كتب الأستاذ حليم خاتون:
حقان فيدان، الوزير التركي الآتي من جهاز المخابرات يعلن الاستنفار العام للقوات المسلحة التركية...
صدّق بعض السذج ان حقان فيدان انتفض أخيرا بعد كل ما قامت به قوات العدو الإسرائيلي من انتهاكات واستباحة لكل شيء في سوريا...
لكن القليلون فقط هم من كان يعرف ان تهديد فيدان موجه إلى إيران حصرا بعد استنكار الأخيرة مجازر الجولاني المتنقلة، وان لا فيدان ولا اردوغان يجرآن على أي فعل ضد إسرائيل ومن يقف وراء إسرائيل...
وفق تسريبات الإعلامي نضال حمادة أن تركيا كانت التزمت أمام إيران وروسيا منع اية تعديات على الأقليات من حيث كونها الأب الروحي لكل التنظيمات التكفيرية التي تواجدت في سوريا ولبنا٠ن، والتي تحركت لاسقاط النظام في دمشق...
ظن الكثيرون أن تركيا التي تحوي اكثر من خمسة عشر مليون علوي لن تقبل بما قامت به عصابات الجولاني وشركائه، على الاقل خوفا من اهتزاز الوضع الداخلي في تركيا...
قلة فقط هم من يعرف ان كل الذي حدث والذي يحدث هو في الأساس من تدبير تركيا وحقان فيدان حصرا بإيعاز من أردوغان نفسه الذي لم يخف يوما إعجابه بالسلطان سليم المتهم برمي اكثر من مئة ألف علوي في البوسفور في حملته الإرهابية لاغتصاب السلطة من والده الذي كان يخاف من قوة بطشه وأراد تسليم الخلافة إلى أخيه غير الشقيق قبل ان يقوم سليم بعزله ومنعه من اي حراسة ملكية...
يتساءل البعض عن موقف تركيا في إسقاط الدولة السورية بنوع من الاستغراب...
كيف أمكن لتركيا أن تدخل في الخطة الأميركية الاسرائيلية لاسقاط سوريا؟
كيف استطاع إردوغان الجمع بين مساندة حركة حماس ضد إسرائيل كلامها على الأقل ثم قام باسقاط الدولة في سوريا الذي انتهى بتحقيق إسرائيل لاغلى أمانيها في إسقاط اهم دول الطوق حول رقبتها...
لقد حاول أردوغان مطولا الوصول إلى أهدافه دون إسقاط بشار الأسد كي يتجنب التزاوج مع الخطة الإسرائيلية في اجتياح سوريا...
لكن بشار لم يترك له مخرجا بعد أن رفض كل الضغوط الروسية والايرانية التي حاولت الوصول إلى حل وسط كان أردوغان يتمناه قبل تجرع سم المشي في الخطة الأميركية الإسرائيلية...
راهن بشار على صعوبة اتخاذ قرار أردوغان لهذا القرار بإسقاط النظام لما في ذلك من تداعيات وظهور الوجه الحقيقي للاردوغانية التي لطاما اتهمها رئيس أردوغان الروحي ومؤسس الحركة الإسلامية في تركيا نجم الدين ارباكان بالعمالة لل CIA...
في حقيقة الأمر، ما كان لاردوغان أن يمشي بالمشروع الأميركي الاسرائيلي لولا التأكد من أن الروس قد مشوا هم أيضا، وإن إيران بقيت وحدها في عزلة؛
خاصة ان حماقة بشار الأسد الذي كان قد سلم كل الأمور إلى الروس، كان قد قام بطرد الإيرانيين من حلب، وعزل اكثر الضباط الكبار الذين أعادوا معظم سوريا إلى حضن الدولة السورية بعد أن خاف من التفاف الجيش حولهم...
قام بشار بحفر قبره بيده...
فهم أردوغان أن بشار يراهن على دقة موقفه فاتفق مع الروس على قبول العرض الأميركي الذي قام مستشار نتنياهو رون دريبر بتسويقه والذي يقوم على تقديم أوكرانيا لروسيا وخروج بوتين بصورة انتصار، وتقديم حزب العمال الكردستاني على طبق من فضة إلى تركيا وهذا ما تحقق بإعلان عبدالله أوجلان رمي التمرد الكردي في تركيا للسلاح والانتقال إلى "النضال السلمي"...
لكن حسابات الحقل لم تتناسب مع حسابات البيدر عند إردوغان...
ما أن خرج بشار الأسد مخفورا من دمشق إلى حميميم ومن هناك إلى روسيا، وبمجرد بدء وصول "موتوسيكلات" حيوانات الجولاني إلى دمشق ضربت إسرائيل ضربتها...
قام الطيران الإسرائيلي بالف طلعة جوية على مدار ثلاثة أيام قام خلالها بتدمير كل مقدرات الجيش السوري وحرم بذلك أردوغان من أسلحة وذخائر تزيد قيمتها المادية على عشرات المليارات من الدولار... كان أردوغان يحلم باستخدامها لبناء جيش قوي من حيوانات التكفير تستطيع منع تقسيم سوريا وتجعل من هذا البلد بلدا قويا تابعا لاردوغان يفاوض به الأميركيين من اجل حصة أكبر في إدارة الشرق الأوسط...
وقفت تركيا عارية أمام فلسطين...
رغم بعض الحمير من العرب عامة والفلسطينيين واللبنانيين خاصة، ظهر بوضوح أن المستفيد الأول الاساسي والأخير من إسقاط الدولة السورية هي إسرائيل وإن جل ما تستطيع تركيا الحصول عليه هو إدلب وجزء صغير من الشمال حيث توسعت سيطرة قسد الكردية لتشمل حتى حلب وتمنع الأتراك من الحديث عن تبعية هذه المدينة إلى تركيا كما كان يروج القوميون الأتراك...
رغم المديح الغبي الذي وصل مثلا مع ابنة الشهيد هنية إلى مباركة الشعب السوري بما تحقق والتوق أن يصل "التحرير!!" إلى فلسطين كما حصل في سوريا!!!!
كانت كل غارة إسرائيلية، وكل تقدم اسرائيلي في الأراضي السورية يشكل صفعة إلى تركيا والى وجه إردوغان بالذات...
وقفت تركيا عاجزة عن فعل أي شيء مقابل التقدم الإسرائيلي الذي وصل إلى مشارف دمشق...
كان لا بد من اللجوء إلى أمور تلهي الناس عن هذا العجز التركي وتعمل على شد عصب سلطة الكرافات الجديدة بعد تشذيب اللحى...
أسهل أمر لشد العصب في جماهير مؤلفة من الجهلة والحمير يكون طبعا بالعصبية الطائفية...
في سوريا ثلاث اقليات كبرى مع جماعات صغيرة أخرى...
بدأت المجازر أول ما بدأت بالشيعة الذين لا يشكلون اكثر من بضعة آلاف من الجماعات المشرذمة المتواجدة في مناطق متباعدة...
بسبب قلة عدد الشيعة في سوريا مرت هذه المجازر بتأثير قليل جدا؛
لكن سرعان ما امتدت الشرارة إلى المسيحيين رغم عدم رغبة تركيا بذلك خوفا من أميركا وأوروبا...
فعلا تم تطويق الحيوانية المعادية للمسيحيين، لكن فقط لتنطلق هذه الحيوانية ضد الموحدين الدروز...
هنا انتزعت إسرائيل المبادرة من أيدي حقان فيدان وقامت بتوجيه إنذار إلى حيوانات الجولاني من التحرك في كامل الجنوب السوري قبل أن تقرر وضع الدروز داخل دائرة الحماية الصهيونية بمشاركة مع شيخ عقل الدروز في فلسطين أمين طريف...
لم يبق أمام الوزير التركي فيدان إلا العلويين...
هؤلاء يشكلون اكثر من عشرة في المئة من الشعب السوري ويحاذون منطقة هاتاي (الاسكندرون) ومن السهل قمعهم كما تم قمع اهل الاسكندرون قبلهم...
لا يحتاج قيام حملة مجازر ضد العلويين إلى اكثر من افتعال بضعة كمائن لا وزن لها في الميدان العسكري...
كان كل شيء مدبرا باستحكام...
ذهب بعض حيوانات الجولاني ضحية الخطة التركية التي تهدف إلى أمرين:
أولا إبعاد الأنظار عما يحدث في الجنوب السوري وما يشكله هذا من إحراج لتركيا التي ظهرت بصورة هزيلة أمام اسرائيل...
ثانيا، هذه الكمائن كفيلة بشد عصب حمير كافة الجماعات التكفيرية التي هبت من كل صوب لتفرغ حقدها ضد ضعاف العلويين من أطفال ونساء وشيوخ ومدنيين لا ناقة لهم ولا جمل، وتنتقم بهذا أيضا من شعور العجز الذي تملكها هي ايضا أمام المخطط الإسرائيلي الأميركي...
صحيح ان السلفية التكفيرية لم تنقطع يوما عن خدمة أميركا وأهداف أميركا منذ أفغانستان مرورا بالبلقان ووصولا إلى الربيع العربي الذي أسقط سوريا وليبيا وكاد يسقط مصر خدمة لإسرائيل...
لكن السلفيين من اهل التكفير، ورغم كرههم لفلسطين والفلسطينيين كما ظهر من مواقفهم ضد طوفان الأقصى شعروا ببعض الإهانة من وضوح صورة خدمتهم مباشرة او غير مباشرة لل"يهود" ضد السُنّة في فلسطين...
حتى متى يستطيع أردوغان الكذب؟
حتى متى يستطيع الجولاني وحميره الضحك على الناس مع كل ما تقوم به وما قامت به إسرائيل؟
المشكلة ان ظاهرة الاستحمار لا تقتصر على التكفيريين فقط في عالمنا العربي او الإسلامي...
أغلبية هذين العالمين دخلت بجدارة في دائرة الاستحمار الدولي؛
آخر هؤلاء حمير لبنان في الشمال وفي وادي خالد من المجنسين الجدد...



