قصة قصيرة كتبتها الأديبة أنيسة عبود, وكان مساء آخر
ثقافة
قصة قصيرة كتبتها الأديبة أنيسة عبود, وكان مساء آخر
أنيسة عبود
26 حزيران 2023 , 23:14 م

 ذاك المساء يا رئيس البلدية,,

حملت اطفالي وانا امنًي النفس بمقعد فارغ على الكورنيش كباقي خلق الله الموظفين المحتاجين ( المعذبين ) كي اراقب غروب الشمس الذي يشبه غروب وطن جميل كان مزهرا ..نديا .عصيا .ابيا .وان اصور البحر وهو يبتلع الشمس كما يبتلع الحيتان الجدد الذين تكاثروا وتناثروا في كامل الديار البحرية

والبرية ومنعوا الاسماك الصغيرة ان تجد قوتها اليومي ورزقها المجترم ..لكني

كنت دائما اقول .ما زال البحر بخير وما زالت جبلة بخير

طالما هناك حديقة بحرية تجد الامهات فيها مقعدا وزنزوقة مجانية يفرح بها الاطفال المغفلون عما يجري خلفهم في حدائق السيرك المعلقة.

درت مرات حول الحديقة

لكني لم اجدها .(والله كان هناك حديقة) وكان فيها بعض المقاعد ..صحيح انها مشوهة والعشب يابس والمصابيح مكسورة والدفلي هو السائد رغم تقزمه ومرارته ..الا انه كان هناك ارض فارغة هي ملك الاولاد جميعا وملك الامهات اللواتي يحملن اراكيلهن وبعض الخبز والاجبان ..وكان يمكن لاي فتاة عاشقة ان تجلس فيها وتكتب رسالة لحبيبها كي يمر 'ولو بشكل عابر على دراجة نارية ويراها وهي تشع بالشوق وتبرق بالوجد .

كما يمكن لهذه الحديقة التي تحمل اسم حديقة ان تغير قليلا من صفاتها لتكون مكبا للزبالة ..وفسحة للمدخنين بكل انواعهم وكراماتهم وما يعنيه ذلك من انواع التبغ البلدي والمستورد .و غيره حيث يحق لهم ان يفترشوا الليل ويحرسوا شاطىء البحر من مراكب فينيقة محملة بالارجوان والزجاج الملون والسادة .

وللعلم

هذه الحديقة لا يوجد فيها حارس

مثلها مثل باقي املاك الله الداشرة في الحارات والبلدات وحتى الغابات اذ لا داعي ابدا لحراستها فالأمن والأمان مستتبان تماما ولا خوف على اي دراجة عادية او غير عادية من الوقوف في الحديقة والتنزه على الكورنيش .ولا يوجد اي حرج ابدا اذا ما مرت السيارات الفارهة التي تخرج من بطن القصور المغلقة والمنثورة كاللآلىء على الشاطئ الشمالي الذي حباه الله بكوكبة جميلة من الابنية اختصته وحده من دون الكورنيش الجنوبي الذي لا يليق بكل هذه المهابة والبدع الكونية التي نزلت من اعالي الشقاء والجد والاجتهاد ..لان

لكل مجتهد نصيب ..ومع اني اجتهدت وكافحت ولكن كان نصيبي سرفيس محترم انحشر فيه مثل علبة الراحة الدرعاوية

او باص النقل الداخلي او قطار الساعة السابعة الذي لم يلحق به عبد الوهاب ( يا بور قلي رايح على فين ).

والبابور لا يعرف الى اين وانا ما زلت ابحث عن مقعد يجلس عليه اولادي وهم ياكلون البوشار ..وهذا يكفي لان الذرة غالية بسبب المزارع الطماع ؟؟؟

الطفران ؟؟؟ولان لا قدرة لي على شراء ثلاثة عرانيس دفعة واحدة وانا لم احسب نفسي على العدد المعدود

فأنا غير محسوبة على الاسرة ولا على الدولة ..يكفي اني استطيع ان امسح وأطبخ واحرس زوجي حتى لا تسرقه امرأة اخرى .

غير اني

وبكل صراحة لم اجد مقعدا

ولا حديقة تليق بمدينة بحرية وشاطئ صخري

وقصور فارهة وشعراء فارهون مثل ادونيس وغيره .

بل وجدت مجموعة من الاولاد يعملون كجراسين صغار يدورون حول طاولات بلاستيكة وكراسي بلاستيكية يصطادون الزبائن ويحرضون الاطفال على البكاء وهم يمدون كراسي قذرة مأجورة وقناني مياه سياحية

وكأنها تقدم في فندق خمس نجوم . يراقبهم صاحب ورشة السطو على الفقراء وبمساعدة البلدية الذكية الوطنية التي تعرف كيف تستثمر في الفقراء . يبتسم لي السيد الجديد ويقول ..تفضلي ياست .والست لا تملك رفاهية رد سطو البلدية على الاملاك العامة وتحويلها الى املاك خاصة بينما الحيتان يردمون البحر ويزرعون الاشجار . ويحجزون الموج فلا يقترب موج ولا يبتعد شط الا بإذنهم على الرغم من الزلزال والهزات المتواترة ليل نهار وبشهادة فطاحل علماء مركز الزلزال الوطني .. ومن ان اجل ان اربح المعركة ولا ادخل في جدال السطو شكرت الساطي وانا ابتسم ثم استدرت وجررت الاولاد جرا وكسرا واشتريت لهم غزل البنات وقلت لهم وانا احاول ان اقنعهم بالتي هي احسن .. تعالوا نمشي على الكورنيش ونراقب الحوت الذي سيخرج من بطن البحر بعد غروب الشمس .فاقتنع الاولاد .. ومشينا مطولا الى ان صرخوا ثلاثتهم بصوت واحد ..ماما .ماما هاهو الحوت ..خرج الحوت خرج الحوت انظري .

ونظرت

فرأيت حيتانا كثيرة وكلابا كثيرة تدور حوله وتحرسه وهو يحرس

فقمة ويقودها امامه ليصعدا معا

الى جوف غواصة فارهة

فقلت وانا سعيدة جدا بهذا المنظر العجيب الغريب

عشنا وشفنا .

...

Anisa Aboud

المصدر: موقع إضاءات الإخباري