عندما تكون الدبلوماسية بلا أسنان
مقالات
عندما تكون الدبلوماسية بلا أسنان
حليم خاتون
21 آذار 2025 , 20:18 م

كتب الأستاذ حليم خاتون:

صحيح ان السيد ويتكوف مستشار ترامب نفى أن يكون قد وجّه تهديدا إلى لبنان بوجوب الالتزام بسياسة الولايات المتحدة الأميركية التي تريد فرض سلام إسرائيلي بالقوة على المنطقة...

السيد ويتكوف أعلن أن لبنان بلد عنده سيادة وعليه أن يقرر ماذا يفعل...

طبعا، لا نفي ويتكوف توجيه إنذار إلى لبنان صحيح، ولا أن لبنان بلد ذو سيادة صحيح هو أيضا...

 

لبنان، منذ وافق على وقف إطلاق النار برعاية الدولة الأميركية التي أشرفت هي نفسها على الحرب عليه، والتي وضعت كل أقمارها الصناعية وكل قواعدها وكل مخابراتها ومخابرات الدول التابعة لهيمنتها في تصرف إسرائيل؛ لبنان هذا فقد القليل مما كان عنده من سيادة...

اصلا، لم يكن لبنان يوما دولة ذات سيادة...

لم يُنتخب رئيس للجمهورية يوما في هذا البلد إلا بعد تزكية من قوة خارجية أو أكثر...

البرلمان اللبناني نفسه يحوي ١٢٨ نائبا بالكاد يمكن إيجاد من يملك حرية القرار؛ وإذا وجد هؤلاء فعددهم لا يزيد عن عدد أصابع يدين إثنتين...

حتى هذا العدد القليل بدأ يفقد مقومات السيادة...

الحجة القائلة إن سيادة البلدان هي مسألة نسبية قد تنطبق فعلا على معظم بلاد العالم إلا أن البلاد العربية هي أكثر البلدان خضوعا للخارج وإملاءات هذا الخارج...

هذه البلاد العربية تقف ضد نفسها، وتضحي بمصالحها، وتضع نفسها في موقف الابتزاز خوفا من السوط الأميركي...

يمكن القول أن بين البلدان العربية، يعتبر لبنان الأكثر خضوعا بالنظر إلى عدم امتلاكه يوما من الأيام مقومات دولة...

لبنان الذي لم يمتلك سيادة في يوم من الأيام، زاد تبعية وأصبح تحت الاحتلال الأميركي المباشر مع فرق بسيط:

الأسياد مجبرين على إطعام العبيد، بينما لا يجد الاحتلال الأميركي نفسه مجبرا على فعل أي شيء مع لبنان...

الأميركي حريص جدا على دفع البلد إلى مآزق سوف تؤدي به إلى مجابهة آلة حرب إسرائيلية يقوم هو بتمويلها ومدها بكل ما يلزم للقتل ويعمل أيضا على تسليط آلة السلفيين من الوحوش البشرية في سوريا ولبنان لتهديد البلد من الشمال وتسهيل مهمة إسرائيل من الجنوب...

لكن بصراحة، آخر من يحق له الكلام ضد هذا الاحتلال الأميركي هو ذلك الذي أمتلك القوة والقدرة على تدمير نصف إسرائيل في نصف ساعة كما قال السيد نصرالله، ولم يفعل...

"اسمحولنا... رح نطق إذا لم نقل الحقيقة..."

هناك داخل جمهور حزب الله من يعترف علنا بأن وضعنا الآن أسوأ بأضعاف مما كان يمكن أن يكون عليه لو كنا ذهبنا إلى الحرب الشاملة...

في النهاية سوف نصل إلى ما يشبه هذه الحرب الشاملة التي سوف تشنها أميركا وإسرائيل علينا حتما بعد أن فقدنا تلك القوة وتلك القدرات...

"صار فينا متل ما صار مع عبد الناصر بعد سنة ٦٧"...

لكن أكثر ما يضحك في هذه التراجيديا المُبكية هي أن بعضهم يخرج على الشاشات يطلب من حزب الله تسليم ما تبقّى لديه متحدثا بصوت عال عن الدبلوماسية التي سوف تحرر، والدبلوماسية التي سوف تُرجع الأرض والأسرى...

وصل الأمر بمحمد بركات أن يُحمّل حماس مسؤولية العودة إلى الحرب وقتل الشعب الفلسطيني!!!...

فلسفة بركات يمكن اختزالها بدعوة حماس إلى تسليم السلطة في غزة إلى محمود عباس والخروج من القطاع... تماما كما خرجت منظمة التحرير من بيروت...

محمد بركات كما سلطة عباس هم مجرد بوق للنظام الرسمي العربي الذي يريد أن يخلص... "كيف ما كان"... حتى ولو تم ربطنا كالحمير والبغال...

محمد بركات لم يسمع بمجازر صبرا وشاتيلا رغم كل الضمانات الدولية والاميركية تحديدا التي أعطيت لياسر عرفات حول حياة المدنيين ممن بقى في مخيمات لبنان...

محمد بركات مشغول جدا في الأيام الأخيرة، كما عدد من ضيوف التوك شو؛هم مشغولون بالغناء والتلحين لعبقرية النظام الرسمي العربي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية وتحديدا محمد بن سلمان..

عبقرية إبن سلمان الذي جمع قمة في القاهرة لتغطية مدى الذل والوضاعة التي وصل اليها هذا النظام أمام سوط السيد الاميركي الأبيض...

"استحليت شي واحد من هالمِعزى بهالمؤتمر يمعٍي؛ ولاك على القليلة معّوا"...

توجه لهم دونالد ترامب وقال:

"يا شباب! انتو كلاب"

"ولاك الكلاب بتعوٍي... انتوا ما طلع منكن عوي ولا رح يطلع منكن غير شي.."

كل ما "زرك" الدكتور حسان صقر محمد بركات في خانة العجز يصرخ الأخير منتفضا:

"ايه روح حارب"...

في إحدى حلقات "بيدبلوماسية" على ال OTV ظهر محمد بركات يمثل أسوأ ما يمكن أن ينتجه مجتمع العبيد في عصر الزنوج الأميركي...

لو كانت القدرات التي لم تستعمل خلال الحرب في يد الدكتور حسان صقر لما كان محمد بركات يخرج على هذه الشاشة او على أي شاشة أخرى...

الأخطاء التي ارتكبتها المقاومة في عدم الذهاب إلى الحرب الشاملة جعلتنا ندفع اليوم أثمانا تفوق بأضعاف ما كان يمكن أن ندفعه لو ذهبنا إلى هذه الحرب...

كان المرء يعتقد أن المقاومة في لبنان تعلمت من الدروس الكثيرة في تاريخ الهزائم العربية...

الجماعة لم يتعلموا مما حصل من عبد الناصر...

ولا تعلموا مما حصل مع منظمة التحرير...

وحتى حين ذهبوا إلى وقف النار لم يتعلموا مما حصل مع صدام حسين وهرولته لتوقيع اتفاق، أي اتفاق...

نحن دخلنا في عصر الانتصارات في ٢٠٠٦ لكي نخرج منه سنة ٢٠٢٤ لأننا ببساطة قررنا أن نكون الأرانب والغزلان في غابة الوحوش...

نحن أُجبرنا على توقيع فضيحة وفق ما سرده وفنّده وزير الدفاع الأسبق يعقوب الصراف على منصة بوديوم مع ميسم رزق... لأننا ببساطة.. كان معنا سلاح ولم نستخدمه...

ليس الوزير الصراف وحده من يتكلم عن الأخطاء المميتة التي ارتكبها المحور والتي مشى حزب الله في ظلها...

العميد هشام جابر، كررها أكثر من مرة...

حتى العميد حسن جوني "الرايق جدا" أُضطر في الرد على بركات وخزعبلاته إلى الاعتراف بهذه الأخطاء المميتة...

كيف يمكن الدخول إلى حرب وعدم استعمال ما لديك من قوة؟

"حدا يفهمنا!"

وحده المحور هو من فعل ذلك...

كل الكلام عن أن حماس قامت بعملية طوفان الأقصى دون إبلاغ أحد لا يعني شيئا...

نحن خسرنا الحرب لاننا لم نستخدم سلاح الردع حتى تم تدمير معظمه وتحييد ما تبقى...

نحن مُجبرون على سماع حقارات إبراهيم صقر سفاح ال٧٥، وحقارات شارل جبور زيادة على حقارات السلفيين في سوريا وأيضا في لبنان لأننا ببساطة لم نهدم الهيكل على رؤوس الجميع في مرحلة ما بعد ٧ أكتوبر...

صحيح ان بشار الأسد يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية...

لكن الاصح هي أن إيران ومعها من يستمع اليها داخل حزب الله هم المسؤولون عن الكثير مما حصل...

نحن اليوم ندفع الثمن...

وقريبا سوف تجد إيران نفسها تدفع الثمن اذا استمرت ويبدو انها مصرة على الاستمرار في المنطق الأعوج القائم على صبر استراتيجي تبول عليه أميركا كل يوم، صبحا ومساء...

منذ ستة أشهر واجهتُ مشاكل مع بعض أصحاب الرؤوس المربعة في المقاومة الذين واجهوني بالقول أن الذهاب إلى الحرب الشاملة سوف يؤدي إلى خسائر هائلة في محور المقاومة...

كانت إجابتي أن الأثمان سوف تكون مضاعفة اذا نحن لم نذهب إلى الحرب ولم نستخدم ما لدينا من قدرات قادرة على اعادة المنطق الى الرأس الأميركي...

للأسف وصلنا إلى هذا اليوم...

خسر المحور سوريا بالكامل...

خسر المحور لبنان بشكل كبير وما بقي بالكاد يسمح لنا ببعض الصمود مع أثمان أكبر، وسوف تكون أكبر بكثير...

هل لا تزال عندنا القوة والقدرة على الصمود والرد... ربما، لكن بأثمان مضاعفة وخسائر بشرية هائلة رأينا نسخة منها في غزة ونسخة أخرى في سوريا مع الوحوش السلفية الداشرة...

نحن نخسر غزة ونخسر الضفة ونخسر ال٤٨...

حتى متى ممكن للفلسطينيين القتال وكل العرب يتآمرون عليهم...

حتى متى يمكن للفلسطينيين الصمود ووحوش السلفيين والأتراك تؤازر إسرائيل في كل الميادين...

الذي لا يُصدق...

صور الجولاني الذي هو صنيعة أميركية لا تُرفع فقط في سوريا...

أمس رُفعت صور هذا العميل التافه في طرابلس وصيدا وربما في بعض المخيمات أيضا...

عدو الجولاني وكلابه ليست إسرائيل ولا أميركا...

الدليل ما حصل في سوريا وما يحصل حتى اليوم من مجازر في حق ليس فقط الأقليات، بل كل من يرفع شعار العروبة وفلسطين حتى لو كان سُنّيا...

إذا اردت السلم، استعد للحرب...

هذا ألف باء أي صراع في أي مكان إلا عندنا نحن العرب...

عندما تكون الدبلوماسية بلا أسنان

المصدر: موقع إضاءات الإخباري