مغامرة حماس
مقالات
مغامرة حماس
محمد الحمد
13 نيسان 2025 , 11:48 ص

تتجلى قضية فلسطين اليوم بوصفها جرح الأمة المفتوح، ومرآتها الصادقة، التي تكشف حجم التواطؤ والخيانة من قبل العديد من الأنظمة العربية التي تخلّت عن واجبها الديني والإنساني والقومي تجاه شعبٍ أعزل يُذبح يوميا، ومقدسات تُدنس أمام أنظار العالم. وفي قلب هذه الصورة، تبرز “مغامرة حماس” كما يسميها البعض، لتعيد ترتيب أولويات الذاكرة العربية وتفضح الغطاء الذي طالما تسترت به خيانات كبرى.

أولا: خيانة حكام العرب للقضية الفلسطينية

لقد لعب عدد من الحكام العرب أدوارا خطيرة في خيانة القضية الفلسطينية، وكان ذلك في لحظات مفصلية من تاريخ الصراع، ومنهم:

 1. ملك المغرب الذي سمح للموساد الإسرائيلي بالتجسس على مخرجات القمة العربية الهامة المنعقدة في المغرب، والتي كانت مخصصة لتوحيد الموقف العربي في مواجهة العدو الصهيوني.

2. ملك الأردن الذي استقل طائرة مروحية إلى تل أبيب لإطلاع غولدا مائير على توقيت الهجوم العربي الذي كان مقرّرا أن تشنه العراق وسوريا ومصر على الكيان الصهيوني.

 3. حكومات الإمارات ومصر والأردن والبحرين التي انخرطت في مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكل ذلك بمباركة سعودية.

ثانيا: مشروع حل الدولتين وخطره

في قمة بيروت عام 2002، طرحت السعودية مشروع “حل الدولتين”، الذي اعتُبر خيانة كبرى واعترافا غير مباشر بشرعية الكيان. الأخطر من ذلك أن السعودية مارست سياسة تكفيرية أساءت للإسلام وزرعت الفتن بين المسلمين، مما مكّن العدو الصهيوني من التغلغل أكثر في المنطقة. لقد ساعدت السعودية الولايات المتحدة وإسرائيل في العبث بمقدّرات الدول العربية والإسلامية، وساهمت في شيطنة كل من يقاوم مشروع “إسرائيل الكبرى”. ويُعتبر مشروع نيوم أحد أبرز أذرع هذا التمكين، إذ يمثل عاملا مساعدا لإنشاء قناة “بونغربون”، ويُستخدم كوسيلة لاختراق المنطقة وتطويعها للمشروع الصهيوني، كما دفعت السعودية بعدد من نخبها في مختلف المجالات إلى التطبيع العلني مع الكيان، عبر الظهور في القنوات الصهيونية وتبادل الزيارات واللقاءات الرسمية، ومن هؤلاء اللواء أنور عشقي.

ثالثا: الحرب على اليمن

شنّت السعودية والإمارات، ومعهما خمس عشرة دولة أخرى، حربًا عدائية على اليمن، تنفيذا لأوامر أمريكية صهيونية، مبررين ذلك بادّعاء مواجهة النفوذ الإيراني، في تكرار مفضوح لسيناريوهات الزيف والتبرير التي تعتمدها تلك الأنظمة.

رابعا: التآمر على سوريا

كان لقطر دور مركزي في المؤامرة على سوريا لإسقاط نظامها، وانخرطت في هذا المشروع بالتعاون مع السعودية وتركيا والأردن والإمارات، وكل ذلك تم تحت إشراف أمريكي صهيوني مباشر، في محاولة لإضعاف محور المقاومة وتفكيك الجبهة التي تواجه الكيان.

خامسا: الإعلام العربي وخدمة العدو

شكّل الإعلام العربي، وخصوصا إعلام السعودية وقطر والإمارات، أحد أهم ركائز المشروع الصهيوني لضرب كل من يهدد وجود الكيان، سواء من أنظمة أو حركات مقاومة أو شعوب. لقد عمل هذا الإعلام على ترسيخ مفهوم أن “إسرائيل” هي دولة شرعية، من خلال تعمد استخدام هذه التسمية وتجاهل ذكر فلسطين، وهو ما يُعد عملية ممنهجة لتغيير وعي الشعوب وتزييف الواقع.

سادسا: التطبيع واتفاق “إبراهام”

شهدنا تسارعا خطيرا في وتيرة التطبيع من خلال ما يسمى بـ”اتفاق إبراهام”، الذي لا يُمثّل إلا خطوة نحو مشروع “إسرائيل الكبرى”. هذا الاتفاق يمهّد أيضا لما يُسمى “حكومة الشيطان” التي يسعى إليها كل من البناؤون الأحرار والنورانيون والصهاينة، بهدف إذابة الأديان السماوية في دين واحد أطلقوا عليه “الإبراهيمية”، بديلًا عن الإسلام.

سابعا: العلاقات مع الكيان الصهيوني

شهدت العلاقات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني تطورًا غير مسبوق على الصعد الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية والأمنية. وقد أعلنت هذه الدول، وفي مقدمتها دول الخليج، عن مشروع دفاع مشترك مع الكيان. وأكد هذا التصور رئيس أركان جيش العدو كوخافي أفيف في مايو 2021، حين صرح قائلاً: “لقد شكلنا محورًا يمتد من اليونان مرورا بقبرص، مع مصر والأردن وبعض الأنظمة في الخليج، وصولًا إلى إسرائيل، لمواجهة ما يُسمّى بالمحور الشيعي”.

ثامنا: تذويب القضية الفلسطينية

لقد تم تذويب القضية الفلسطينية بصورة خطيرة وعلى كافة المستويات، حيث تم اختزالها في جغرافيا محدودة وتجاهل بعدها القومي وأهميتها للأمن القومي العربي والإسلامي. لم تعد فلسطين حاضرة في الوجدان الشعبي والسياسي كما كانت، وهذا التراجع يخدم بشكل مباشر المشروع الصهيوني.

تاسعا: تجاهل أحكام الله وخيانة الدين

لقد تجاهل حكام العرب والمسلمين أحكام وتشريعات الله التي وردت في كتابه الكريم، وانساقوا في خيانة الدين والأخلاق والإنسانية، بل وحتى خيانة أمن بلدانهم القومي، خدمةً للكيان الصهيوني وتثبيتا لوجوده.

عاشرا: جرائم الكيان الصهيوني

القتل الممنهج، الحصار، التنكيل، وتدنيس المقدسات في فلسطين المحتلة، كلها جرائم كشفتها للعالم عملية طوفان الأقصى، التي فضحت الدول الداعمة للكيان الصهيوني، وعرّت هذا الكيان الذي ارتكب أفظع المجازر في التاريخ الحديث.

أحد عشر: مغامرة حماس الحقيقية

يقولون إن حماس غامرت عندما أطلقت عملية طوفان الأقصى، وجرت بذلك الويلات على الفلسطينيين والمنطقة. لكن الواقع أن حماس اعتقدت أن الشعوب والأنظمة العربية، أمام هذا الظرف الحساس، ستستغل ضعف أمريكا وإسرائيل، وتقف إلى جانب المقاومة لإزالة هذا الكيان. من البديهي أن الشعوب والأنظمة العربية، كونهم عربًا ومسلمين، لن يسمحوا بارتكاب المجازر وذبح الأطفال والنساء وتدمير كل شيء. اعتقدت حماس أن هؤلاء ما زالوا يملكون العروبة والإسلام، وهذه هي المغامرة الحقيقية، وليس ما يروج له الإعلام الرسمي وأبواق الحكام العرب ومن معهم من المترددين والمرجفين والطائفيين وأصحاب العقول السطحية.

اثنا عشر: من وقف مع حماس؟

لم يقف مع حماس إلا جبهة المقاومة التي قدمت كل ما تستطيع، ميدانيا وشعبيا ، ابتداءً من حزب الله في لبنان واليمن العزيز، مرورا ببعض الفصائل العراقية، وبدعم مباشر من الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ثلاثة عشر: لو وقفوا على الحياد فقط

لو أن حكام العرب وتركيا وقفوا على الحياد على الأقل خلال معركة طوفان الأقصى، ولم يقدموا المساعدات للكيان، ولم ينخرطوا في منظومة الدفاع المشترك لحمايته، لما بقي الكيان بعد الطوفان أبدا.

ورغم ذلك فان عملية الطوفان الكبرى التي نفذتها حركة حماس حققت اهدافا هامة ومنها:

 1. إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية والإعلامية بعد سنوات من التهميش، وقد نجحت حماس في ذلك، إذ عادت فلسطين لتكون محور الاهتمام العالمي، وفرضت نفسها على أجندة الشعوب وصناع القرار.

 2. الضغط من أجل إطلاق الأسرى الفلسطينيين عبر صفقة تبادل، وهو هدف استراتيجي نجحت حماس في التمهيد له من خلال احتجاز عدد كبير من الجنود والمستوطنين، ما وضع ورقة قوية بيد المقاومة.

 3. تحطيم ما يُسمى “أسطورة الجيش الذي لا يُقهَر”، حيث شكّلت العملية ضربة موجعة للمنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وكشفت هشاشتها وضعفها أمام تخطيط المقاومة.

 4. ضرب المرتكزات الأساسية للكيان الصهيوني، سواء الأمنية أو الاقتصادية أو النفسية، وهو ما ظهر جليًا في حالة الذعر، وانهيار الثقة الداخلية، وتراجع صورة “الدولة الآمنة” التي حاول الاحتلال ترسيخها.

 5. توحيد الشعوب العربية والإسلامية.

 بعد عقود من مشاريع الفتن الطائفية والانقسامات التي رعتها قوى الهيمنة الأمريكية والصهيونية وأدواتها في المنطقة، فجاءت العملية لتعيد البوصلة نحو العدو الحقيقي.

ختاما:

الطوفان لن يتوقف حتى إزالة الكيان، سواء عبر استمرار العمليات العسكرية، أو عبر انهياره من الداخل، لأن الضربات التي وُجّهت له أصابت المرتكزات الأساسية التي يقوم عليها، وهو ما أدى إلى انقسام عمودي وأفقي داخله، وسيسرّع من نخره وتآكله حتى انهياره التام.

السلام على المقاومين الأحرار

السلام على الشهداء والجرحى