."
وتحذر من أن استمرار استخراج الرمال بالقرب من المناطق الساحلية المأهولة قد يؤدي إلى تفاقم المخاطر المناخية، مما يزيد من التهديدات لحياة الإنسان.
تنظيم أقوى لتعدين الرمال قبل فوات الأوان
مع تفاقم هذه الأزمة البيئية، يطالب العلماء بضرورة إدراج الرمال ضمن أولويات السياسات البيئية العالمية، يجب على الحكومات والمجتمع الدولي:
فرض قوانين صارمة على استخراج الرمال لحماية السواحل والنظم البيئية البحرية.
تعزيز الشفافية في تجارة الرمال ومراقبة سلسلة التوريد العالمية.
الاستثمار في بدائل مستدامة للرمال في قطاع البناء والتشييد.
رفع مستوى الوعي العالمي حول مخاطر التعدين المفرط للرمال وتأثيره على تغير المناخ.
الرمال ليست مجرد مورد، بل أساس للحياة البيئية
بينما تستمر أزمة الرمال في التفاقم، يصبح من الضروري إعادة تقييم كيفية استخدامنا لهذه المادة الحيوية.
إن الاستخراج غير المنظم للرمال لا يهدد البيئات البحرية فحسب، بل يعرض مستقبل السواحل والبشر للخطر.
من خلال التنظيم القوي والوعي البيئي، يمكننا إدارة هذا المورد بشكل مستدام وحماية الطبيعة للأجيال القادمة.



