لماذا يتم تزييف الوعي الجمعي الأردني خاصة والعربي عامة, بتاريخ وحضارة الأردن؟
مقالات
لماذا يتم تزييف الوعي الجمعي الأردني خاصة والعربي عامة, بتاريخ وحضارة الأردن؟
جورج حدادين
17 آذار 2025 , 22:45 م



جورج حدادين

شكلت الأردن عبر التاريخ عقدة جيوسياسية المنطقة، ففي العصور القديمة ، حيث تتوسط بين بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة، وما بين الجزيرة العربية وبلاد الشام، وتقاطع خطوط المواصلات التجارية بين هذه الإمبراطوريات، كما وشكلت الخط الأمامي بتاريخ الفتوحات الاسلامية، ولذلك أطلق عليها " أرض الحشد والرباط "

معظم الصحابة استشهدوا فوق ترابها، وحادثت التحكيم " بين معاوية وعلى " حصلت على جبل التحكيم بين معان والشوبك، ومن الحميمة جنوب الأردن انطلق العباسيون للإستيلاء على السلطة من الأمويين،

وفي العصر الحديث القرن العشرين، مؤتمر القاهرة أذار عام 1921 ، اخرجت الأردن من وعد بلفور ( الوطن القومي لليهود )، لوعي المخططين والاستراتجيين الأنجليز لأهميتها الاستراتيجية في هذه المنطقة، أهمية وظيفة مستقبلية ضمن مخطط معد مسبقاً:

" منطقة وظيفتها محددة، اسكان مهجرين مستقبلاً جراء حروب داخلية وخارجية أعدت مخطاطتها مسبقاً " حيث سيتم تهجير قسري للفلسطينيين أنفذ عام 1948، ومن ثم مهجري حرب 67، ثم مهجري الحرب الأهلية اللبنانية، وتبعها مهجري حرب الأخوان المسلميين مع النظام السوري عام 1982-1983 ، وتبعها مهجري احتلال القوات الأمريكية للعراق، وحتى مهجري البسنة والهرسك، والعدوان على سوريا بدأ بعام 2011 حيث حجم تهجير هائل، كل هؤلاء المهجرين حشروا على الأرض الأردنية،

ويبدو أن مهجري الضفة والقطاع سيكون على هذه الأرض، رغم كل النفي والصراخ ، قالها ترامب " سوف يقبلون"

ومن أجل هذه الوظيفة ( منطقة اسكان ) تم استيلاد دولة تابعة، غير مستفلة لا تمتلك قرارها السيادي، ولا يسمح لها بناء دولة حديثة تستند الى مبدأ فصل السلطات، بل مكّنت السلطة التنفذية من الهيمنة على كافة السلطات الأخرى، قانون يفرض على البلد ليستمر بالقوة الناعمة، ومن ضمنها إحتواء مايسمى قوى المعارضة،

هذا المعطى والحقيقة، تكشف سذاجة التحرفيين والاصلاحيين، بتبنيها مشاريع الاصلاح والتغيير من الداخل.

ومن أجل تأبيد الوظيفة تم حجز تطورها الطبيعي، من خلال حجز استثمار ثرواتها الطبيعية الهائلة ومقدراتها الوطنية، ومن استثمار العناصر النادرة التي تبلغ حوالي 51 عنصر، والتي تعتمد عليها الصناعات الحديثة،

ومعركة ترامب حول العناصر النادرة في أوكرانيا ، التي تبلغ 21 عنصراً، معلن، وخير دليل.

منع استثمار ثروات تتحول الى خيرات تعم الدولة والمجتمع، تشكل أحد أدوات ضمان التبعية، وشراء النخب ، وصناعة القبول وثقافة القطيع، وتشكيل شريحة كمبرادورية تصبح صاحبة قرار بالوكالة، جميعها أدوات لضمان التبعية.

فرض على البلاد اعتماد المنح الأجنبية والقروض الميسرة لإدارة شؤون الدولة والمجتمع، وفرض عليها قانون أخر ، نسبة التصدير الى الاستيراد 3:1 حيث يتم ضمان عجز ميزانيات يتراكم، ديون تتراكم ( القاتل الاقتصادي ) مما يفرض على الدولة والمجتمع الإعتماد على المساعدات الخارجي، حالة الخضوع للإملاءات الخارجية " من يدفع للزمار يحدد اللحن "

وتم حجز أندماج مجاميع ما قبل الدولة الحديثة، لتشكل مجتمع موحد مندمج، وما زال الخطاب الرسمي يتكلم عن " كافة المنابت والأصول " سائدا الى اليوم.

إثارة الحروب الأهلية في هذه المنطقة مخطط مسبق والحاجة لمنطقة اسكان مخطط مسبق، وكان خيار الأردن لتأدية هذا الدور تصور مسبق.

الى السذج والقطيع، الى مهوسي المذهبية والطائفية، اصحوا هذا مخطط قديم حديث، يستهدف ثرواتكم ومقدراتكم وحضارتكم ، وحاضركم ومستقبل أبنائكم وبناتكم.

المخطط الذي أعتمد مع بدء القرن العشرين ( 1902 ) الفوضى الخلاقة ( الحروب الناعمة، حروب أهلية ):

الفوضى الخلاقة تعتمد جوهرياً على عناصر متعددة يَصْلُح بعضها للهيمنة على بلد ويصلح بعضها الآخر لبلد آخر نذكر منها:

• دراسة التشكيلة الاقتصادية - الاجتماعية لبلد ما من الناحية: الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والإثنية ومعرفة الفروق والاختلافات داخلها، واستغلال أي مشكلة قديمة ( سنة شيعة، عربي فارسي، وليس عربي تركي مثلاً ) أو حديثة قائمة ( المجاميع الطائفية والمذهبية والأثنية والقطرية ) في النسيج الاجتماعي وتضخيمها والنفخ فيها لإحداث التوتر والإحتقان ومن ثم ايقاد الحرب الأهلية، بالإعتماد على قوى التبعية داخل المجتمع، الرسمية والشعبية، وأيضاً استغلال سذاجة قسم من النخب وتبعية أطراف أخرى، وتطبيق سياسة " صناعة القبول وثقافة القطيع " في صناعة الرأي العام.

• حجز خطط التنمية الوطنية، يؤدي الى بنية اقتصاد تابع، وتفقد قوى الانتاج الوطني قدرتها على الإنتاج، ويتحول الوطن إلى مستهلك للسلع والبضائع والخدمات الخارجية، يدفع ثمنه كاملاً من موارده الطبيعية المدفونة تحت أرضه من معادن وبترول وغاز وصخر زيتي وخامات متعددة قواعد عسكرية وسجون مخفية. وفي إطار هذا الحجز التنموي يتم خلق مجموعة من رجال الأعمال المزيفين تفتح لهم أبواب الإقراض من القطاع العام ويفسح لهم المجال أمام السطو على المال العام، دون رقابة ولا عقاب، بحيث يصبح الفساد والإفساد ألية حكم، وليست مسألة أخلاقية، وتصبح اللصوصية والسطو على المال العام فهلوة، كما يتم تحويل بنية الاقتصاد من اقتصاد منتج، حتى ولو كان بدائي ، الى بنية اقتصاد مستهلك، تذهب من خلالها ملايين فرص العمل وتتلاشى نسبة الإنتاج المحلي في كل المنتجات لصالح الاستيراد. وباختصار فإن التنمية الوطنية تستبدل بتنمية قهرية تحاول أنْ تَخنُقَهَا ليفقد الوطن قدرته على الإنتاج وتضعُف إرادته أمام القوى المهيمنة.

يتبع

المصدر: موقع إضاءات الإخباري