قصة الفيل
ثقافة
قصة الفيل "هانو" سفير البرتغال الأبيض الذي أسر قلوب روما وأثر في تاريخها
20 آذار 2025 , 05:07 ص

وصل فيل أبيض يُدعى "هانو" إلى المدينة الخالدة في روما بتاريخ 19 مارس عام 1514، كجزءٍ من سفارة ضخمة أرسلها ملك البرتغال مانويل الأول إلى البابا ليو العاشر دي ميديشي، حملت هذه السفارة هدايا ثمينة ومدهشة، كان أبرزها الفيل "هانو"، الذي سرعان ما أصبح محط أنظار الجميع وأحد أكثر الشخصيات تأثيرا في الحياة الاجتماعية والسياسية في روما.  

الموكب الملكي: رحلة البرتغال إلى روما

قاد الموكب الملكي الضخم، الذي ضم 140 شخصا، الدبلوماسي البرتغالي تريستان دا كونها، مبعوث الملك مانويل الأول، قطع الموكب مسافة طويلة من البرتغال إلى روما، حاملاً معه العديد من الحيوانات النادرة القادمة من جزر الهند، ومن بين هذه الحيوانات، كان الفيل الأبيض "هانو" البالغ من العمر أربع سنوات، بالإضافة إلى اثنين وأربعين حيوانا مفترسا، بما في ذلك نمران، وببغاوات، وديكة رومية، وخيول هندية نادرة.  

سار الموكب بفخر في شوارع روما، حيث لفت انتباه السكان المحليين بفضل حيواناته الغريبة وأزياء الوفد الهندي التقليدية، وكان الفيل "هانو" يحمل على ظهره منصة فضية على شكل قلعة، بداخلها خزنة تحتوي على هدايا ملكية لا تُقدَّر بثمن، مثل سترات مطرزة باللؤلؤ والأحجار الكريمة، وعملات ذهبية سُكّت خصيصا لهذه المناسبة.  

استقبال البابا ليو العاشر: الفيل الذي أدهش روما

استقبل البابا ليو العاشر الموكب في قلعة سانت أنجلو، حيث أظهر الفيل "هانو" مهاراتٍ مذهلة. انحنى الفيل المُدرَّب ثلاث مرات أمام البابا، ثم قام برش الماء على الحاضرين باستخدام خرطومه، في مشهدٍ أثار إعجاب الجميع، لم تكن هذه الهدايا مجرد تعبير عن الكرم، بل كانت جزءا من استراتيجية سياسية من قبل الملك مانويل الأول، الذي سعى إلى كسب دعم البابا في سيطرة البرتغال على سوق التوابل.  

أعجب البابا ليو العاشر بالفيل "هانو" إلى درجة أنه أمر ببناء حظيرة خاصة له بالقرب من كاتدرائية القديس بطرس، وسمح لسكان روما بمشاهدته يوم الأحد، أصبح الفيل الأبيض جزءًا لا يتجزأ من الاحتفالات الرسمية، حيث كان يتقدم المواكب ويشارك في الأعياد، مما جعله مصدرا للترفيه والإبهار لأهالي روما.  

تأثير "هانو" على الثقافة الإيطالية

لم يقتصر تأثير الفيل "هانو" على الحياة الاجتماعية في روما، بل امتد إلى الثقافة الإيطالية، أطلق سكان روما على الفيل اسم "أنون"، وأصبح محط اهتمام الجميع، من البسطاء إلى علية القوم، وحتى الفنانين والشعراء، وصل تأثيره إلى اللغة الإيطالية، حيث أصبحت كلمة "البرتغالي" تُطلق على الشخص الذي يحصل على كل ما يريد دون مقابل، وذلك بعد أن تكفلت خزانة البابا بجميع نفقات الوفد البرتغالي، مما دفع بعض سكان روما إلى التظاهر بأنهم برتغاليون للاستفادة من هذه الامتيازات.  

كما تحول اسم منطقة "بورجو سانت أنجلو" في روما إلى "بورجو ديل إليفانتي" تكريمًا للفيل "هانو"، وصف الكتّاب المعاصرون الفيل بأنه الشخصية الرئيسية في الحياة الرسمية في روما، حيث شارك في جميع الأحداث، سواء كانت جادة أو ترفيهية.  

الفنانين والشعراء يحتفون بـ"هانو"

احتفى الفنانون والشعراء بالفيل "هانو"، حيث صوره الرسامون والنحاتون، وكتب عنه الشعراء، حتى الفنان الشهير رافائيل سانزيو، أحد أبرز فناني عصر النهضة، رسم لوحة للفيل الأبيض، كما أشارت السجلات التاريخية إلى أن "هانو" كان يحظى باحترام كبير من قبل كبار الشخصيات في روما.  

نهاية قصة "هانو" وإرثه الخالد

للأسف، لم تدم حياة الفيل "هانو" في روما طويلاً، بعد عامين من وصوله، توفي الفيل في فبراير عام 1516، تاركا البابا ليو العاشر في حالة حزن عميق، حاول الأطباء علاجه باستخدام أغلى العقاقير، وحتى مغلي البتلات المرشوشة بمسحوق الذهب، لكن دون جدوى، أقيم قبر للفيل في القصر الرسولي، وشُيّد نصب تذكاري قربه، زُيّن بلوحة جدارية من عمل رافائيل ونقش من قلم البابا.  

في عام 1962، خلال حفريات في حديقة بروما، عُثر على بقايا ضخمة لأسنان وفك، اعتقد العمال في البداية أنها تعود لديناصور، لكن الخبراء أكدوا لاحقًا أنها تعود للفيل "هانو".  

 أسطورة الفيل الذي عرف لغتين

ترك الفيل "هانو" إرثا لا يُنسى في تاريخ روما، حيث أصبح رمزا للترفيه والدهشة، وحتى للثقافة والسياسة، براعته في اللعب والرقص، وقدرته على التفاعل مع البشر، دفعت البسطاء إلى الاعتقاد بأنه يعرف لغتين: البرتغالية والهندية! قصة "هانو" تبقى شاهدا على قوة الحيوانات في التأثير على التاريخ والثقافة الإنسانية.

الأكثر قراءة أنشودة يا إمامَ الرسلِ يا سندي, إنشاد صباح فخري
أنشودة يا إمامَ الرسلِ يا سندي, إنشاد صباح فخري
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً