نعم فشلنا في بناء الإنسان العربي وتحصينه وطنياً ومجتمعياً
مقالات
نعم فشلنا في بناء الإنسان العربي وتحصينه وطنياً ومجتمعياً
راسم عبيدات
11 نيسان 2025 , 13:07 م


بقلم :- راسم عبيدات

عندما فشلنا في بناء الإنسان و"تحصينه" وطنياً ومجتمعياً وصلنا الى ما وصلنا اليه من كوارث وهزائم وخروج من التاريخ والجغرافيا،وعندما نجح الغرب وامريكا في ان يصنعوا لنا ديناً يناسبنا،وفق ما قاله "ثعلب" السياسة الأمريكية كيسنجر،ووظفوا الأنظمة الرسمية العربية التابعة والمتذيلة لتحقيق هدفهم هذا، تلك الأنظمة التي رأت بأن الهدف الرئيسي لها حماية انظمتها واستمرار السيطرة على شعوبها وتجويعها وإفقارها،حتى لا تفكر في الثورة عليها.

نعم نجحت امريكا والغرب في حرف الصراع عن قواعده وأسسه،واستطاعوا ان ينقلوا المقتلة السنية - الشيعية من قبل 1400 عام ،من الجانب الرسمي العربي والإسلامي الى الجانب الشعبي،وبحيث عدا عن استدخال ثقافة الهزيمة واليأس عند الجماهير، استدخلت قضية المذهبية السنية - الشيعية،حتى بات العدو حليفاً ومن يدين بنفس الدين عدواً،واشد خطراً على ما يعرف بالعالم السني العربي من اسرائيل، وضخت المليارات على ما عرف بالمرجعيات الدينية ودور الإفتاء ورجال الدين،وكذلك على كتاب ومثقفين واعلاميين وسياسيين،من أجل ان يشوهوا معاني ومضامين الجهاد في الإسلام،حيث بات الجهاد وفتاوي السلاطين ومشايخ الدولار في خدمة امريكا ومشاريعها واهدافها، حركوا ما يعرف بالمجاهدين العرب او العرب الأفغان،للقتال في افغانستان،من اجل محاربة الإلحاد والشيوعية التي كان يقودها الإتحاد السوفياتي السابق،الذي كان موجوداً في افغانستان، ومن بعد ذلك "صنعوا" عبر مختبراتهم ما يعرف ب"داعش" وحركوها نحو العراق وسوريا ،من اجل تدمير المجتمعات العربية وتفكيك جيوشها والقضاء على مؤسساتها المركزية،وكانت العشرية السوداء التي تعرضت لها سوريا من 2011- 2021،والتي أثمرت مؤخراً عن تدمير الدولة السورية واسقاطها،لكي يحل محلها نظام يرتكز الى ايدولوجية دينية متطرفة،ويمسك بخيوط الحكم والسلطة في ظل هيمنة وسيطرة ومناطق نفوذ لأكثر من دولة وطرف تحتل الأرض السورية،وتهيمن وتسيطر على خيراتها وثرواتها.

نعم وفق ما يعرف بمشروع " الفوضى الخلاقة" الأمريكي، نجحوا في اعادة تقسيم الأمة العربية وتفكيك جغرافيتها على خطوط المذهبية والطائفية والأثنية والعرقية،وتمدد المشروع الأمريكي شيئاً فشيئاً ، نحو تحويل ليبيا الى دولة فاشلة وتقسيم السودان وصوملته،وسعي قادته المقتتلين على السلطة، من أجل الإلتحاق بركب التطبيع مع اسرائيل،حيث ارسل قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، مبعوثه السابق الصادق اسماعيل قبل أقل من اسبوعين في زيارة سرية لإٍسرائيل، لنيل رضاها حتى يعبدوا له الطريق نحو أمريكا ،

المخطط ماض ومستمر ،والخلافات والأزمات العربية تتعمق،وقيادات عربية رسمية وصلت الى مرحلة ليس فقط التذيل والتبعية لأمريكا،بل تجردت من إرادتها وقرارها السياسي حتى في قضاياها الداخلية،وبات كل من يقول بنهج وفكر وثقافة المقاومة،يريد التخريب والتامر على ما يعرف بالأمن القطري،وليس بالأمن القومي العربي،فهذه كذبة كبرى،حيث لم يعد هناك مشروع قومي عربي،وان بقيت احزاب قومية عربية تمسك بهذا الخيار،فهي بقيت في الإطار النخبوي البعيد عن الجماهير،فهي لم تستطع ان تترجم ذلك في أرض الواقع.

الفشل الوطني في عملية "التحصين" استتبعه فشل في "التحصين" المجتمعي،حيث لم ننجح في بناء الدولة الوطنية، دولة مؤسسات المجتمع المدني،التي تشكل حصانة وحماية لكل ابناء المجتمع وان يكون الجميع متساوين أمام القانون،فما زالت "سهام" العشائرية والقبلية والعشائرية "تنغرس في الجسد العربي ،تلك العشائرية والقبلية التي جعلت من الإنتماء للقبيلة والحمولة متقدماً على الإنتماء الوطني.

وغالباً ما نجد أن الكثير من الخلافات الشخصية والفردية، يجري تضخيمها وتحويلها الى حروب قبلية وعشائرية مدمرة،تخلق ندوب وثارات عميقة في المجتمع يصعب دملها.

والمأساة في المبنى العشائري والقبلي ،أنه تسلل الى داخله ،من يقولون انهم رحال إصلاح وحماية للسلم الأهلي والمجتمعي،ونجد بأن مثل جزء من الأزمة وليس الحل،فهم يأججون الخلافات ويسعرونها،ويقلبون الحق باطل والباطل حق،خدمة لمصالح وغايات شخصية وفردية،وفي احيان كثيرة يكون لها علاقة بالإبتزاز المالي،وهذا يدفع بالإطراف الضعيفة التي لا تجد من يسندها،أو ينتصر لمظلوميتها،تلجأ الى خيارات أما غير وطنية،او طلب الحماية من عشائر وعائلات كبرى ونافذة،او تضطر لمغادرة الوطن ،الذي لا يوفر لها الأمن والأمان والعيش بكرامة،وهذا ما نشهد كشعب فلسطيني واقع تحت الإحتلال،حيث الإحتلال،يغذي تلك الخلافات ويسعرها،لكي يبقى مجتمعنا بعيداً عن قضاياه الوطنية،ويبقى منشغلاً في قضاياه الداخلية،والبحث عن الحل والخلاص الفردي.

علينا كعرب أن نعترف بأننا نعاني من أزمات عميقة سياسية واقتصادية ومجتمعية،ونشهد حالة غير مسبوقة من انهيار منظومة القيم والأخلاق،فطقوسنا وعباداتنا ، لا تنعكس في حياتنا اليومية ولا في سلوكنا ولا في أخلاقنا،بحيث أضحت تلك العبادات عادة مجتمعية،وكشكل من أشكال "البرستيج" والمركز الإجتماعي والحضور المجتمعي.

واضح أنه بدون أن يكون هناك عمل جدي،تشارك فيه القوى والمؤسسات المجتمعية والتربوية والدينية والقوى والأحزاب والسلطات بأجهزتها المختلفة،في بناء إنسان متسلح بالوعي والكرامة والإنتماء والإعتزار بوطنيته وقوميته، فإننا "سنغرق" في التيه والجهل والتخلف،والمزيد من الإنقسامات والخلافات،التي من شأنها أن تجعل مجتمعاتنا،لقمة سائغة،لك من يبحثون عن دور ومكانة في ملعبنا الفلسطيني .

بناء الإنسان "وتحصينه" وطنياً ومجتمعياً يجب ان تكون قضية محورية في قضايا التوعية والتثقيف، التي يجب ان يكون لها مؤسسات وحواضن قادرة أن تقوم بدورها في عملية البناء و" التحصين" ،بعيداً عن العوائق ووضع العصي في الدواليب.

فبدلاً من ضخ الأموال على مؤسسات وبرامج وفضائيات،تكرس المذهبية والطائفية في مجتمعاتنا،علينا أن نضخ تلك الأموال الى مؤسسات همها البناء والنهوض بالإنسان العربي،لكي لا يبقى اسير الجهل والتخلف والعيش في "جلابيب" الماضي، والتاريخ لا يخضع للهندسة الإجتماعية،بل هو يسير الى الأمام بطريقة لولابية ولا يسير وفق "هندستهم" الإجتماعية".

فلسطين – القدس المحتلة

11/4/2025

Quds.45@gmail.com

المصدر: موقع إضاءات الإخباري