تمكن فريق علمي دولي من قراءة لفافة بردي متفحمة تعود إلى عام 79 ميلادي، استخدم فيها الذكاء الاصطناعي وتقنيات المسح بالأشعة السينية، ليكشف النقاب عن عمل فلسفي نادر للفيلسوف اليوناني الأبيقوري فيلوديموس. كانت هذه اللفافة مدفونة تحت رماد بركان فيزوف الذي دمر مدينة هيركولانيوم الإيطالية، ويُعد هذا الكشف العلمي خطوة فارقة في دراسة الفكر القديم.
- فك رموز نص مفقود منذ ألفي عام
أظهرت التحاليل الدقيقة باستخدام التصوير المتقدم آثار الحبر داخل اللفافة المتفحمة، وتم التعرّف على عنوان العمل ومؤلفه. النص ينتمي إلى سلسلة مؤلفات بعنوان "عن الرذائل"، وتتناول موضوعات فلسفية دقيقة مثل الغرور، الجشع، النفاق، والاشمئزاز، إضافة إلى قضايا إدارة شؤون المنزل. هذا العمل هو واحد من ثلاث لفائف محفوظة في مكتبة بودليان بجامعة أكسفورد.
- اكتشاف غير مسبوق في تاريخ البرديات
صرّح الدكتور مايكل ماكوسكر، الخبير في جامعة كوليدج لندن، بأن هذه اللفافة هي الأولى التي أمكن رؤية الحبر عليها مباشرة في المسح الضوئي، وكانت تُعد سابقا غير قابلة للقراءة بسبب احتراقها التام، حتى أن محتواها كان مجهولا بالكامل، ويُعتقد أن هذه اللفائف كانت جزءا من مكتبة ضخمة في فيلا فاخرة قريبة من نابولي، يُرجّح أنها كانت مملوكة لأحد أقارب يوليوس قيصر.
- "تحدي فيزوف": مسابقة تقنية تكشف أسرار الماضي
يأتي هذا الاكتشاف ضمن إطار "تحدي فيزوف"، وهي مسابقة عالمية أُطلقت في عام 2023 لتحفيز استخدام الذكاء الاصطناعي في قراءة لفائف هيركولانيوم، وفي العام الماضي، فاز فريق من طلاب علوم الحاسوب بالجائزة الكبرى البالغة 700 ألف دولار، بعد نجاحهم في قراءة 2000 حرف يوناني من لفافة أخرى.
- تقنية الأشعة السينية تكشف الحبر الخفي
في يوليو الماضي، تم مسح اللفافة "PHerc. 172" في منشأة "دايموند سينكروترون" في المملكة المتحدة، وظهرت خلالها آثار حبر واضحة في صور الأشعة، من بينها تكرار لكلمة "الاشمئزاز" باللغة اليونانية القديمة، وقد حصل الباحثون شون جونسون، مارسيل روث، ومايكل نوفاك، على جائزة بقيمة 60 ألف دولار لاكتشافهم اسم المؤلف والعنوان داخل اللفافة.
- مستقبل البحث: مزيد من اللفائف، مزيد من الأسرار
يجري حاليا مسح عشرات اللفائف الأخرى، حيث خضعت 18 لفافة للمسح في مارس الماضي، ويُتوقع مسح 20 لفافة جديدة هذا الأسبوع في منشأة الإشعاع السنكروتروني الأوروبية في غرونوبل بفرنسا، وأوضح الدكتور برينت سيلز من جامعة كنتاكي، أن هناك مؤشرات قوية على وجود حبر في العديد من اللفائف الأخرى، لكن التحدي الرئيسي هو تحويل البيانات المعقدة إلى نصوص قابلة للقراءة والتحليل.
- بين التقنية والفلسفة: نهضة جديدة للفكر القديم
يمثل هذا العمل التكاملي بين التقنية الحديثة والحفريات التاريخية نقطة تحول في فهم التراث الفكري للبشرية، ومن خلال الذكاء الاصطناعي، تُعاد إحياء أفكار فيلوديموس التي كادت أن تُطمس إلى الأبد تحت رماد فيزوف، ليصل صدى فلسفته من القرن الأول قبل الميلاد إلى عقول الباحثين في القرن الحادي والعشرين.