أميركا تدمر نسيج الأمة بيد تركيا والإخوان المسلمين
مقالات
أميركا تدمر نسيج الأمة بيد تركيا والإخوان المسلمين
حليم خاتون
19 آذار 2025 , 18:27 م

كتب الأستاذ حليم خاتون

"السُنّة أمة، السُنّة ليسوا طائفة"...

اشتهر هذا القول حين ردده الوزير اللبناني الأسبق من طائفة الموحدين الدروز وئام وهاب...

 

من أصل ملياري مسلم على وجه البسيطة تجتمع أربعة مذاهب سُنّية كبرى لتشكل أكثر من ثمانين في المئة من هذا المشهد الإسلامي العظيم الكبير...

يمكن القول بالإجمال إن السُنّة حكموا الدولة الإسلامية حوالي ألف وثلاثمائة سنة تخللتها فترات قصيرة جدا من بروز خلافة شبه شيعية في مصر مع الدولة الفاطمية...

لكن حتى إمارتا بني حمدان الشيعيتان في حلب في سوريا، وفي الموصل في العراق لم تعلنا التمرد على الخلافة العباسية المركزية في بغداد والتي تُصنف وفق قوانين الدولة كخلافة سُنّية رغم أنها نتجت عن ثورة على الدولة الأموية قام بها كل المظلومين ضد الفساد الذي بدأ ينخر الخلافة مع الخليفة الثالث عثمان بن عفان...

بل أن الخليفة العباسي استعان ببني حمدان الشيعة لحمايتة من تمرد قادة الجيش من التركمان عليه...

لكن من تفرد بالسلطة بعد هذه الثورة على الخلافة الأموية كانوا أحفاد العباس عم النبي الذين فتكوا اول ما فتكوا بأنصار أهل البيت وأتباعهم، على خلاف الخليفة الأموي الإسلامي الجامع العادل المتقشف عمر بن عبد العزيز...

فقط الأغبياء هم من لا يرون أن المسيحية الصهيونية في أميركا التي يمثلها زعماء الحزبين الجمهوري والديمقراطي معا تضع المسلمين على رأس قائمة الأعداء ليس من الناحية السياسية فقط، بل من الناحية العقائدية في الجوهر والأساس...

فقط الأغبياء والمغفلون والبسطاء من السُذّج هم من لا يرى أن الصهيونية المسيحية التي بدأت مع القس الألماني مارتن لوثر لتتطور مع كبار الصهاينة البريطانيين من الكنيسة الانكليكانية وتصل الى اميركا مع غلاة المحافظين الجدد وضعوا الأمة الاسلامية نصب أعينهم، وفي قلب هذه الامة الإسلامية، أمة عربية تمتد من المحيط الأطلسي في المغرب وموريتانيا مرورا بكل شمال أفريقيا وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين وصولا إلى الخليج...

راجعوا فقط مقررات مؤتمر كامبل في أوائل القرن العشرين لتروا أن الدول الاستعمارية وضعت ثلاث حضارات في عين الاستهداف:

١- الحضارة الصينية التي نجحت الى حد بعيد ولا تزال تراكم القوة لمنع الاستعمار والامبريالية من إمكانية استهدافها...

٢- الحضارة الهندية التي تسير على خطى الصينيين في التطور والتمكن من منع استهدافهم بعد تجاوز محنة تقسيم شبه الجزيرة الهندية على أيدي الاستعمار البريطاني الذي نجح إلى حد بعيد في زرع الكراهية بين الاغلبية الهندوسية والأقلية الإسلامية...

٣- الحضارة الإسلامية، وفي موقع القلب منها، الحضارة العربية التي عمل الاستعمار البريطاني الفرنسي على تقسيمها إلى دول وطنية عبر اتفاق سايكس البريطاني مع بيكو الفرنسي مع زرع بذرة استيطان قابل للتوسع في فلسطين، مهمته الأساسية ليس فقط منع قيام دولة اتحادية عربية، بل تقسيم المقسم وتفتيت المفتت وخلق كيانات تعادي بعضها البعض وتتقاتل فيما بينها...

من يمكنه تنفيذ هذه المهمة...؟

نجح التكفيريون في تحطيم الدولة الوطنية في العراق وتحويل هذا البلد الذي يحتل في التاريخ الإسلامي والعالمي موقعا حضاريا متميزا منذ الخلافة العباسية...

بفضل التكفيريين من الدواعش تحول العراق إلى دولة فاشلة قابلة للتقسيم...

فشل التكفيريون في تحطيم الدولة الوطنية في مصر رغم كل ما فعلوه من خلق خلافات وشقاقات بين الأغلبية المسلمة والأقلية المسيحية القبطية التي سبقت الوجود الإسلامي في مصر... ناهيك عن زرع بذور أزمة عرقية ضد الأقليات غير العربية في هذا البلد..

بالتأكيد هم سوف لن يتوقفوا عن خلخلة الدولة في مصر...

الهدف سوف يكون تحويل مصر أيضا إلى دولة فاشلة...

لكن فشلهم في مصر تحول إلى نجاح (باهر / مظلم) في سوريا...

الدولة الوطنية في سوريا التي تحمل إرثا عالميا حضاريا يوم كانت الشام قلب الحضارة الإنسانية إبان العصر الأموي تتحطم نتيجة حرب كونية تم شنها على سوريا منذ ٢٠١١...

بغض النظر عن مدى الظلم الذي مثله حكم آل الاسد في هذا البلد، يجب الاعتراف بأن سوريا تحولت مع حافظ الأسد إلى قوة إقليمية لم يعرف بشار كيف يحافظ عليها...

ثم من الذي قاد عملية إسقاط بشار؟

من الذي وضع يده على الثورة الشعبية السورية مباشرة بعد أيام على انطلاقتها...؟

بدل أناس ديمقراطيين وتنظيمات ديمقراطية، سيطر على الشارع السوري مجموعات سلفية مسلحة عُرف معظمها بخدمة الامبريالية الأميركية والرجعية العربية المتحالفة معها منذ أفغانستان مرورا بيوغوسلافيا قبل الوصول إلى العراق ومصر وسوريا...

كل هذه التنظيمات التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين لم تطلق طلقة واحدة على إسرائيل رغم كل الجرائم التي تم ويتم ارتكابها ضد أهل السنة والجماعة في فلسطين...

حتى ما سُمي بغزوة نيويورك، هناك شكوك كبيرة منتشرة في الولايات المتحدة الأميركية تتحدث عن استعمال وكالة المخابرات المركزية هناك لهؤلاء، سواء بعلمهم او من دون علمهم طالما أن راعيهم كان السعودي بندر بن سلطان التابع الموثوق لهذه المخابرات؛ والتضحية بثلاثة آلاف مواطن أميركي لم يوجد بينهم وفق الاحصاءات اي يهودي من الصهاينة؛ كل ذلك، من اجل تبرير غزو أفغانستان وتحويلها إلى بلد فاشل قبل الانتقال إلى العراق وسوريا ليصل مجموع البلدان المستهدفة بهذا الغزو إلى سبعة بلدان بينها لبنان واليمن وإيران...

ماذا يجري في سوريا؟

تتحول هذه الدولة شيئا فشيئا إلى دولة فاشلة قابلة للتقسيم بعد مجازر لا تزال مستمرة ضد العلويين والشيعة والمسيحيين الذين عاشوا ألف وأربعمائة عام في كنف الاغلبية السُننّية، فإذا بالتكفيريين يعملون على ضرب كل مكونات هذا الوطن ويعملون على تقسيمه وتفتيته عن غباء منقطع النظير ربما، ولكن بالتأكيد عن خطة بارعة وضعتها الامبريالية المتحالفة مع الصهيونية العالمية لتحويل بلاد الشام أيضا إلى دول فاشلة بعد نجاح المسعى في العراق...

السؤال المطروح:

من هم التكفيريون؟

من أين جاؤوا؟

كيف يعملون؟

ما حدث في سوريا بعد العراق ومصر يضع تركيا وقطر والإخوان المسلمين في قلب الإتهام...

الخطة أميركية / صهيونية لا خلاف؛ لكن المُنَفٍذ على الأرض هو هذا المثلث الجهنمي بالتعارض والتكامل مع النظام الرسمي العربي...

رغم الخلاف بين الكتلة الإسلاموية تلك، وكتلة النظام الرسمي العربي، ينفذ الجميع المخطط الأميركي المرسوم...

مع كل ما جرى وما يجري اليوم في غزة...

مع كل ما جرى ويجري في الضفة...

مع كل المأساة الفلسطينية...

لم يتأخر الأتراك والتنظيمات التكفيرية على كافة أشكالها من الإنخراط في المخطط الأميركي الذي رسم ملامحه الأولى الديموقراطيون مع أوباما وبايدن، ويقوم الجمهوريون الآن مع ترامب بتنفيذه بحدوده القصوى القائمة على استمرار ارتكاب الإبادة ضد الفلسطينيين للوصول إلى تهجير معظم الشعب الفلسطيني والاستيلاء على أرض فلسطين قبل التمدد إلى حدود إسرائيل الكبرى التى بدأ تنفيذها في سوريا ولبنان بعد فلسطين...

يجري كل ذلك بالتناغم مع التكفيريين الذين يجمعون الرجال والعتاد ليس لقتال أميركا والصهاينة، بل لقتال من يقاتل ضد هؤلاء إسنادا لفلسطين من لبنان...

سوف يسجل التاريخ أن محنة المسلمين في الأندلس انتقلت اليوم إلى عقر الدار؛ إلى قلب الأمة...

سوف يسجل التاريخ أن تركيا والتكفيريين هم من يقود مسرحية أمراء الأندلس مرة أخرى؛ تلك التي سوف تنتهي بمأساة فلسطينية بالدرجة الأولى، سُنّية بنفس الدرجة، وإنسانية بكل الدرجات على مقياس الخيانة القومية والدينية...

المصدر: موقع إضاءات الإخباري