تحويل انبعاثات المصانع إلى وقود ومنتجات يومية بطاقة الرياح
علوم و تكنولوجيا
تحويل انبعاثات المصانع إلى وقود ومنتجات يومية بطاقة الرياح
15 آذار 2025 , 05:07 ص

لطالما وُجّهت أصابع الاتهام إلى الصناعات كونها أحد العوامل الرئيسية في تغير المناخ، ولكن ماذا لو كان بالإمكان تحويل انبعاثاتها إلى شيء مفيد؟ يعمل العلماء حاليا على تطوير تقنيات جديدة لإعادة استخدام الغازات الصناعية المهدرة وتحويلها إلى منتجات أساسية مثل الشامبو والمنظفات وحتى الوقود.

أجرت جامعة "سري" دراسة رائدة بقيادة البروفيسور جوما سادوكان، بالمشاركة مع البروفيسور جين شوان، كشفت عن الفوائد البيئية الهائلة لتحويل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO₂) إلى مكونات كيميائية قيّمة تُستخدم في المنتجات الاستهلاكية.

إعادة تدوير الغازات الصناعية إلى منتجات استهلاكية

لأول مرة، قام الباحثون بإجراء تقييم شامل لدورة حياة تحويل الغازات المهدرة من مصانع الفولاذ والورق إلى مواد سطحية (Surfactants)، وهي مكونات رئيسية في العديد من المنتجات اليومية.

تعتمد التقنية الجديدة على إعادة استخدام ثاني أكسيد الكربون الناتج عن المصانع بدلاً من إطلاقه في الغلاف الجوي، مما يسهم في تقليل التلوث ويعزز مفهوم "الاقتصاد الدائري للكربون".

من التلوث إلى الإنتاج: كيف تعمل التقنية الجديدة؟

طوّر الباحثون عملية لإنتاج مركب كحول إيثوكسيليت (AE7)، وهو مكون أساسي في المنظفات السائلة، إلى جانب إنتاج وقود منخفض ومتوسط التقطير، عادةً يُصنع AE7 من مواد قائمة على الوقود الأحفوري أو مواد حيوية جزئيا، لكن هذه الطريقة الجديدة تعيد استخدام CO₂ المنبعث من مصانع الورق والصلب.

تعتمد العملية على تقنية "فيشر-تروبش" (Fischer-Tropsch - FT)، حيث يُحوَّل ثاني أكسيد الكربون إلى غاز التخليق (Syngas)، والذي يُعالَج لاحقا لإنتاج الألكانات، ثم يُحوَّل في النهاية إلى AE7.

تتميّز هذه الطريقة بأنها توفر بديلاً مستداما لطرق إنتاج المواد السطحية التقليدية، مع إنتاج وقود كمنتج ثانوي قيّم.

كفاءة الإنتاج وتأثيره البيئي

كشفت الدراسة أن كفاءة الإنتاج تختلف بين الصناعتين:

غازات المصانع الورقية تحقق إنتاجية بنسبة 3.7% لـ AE7 و3.4% للوقود.

غازات صناعة الفولاذ تحقق إنتاجية أعلى بنسبة 8.0% لـ AE7 و9.5% للوقود.

أظهرت تقييمات دورة الحياة أن المنتجات القائمة على ثاني أكسيد الكربون تُقدّم فوائد بيئية كبيرة.

استخدام طاقة الرياح لضمان الاستدامة

تعتمد العملية على طاقة الرياح لتشغيل التفاعلات الكيميائية، مما يمنع الحاجة إلى استخدام الوقود الأحفوري ويضمن أن الفوائد البيئية لا يتم تعويضها بانبعاثات إضافية.

يستهلك النظام 13.4 كيلوواط/ساعة لكل كيلوجرام من غازات مصانع الورق و33.3 كيلوواط/ساعة لكل كيلوجرام من غازات مصانع الفولاذ، مما يضمن تقليل الأثر البيئي للعملية.

وفقا للدراسة، فإن هذه التقنية يمكنها أن تقلل من إمكانية حدوث الاحتباس الحراري بنسبة 82% في مصانع الورق ونحو 50% في صناعة الفولاذ، مقارنة بطرق الإنتاج التقليدية القائمة على الوقود الأحفوري.

تحديات التكلفة وإمدادات الهيدروجين

على الرغم من الفوائد البيئية الواضحة، تواجه التقنية الجديدة تحديات كبيرة، من أبرزها:

تكاليف الإنتاج المرتفعة، حيث تبيّن أن تكلفة التقاط CO₂ تصل إلى 8 دولارات للكيلوجرام، مقارنةً بـ 3.75 دولارات للكيلوجرام للمواد الأحفورية.

نقص إمدادات الهيدروجين، وهو عنصر أساسي لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى مواد سطحية.

كثافة استهلاك الطاقة، ما يستلزم استثمارات كبيرة في البنية التحتية للطاقة المتجددة لجعل هذه التقنية قابلة للتطبيق على نطاق واسع.

 نحو اقتصاد دائري منخفض الكربون

يؤكد الخبراء أن هذا الابتكار ليس مجرد وسيلة لتقليل الانبعاثات، بل هو خطوة نحو إنشاء اقتصاد دائري للكربون، حيث تتحول المخلفات الصناعية إلى مواد مفيدة بدلاً من أن تكون عبئا بيئيا.

وقال البروفيسور شي، عميد البحوث والابتكار في جامعة "سري":

 "نتائجنا تُظهر أن ثاني أكسيد الكربون المُهدَر يمكن أن يكون جزءًا من الحل، وليس المشكلة. نحن لا نهدف فقط إلى خفض الانبعاثات، بل نسعى إلى بناء نظام إنتاج مستدام يعتمد على إعادة التدوير."

إذا تم التغلب على العقبات التقنية والاقتصادية، فقد تكون هذه التقنية نقطة تحول في كيفية تعامل الصناعات مع انبعاثاتها، مما يسهم في تقليل التأثير البيئي للصناعات الثقيلة وتعزيز الاستدامة العالمية.