في خضم الضغوط المتزايدة التي تُمارسها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني على شعوب المنطقة، يتكرر الحديث مجددا وبإصرار على ضرورة نزع سلاح المقاومة، سواء في غزة أو في لبنان او العراق او اليمن، ولا غرابة أن ينساق البعض إلى هذه الدعوات المشبوهة، غير مدركين أنهم يكررون بصوتهم دعاية العدو ويُسهمون في تنفيذ مشروعه الاستعماري، بوعي أو بغير وعي.
منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، تقدم النظام المصري ممثلًا بالسيسي بمقترح إقامة دولة فلسطينية “منزوعة السلاح”، وهو المقترح ذاته الذي يُعاد طرحه اليوم تحت مسميات مختلفة، لكن الجوهر واحد: تسليم سلاح الكرامة، وتسليم حق الدفاع عن الأرض والعِرض والمقدسات، والأسوأ من ذلك أن هذا الطرح يأتي من جهات يفترض أنها في صف القضية، لكنها من شدة عمالتها أو سذاجتها تتناسق بشكل مريب مع ما يريده العدو، وتغض الطرف عن الحقيقة.
وهنا يُطرح سؤال جوهري: أليست السلطة الفلسطينية منزوعة السلاح؟ ألم تذهب بكل إرادتها إلى مايسمى مشاريع “السلام” وحل الدولتين، ومن ضمنها المبادرة السعودية؟ فماذا كانت النتيجة؟ هل حصلت السلطة على دولة؟ هل احترمها الكيان الصهيوني على الأقل؟ الجواب واضح: لا، بل لا تزال تُهان وتُستباح وتُضرب، ويُستهدف قادتها ومؤسساتها، وتُقتحم مدنها، ويُعمّق الاحتلال من تمدده الاستيطاني بلا هوادة. فما الذي جلبه نزع السلاح سوى المزيد من الذل والخذلان والإذلال؟العدو الحقيقي في هذه المنطقة ليس صاحب الأرض الذي يُدافع عن شرفه وحقه وكرامته، بل هو المحتل البغيض المجرم، الذي لا يزال ينفذ مشاريع غيبية توراتية مزورة، خُطِط لها شيطانيًا لخدمة مصالحه التوسعية.
هذا الكيان لم يتوقف عن القتل والتدمير والتنكيل وارتكاب أبشع الجرائم بحق الإنسان والمكان، بينما الأنظمة المعنية بالأمر نائمة صامتة متخاذلة، تعيش يومها كأن شيئًا لم يكن، غير عابئة بمستقبل شعوبها وأوطانها.
حكام الأعراب، ومن خلال أدواتهم وإعلامهم، لا يواجهون المحتل، بل يحاربون المتمسك بأرضه وثوابته، ويشيطنون المقاومة، ويُطالبون بتسليم سلاحها، لا يطالبون حتى العدو الصهيوني بالكف عن إجرامه، ولا بوقف آلة القتل اليومية التي يستخدم فيها كل الأسلحة المدمرة. هم لا يرون في العدو خطرا، بل يرون في المقاوم خطرا، ويطلبون من صاحب الحق تسليم سلاحه، ليتمكن العدو منه ويمضي في مشاريعه الخبيثة، بلا مقاومة ولا عوائق.
والمصيبة الكبرى أن أدوات العدو في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، يشيطنون سلاح المقاومة ويجعلون منه “المشكلة” بدل أن يكون عنوان الحل. هؤلاء يعيدون إنتاج الدعاية الصهيونية الغربية، ويعملون على تمريرها بوجه محلّي لا يخدم إلا العدو ومشروعه، حتى وإن كان ذلك المشروع يُهدّد الأمن القومي للمنطقة برمتها.
فهل المشكلة حقا في صاحب الأرض؟ أم في من اغتصبها؟ نحن نتحدث عن كيان مجرم عنصري، لا يعترف بحدود، ولا يُخفي نواياه، بل يعلن عنها ليل نهار.
وقد قال “سموترِيتش” بوضوح: “كل المنطقة يجب أن تكون تحت سلطتنا لأنها أراضٍ إسرائيلية، وذكر الأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية ومصر.”
أما “موشي مائير”، فكان أكثر وقاحة حين صرّح قائلا: “نحن ننتظر بفارغ الصبر تسليم حزب الله سلاحه للدولة اللبنانية لنحقق طموح دولتنا الكبرى باحتلال لبنان، وقد بدأنا منذ أشهر بتوزيع الخارطة الجغرافية لبلادنا الموعودة خالية من وجود فلسطين ولبنان.”
هذه التصريحات وحدها تكشف نوايا هذا الكيان وتُسقط كل أقنعة مايسمى “السلام” و”الواقعية” التي يروج لها المطبعون والعملاء والطابور الخامس.
لسنا بحاجة للعودة إلى عقود خلت، يكفي أن نستحضر ما قاله ترامب حين صرّح بأن “مساحة الكيان الصهيوني صغيرة وهذا غير مقبول”، أو عندما تحدّث النتن وكبار قادة الاحتلال عن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” و”إسرائيل الكبرى”، التي تمتد لتشمل فلسطين وسوريا ولبنان والعراق والأردن، وأجزاء من مصر والسعودية ومعها قطر والكويت والبحرين والإمارات.
كل هذه المشاريع الاستعمارية الخطيرة، التي يُعلن عنها العدو صراحة، لا تُحرّك ساكنًا لدى من يُفترض أنهم في موقع المسؤولية، لا رجولة ولا غيرة، لا إحساس ولا كرامة، بينما نجد أن اللوم يُلقى على المقاومة، لا على من ارتكب مئات الآلاف من الجرائم، من القتل والاغتصاب والتدمير والتنكيل وانتهاك الحُرُمات.
وبدل المطالبة بنزع سلاح العدو الصهيوني، لا سيما سلاحه النووي الذي يمتلكه، نرى الغرب وأدواته يتهمون دولا أخرى بامتلاك هذا السلاح ليبرّروا غزوها وتدميرها، رغم أنهم أول من استخدم هذا السلاح وأول من صنعه.
إن من يصفق اليوم لمشاريع نزع سلاح المقاومة، إنما يصفق لمشروع تدمير ما تبقى من كرامة الأمة، ومن وعيها. وسلاح المقاومة ليس سلاحا عاديا، بل هو سلاح الشرف، سلاح الكرامة، سلاح الدماء الطاهرة التي سالت من أطفال ونساء وشيوخ، ومن قادة أفذاذ قدّموا أرواحهم فداءً لعزتنا وكرامتنا.
هذه معركة وجودية، لا حياد فيها، ولا مجال فيها للتخاذل أو التنازل، النتيجة فيها واضحة: إمّا نحن أو هم.
وسيبقى سلاح المقاومة هو العنوان، وهو الأمل، وهو خط الدفاع الأول عن هذه الأمة، ولن يُسلَّم هذا الشرف أبدا أبدا.


