يحتضن منتزه فيرونغا الوطني في أعماق الوادي المتصدع العظيم في إفريقيا مجموعة من أكثر البراكين نشاطا في القارة، وعلى رأسها البركان الهائل نيامولاغيرا، يُعرف هذا البركان الدرعي بسجله الحافل من الثورانات العنيفة، التي يغذيها النشاط التكتوني المستمر في شرق إفريقيا.
في أوائل عام 2025، كشفت صورة نادرة التقطتها الأقمار الصناعية عن تدفق جديد للحمم البركانية، يجتاح التضاريس الوعرة، ليؤكد الطبيعة الديناميكية والمتغيرة باستمرار لهذا العملاق البركاني.
عظمة البراكين في الوادي المتصدع العظيم
يُعد منتزه فيرونغا الوطني، الواقع في قلب الوادي المتصدع العظيم بإفريقيا، موطنا للحياة البرية المتنوعة وسلسلة من البراكين النشطة، ومن بين هذه البراكين، يبرز نيامولاغيرا وجاره نيراغونغو، حيث يُسهمان في 40% من إجمالي الثورانات البركانية المسجلة في إفريقيا، تنبع هذه الأنشطة البركانية من حركة الصفائح التكتونية في شرق إفريقيا، مما يسمح للماغما بالوصول إلى السطح.
يُعد رصد نيامولاغيرا من الفضاء أمرا صعبا بسبب الغطاء السحابي الكثيف الذي يغطيه عادةً، ومع ذلك أتاح انقشاع الغيوم في أوائل عام 2025 فرصة نادرة لرصد البركان أثناء ثورانه، في 20 فبراير التقط جهاز التصوير التشغيلي (OLI) على متن القمر الصناعي "لاندسات 8" صورة مذهلة للبركان، حيث تم تعزيز الألوان الطبيعية باستخدام بيانات الأشعة تحت الحمراء لتسليط الضوء على الحرارة الشديدة للحمم البركانية.
تتبع مسار الحمم البركانية
في الصور الفضائية، تظهر الحمم الأحدث بلون أكثر قتامة، ويمكن رؤية عدة تدفقات من الصخور المنصهرة تمتد باتجاه الغرب من فوهة البركان، بينما يتحرك تدفق آخر نحو الشمال الغربي، كما تشير إشارات الحرارة إلى وجود بحيرة حمم نشطة داخل الفوهة، مع ظهور بقعة حرارية أخرى عند نهاية تدفق الحمم المتجه إلى الجنوب الغربي، على بعد حوالي 3.3 كيلومترات من الحافة الغربية للفوهة.
شهد بركان نيامولاغيرا أكثر من 40 ثورانا منذ أواخر القرن التاسع عشر. وكان أحد أكثر هذه الثورانات قوة في عام 1938، عندما تدفقت بحيرة الحمم من الفوهة التي يبلغ عرضها كيلومترين، كما يمكن أن تتسرب الحمم البركانية من الشقوق المنتشرة على جوانب البركان الواسعة، وقد وصلت التدفقات الحديثة إلى بحيرة كيفو، إحدى البحيرات العظمى الإفريقية، والتي تبعد حوالي 25 كيلومترا جنوب قمة البركان، وعلى الرغم من نشاط نيامولاغيرا، إلا أن ثورانات البركان المجاور نيراغونغو تسببت تاريخيا في أضرار أكبر للبشر والممتلكات، ومن أبرز هذه الأحداث، ثوران نيراغونغو في يناير 2002، الذي أطلق تدفقات بركانية سريعة اجتاحت مدينة غوما، مما أثر على مئات الآلاف من السكان.
تصاعد النشاط البركاني في السنوات الأخيرة
في أحدث فترات الثوران لبركان نيامولاغيرا، كشفت صور الأقمار الصناعية في يوليو 2024 عن تدفق الحمم خارج الفوهة، متجهة نحو منحدرات الجبل، واستمرت الثورانات الهادئة خلال الأشهر اللاحقة، بينما كانت انبعاثات الغازات البركانية والرماد كبيرة في بعض الأوقات، وفي أواخر أكتوبر 2024، رفع مركز استشارات الرماد البركاني (VAAC) في تولوز رمز الطيران إلى اللون الأحمر، وهو أعلى مستوى تحذيري، وقد أُبلغ عن سحابة من الرماد ارتفعت إلى 4 كيلومترات في الهواء، بينما أظهرت مستشعرات الأقمار الصناعية ارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكبريت لمسافات امتدت لمئات الكيلومترات بعيدا عن البركان.



