كتب الأستاذ حليم خاتون:
كل الكلام عن التطبيع هو ربما واحد فقط من الخيارات المطروحة في الإدارة الاميركية؛ لكن التطبيع بالتأكيد، ليس أسوأ هذه الخيارات...
هناك بالتأكيد خيارات أسوأ بكثير...
"اللي بيعرف، بيعرف؛ واللي ما بيعرف بيقول كف عدس.."
المشروع الأميركي براغماتي جدا في اي بلد، ويعتمد على ما يستطيع الأميركي تحقيقه في هذا البلد...
لبنان ال ١٠٤٥٢ كلم٢ يعتمد حتى اليوم على عامل واحد فقط تحسب له الادارة الاميركية حسابا:
وضع حزب الله...
لأن البلد كله مستسلم بالكامل لأميركا...
نظرة شاملة إلى المخطط الأميركي الذي بدأ تنفيذه بعد الحادي عشر من أيلول سبتمبر والقاضي بغزو وتدمير سبعة بلدان في الشرق الأوسط تُظهر بوضوح أن هذا المخطط يقوم على حل الجيوش الوطنية في هذه البلدان في اليوم التالي لنجاح هذا الغزو...
هذا ما حصل في الصومال؛ هذا ما حصل في العراق، ثم ليبيا، ثم سوريا... وهذا ما يجب أن يحصل في لبنان من وجهة نظر المحافظين الجدد والمسيحية الصهيونية في أميركا...
تدمير وحل الجيوش الوطنية هو الكفيل بتغيير حدود سايكس بيكو وفقا لما يريده المحافظون الجدد دون أي اعتراض أو مقاومة...
ماذا يريد هؤلاء من أتباع المسيحية الصهيونية في أميركا والذين بدأت مخططاتهم تنفذ على الأرض حتى قبل جورج بوش الإبن...
الذي لديه ادنى شك بوجود تباين بين المخطط الأميركي والمخطط الإسرائيلي، عليه ان يعرض نفسه على طبيب أمراض عقلية...
صحيح أن أصل هذا المخطط يقوم على تثبيت إسرائيل بشكل نهائي في فلسطين التاريخية وتهجير الفلسطينيين نهائيا من هذا البلد؛ لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد؛
إعتراف ترامب بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، والعمل على إنهاء وكالة غوث اللاجئين، الأونروا، يعني أن أميركا حريصة على إنهاء القضية الفلسطينية بشكل كامل ومبرم...
سكوت النظام الرسمي العربي والنظام الرسمي الإسلامي عما يجري في غزة والضفة يعني أن العرب والمسلمين قد وافقوا على هذا الأمر وهم يقفون الى جانب أميركا في المجازر التي تجري على الشاشات...
دخول تركيا في المشروع الأميركي في سوريا يعني هو أيضا أن تنظيم الإخوان المسلمين العالمي موافق على إنهاء القضية الفلسطينية على الطريقة التركية...
لقد ظهر هذا واضحا جدا عندما استلم محمد مرسي رئاسة مصر؛ وتأكد هذا الأمر مع تسهيل استلام الجولاني للسلطة في سوريا بعد موافقته العلنية ليس فقط على عدم التعرض لإسرائيل، بل على التحرش بلبنان لتسهيل عمل إسرائيل في هذا البلد...
ناهيك عن التسريبات التي تقول ان من ضمن صفقة تسليم السلطة في سوريا للجولاني وتركيا توقيع الطرفين على القبول بضم منطقة الجولان السوري نهائيا إلى إسرائيل وفقا لقرار ترامب في الفترة الرئاسية السابقة...
إلى أي مدى شاركت تركيا عبر حلف الأطلسي في تأمين فك شيفرة حزب الله؛ هذا سوف يحتاج إلى بعض الوقت قبل انكشاف مدى تورط النظام الرسمي العربي والكثير من بلدان الموز الإسلامية في هذا الأمر...
بعد نجاح إسرائيل في توجيه ضربات قاصمة إلى مقاومة حزب الله، تم فرض تسليم سلاح الحزب إلى الجيش اللبناني ليقوم هو بتدميره...
الجيش اللبناني بحد ذاته لا يشكل جيشا وطنيا كما كان الأمر في العراق وسوريا...
فالجيش اللبناني كان منذ تأسيس الكيان اللبناني وحتى يومنا هذا يلعب دور شرطة بلدية او جندرمة في داخل البلد في أحسن الأحوال...
لذلك فُرض على هذا الجيش دوما حصارا محكما في مسائل التسلح ومُنع منعا باتا من اقتناء اي سلاح يمكن أن يشكل اية فعالية في حماية حدود لبنان...
لهذا تم وضع شرط تدمير كل السلاح الذي يتسلمه الجيش من حزب الله...
لكن استمرار وجود سلاح في يد المقاومة يجعل من هذه المقاومة بديلا عن الجيش الذي يجب حله؛
من هنا حرص كل الأطراف التابعة مباشرة او غير مباشرة لاميركا وإسرائيل والنظام الرسمي العربي على تركيز الحملات لنزع سلاح الحزب...
فرض التطبيع على لبنان ليس هدفا بحد ذاته؛ التطبيع هو أحد الخطوات المرحلية لنزع سلاح المقاومة وتدجين هذه المقاومة...
لكن بمجرد انتزاع هذا السلاح، سوف يواجه لبنان الخطة الأميركية الفعلية القائمة على تقاسم البلد على الطريقة السورية:
تأخذ تركيا شمال لبنان واجزاء واسعة من البقاع بما في ذلك العاصمة بيروت بينما تتقدم إسرائيل لابتلاع الجنوب وما يتبقى من البقاع بالإضافة إلى المناطق الدرزية والمسيحية في الجبل...
نجاح هذا المخطط يعتمد بشكل أساسي على مزيد من التنازلات التي يقدمها حزب الله...
وفقا لأمين عام مستقلون من أجل لبنان رافي ماديان قام حزب الله بتسليم اكثر من الفي صاروخ كورنيت إلى الجيش اللبناني الذي قام بدوره بتدمير هذا الصواريخ...
إلى أي مدى كان الوضع سيئا كي يوافق حزب الله على هذا الوضع المأساوي؟
لا احد يستطيع إعطاء إجابة واضحة هذه الأيام...
فحزب الله ينتقل من تراجع إلى تراجع تحت شعارات غير مفهومة تتحدث عن إعادة بناء قدرات الحزب...
إذا كان الحزب في طور إعادة بناء قدراته كما يدعي، لماذا قام بتسليم هذه الصواريخ؟
بل السؤال هو لماذا وافق على اتفاق مخزي في ٢٧ نوفمبر طالما إنه كان لا يزال يمتلك هذه الكمية من الصواريخ التي كانت كفيلة بتدمير الفرق العسكرية الإسرائيلية كافة...
بأقل كثيرا من هذا السلاح قامت غزة بحرب عصابات دمرت خلالها معظم دبابات العدو...
إلى أي مدى كان الخرق قد وصل داخل حزب الله حتى يتخلى عن الانتصارات البرية التي كان بضعة آلاف من الشباب يحققونها في قرى الحافة الأمامية، ويوافق على بنود غير مفهومة وغير مقبولة من بيئة المقاومة؟
هل يناور حزب الله بانتظار ما سوف يحصل بين إيران وأمريكا؟
ربما؛ لكن يجب على حزب الله أن يعرف انه يشكل العقبة الوحيدة أمام تنفيذ المخطط الاميركي الاسرائيلي الفعلي القائم على تقاسم لبنان بين تركيا وإسرائيل...
القوى الأخرى من حزب القوات إلى الكتائب ومجموعات جورج سوروس مما يسمى مجتمعا مدنيا؛ كل هؤلاء، لا يمكن التعويل عليهم...
يتراوح هؤلاء بين الغباء والجهل المطلق وبين الضلوع الواعي المباشر في المخطط الاميركي...
في مؤتمر صحفي، شددت جماعة كلنا إرادة التي تسيطر على حكومة نواف سلام على وجوب احتكار الدولة للسلاح عبر نزع سلاح حزب الله؛ لكن هذه الجماعة لم تقل لنا لماذا يقوم الجيش بتدمير هذا السلاح بدل اقتنائه، كما تضع هذه الجماعة شرط خضوع النظام المالي اللبناني للنظام العالمي الذي تسيطر عليه أميركا دون أن تخبرنا كيف يمكن حماية اللبنانيين من سلبطة أميركا على هذا النظام...
صورت جماعة كلنا إرادة الأمر وكأن حزب الله هو العائق أمام قيام دولة قانون وعدالة اجتماعية دون ذكر كلمة واحدة عن كل ما قامت به أميركا لحصار وتدمير اقتصاد هذا البلد...
جماعة كلنا إرادة من جهة، وغيرها من الجماعات ومنها أساس ميديا التى تتحفنا كل يوم عبر محمد بركات بمطالبات أقل ما يقال فيها ان الرجل إما فقد عقله وإما قرر عن سابق تصور وتصميم على الدخول في حظيرة محمد بن سلمان الذي لا ينفك يكيل له المديح حتى خُيّل للناس أن إبن سلمان يشكل ندا لترامب وليس مجرد أداة تابعة له كما كل النظام الرسمي العربي...
أمامنا أقل من ستة أسابيع لنرى إذا ما كان حزب الله يناور فعلا قبل عودة الصواريخ لدك تل أبيب...
ورشة تصليح المآسي التي حصلت داخل حزب الله يجب أن تكون قد اكتملت...
ورشة عودة القتال هي وحدها الكفيلة بمنع المشروع الأميركي الصهيوني من التحقق...
بانتظار ذلك اليوم،
هناك آلاف الناس التي ترفض إعطاء أميركا إعطاء الذليل...
لم يكن هوكشتاين قدرا مفروضا علينا...
اليوم لا تشكل أورثاغوس هي بدورها قدرا مفروضا...
لكن الرد على الأميركيين يجب أن لا يتأخر...
هذا وحده كفيل بإسقاط كل المشاريع المشبوهة؛ كما هو كفيل وحده بمنع إزالة هذا البلد او إعادة كتابة تاريخه بالحبر الأميركي الصهيوني العفن...



